الطاقة النووية، الطاقة الهوائية، الطاقة الشمسية.. والآن الهيدروجين. عناوين تضج بها وسائل الإعلام موسمياً وكأن العالم الذي يبحث عن بديل للزيت بات على وشك الوصول إلى ضالته. فلما هذا البحث عن بديل للزيت؟ وهل هناك بديل فعلاً خلال المستقبل المنظور؟ اختصاصي التخطيط والتحليل محمد عبدالرحمن الفهيد يناقش هذه الإشكالية فيما يلي..
شهدت مصادر الطاقة منذ أن بدأ الإنسان باكتشاف النار لأغراض التدفئة والطبخ والإنارة تحولات دراماتيكية على مر العصور. فقد استمر استخدام الخشب والمواد الصلبة الأخرى بالإضافة إلى الزيوت المستخرجة من الحيوانات والنباتات في إنتاج الطاقة اللازمة لتلك الأغراض على مدى عصور طويلة، حتى بدأ الإنسان في استخدام مصادر الطاقة تلك في التصنيع وخاصة في تصنيع المعادن.
ومع مطلع القرن الثامن عشر، تم اكتشاف الفحم كمصدر مهم ورئيس للطاقة فحل محل الخشب وأصبح عاملاً رئيساً في قيام الثورة الصناعية وقطاع المواصلات. وتأتي نقطة التحول الثانية مع اكتشاف البترول في بداية القرن التاسع عشر مما أدى إلى تطور كبير في مجالي النقل والصناعة على حد سواء.
وعند تتبع مراحل الانتقال من مصدر معين للطاقة إلى آخر يلاحظ أن نوعية التحول كانت في جودة الوقود. فالفحم مثلاً تنتج عنه طاقة أكبر من الخشب وغيره من أنواع الوقود الصلب الأخرى، وكذلك البترول تنتج عنه طاقة أكبر من الفحم.
لذا يمكن القول أن التطور التقني أدى إلى التحول لاستخدام أنواع من الوقود ذات جودة أعلى من سابقتها، مما أدى بدوره إلى نمو إطرادي في المجال الصناعي، وبالتالي في المجال الاقتصادي. وبهذا أصبح البترول مصدر الطاقة الأكثر قبولاً لدى المستهلك حتى عام 1973م حين وقعت حرب أكتوبر وما تبعها من تهديدات بفرض حظر على صادرات البترول من الدول العربية إلى بعض الدول الصناعية المستوردة، مما أدى إلى ظهور محور جديد في مجال الطاقة ألا وهو المحور السياسي أو ما يسمى بسياسات تأمين مصادر الطاقة.
انبثقت عن ظهور هذا المحور اتجاهات عدة، منها توجه الدول الصناعية في أمريكا وأوروبا الغربية واليابان إلى تطوير تقنية الاستهلاك وضخ أموال طائلة في مجال البحوث بهدف إيجاد مصادر جديدة للطاقة. وفي المقابل اتجهت الدول النامية إلى مواصلة مسيرة الاستهلاك من البترول لتدعيم برامجها التنموية والاقتصادية.
ولكن، لم تقف التحديات للبترول عند هذا الحد.
ففي الثمانينيات ظهرت إلى حيز الوجود تحديات جديدة ألا وهي عوامل البيئة مما أدى إلى استبدال جزء كبير من الفحم والبترول بالغاز الطبيعي وخاصة في مجال توليد الكهرباء.
وتجاوباً مع مطالب ناشطي البيئة ولأهداف اقتصادية ومالية بحتة؛ سنّ العالم الغربي الضرائب على المنتجات البترولية لتصبح هذه الضرائب مصدر دخل لتلك الحكومات لا يمكنها التخلّي عنه.
وقبل التطرق إلى ما يواجه البترول من تحديات في هذا المجال، يجب استعراض أنواع مصادر الطاقة، التي تنقسم إلى قسمين رئيسين وهما طاقة متجددة(1) وطاقة غير متجددة. حيث تعتبر الطاقة الناتجة عن استخدام الفحم والبترول والغاز الطبيعي واليورانيوم (الطاقة النووية) من أنواع الطاقة غير المتجددة بينما تعتبر الطاقة الناتجة عن استخدام قوة اندفاع المياه (الطاقة المائية) والطاقة الناتجة عن الحرارة المنبعثة من باطن الأرض (Geothermal) والطاقة الشمسية (Solar) والطاقة الهوائية (Wind) والطاقة الناتجة عن حركة الأمواج في البحار والمحيطات (Tide) والطاقة الناتجة عن حرق المواد العضوية لبقايا النباتات والحيوانات وفضلات الكائنات الحية (Biomass) سواء الصلب منها أو السائلة أو الغازية من أنواع الطاقة المتجددة.
ويوضح الرسم البياني (رقم 1) أنواع الطاقة المستخدمة حالياً في العالم وحصة كل منها في الاستخدام العالمي لعام 2001م.
وحيث أن موضوع هذا المقال هو بدائل النفط فيمكننا استبعاد الأنواع التي ثبت عدم جدوى منافستها للبترول في المجالات الرئيسية لاستخدامه بشكل غالب. حيث يوضح الرسم البياني (رقم 2) حصة كل نوع من أنواع الوقود في الاستهلاك العالمي للطاقة في عام 2001م بالمقارنة مع عام 1990م. ويتضح من ذلك تراجع حصة الفحم وإلى حد ما تراجع حصة النفط، لصالح الغاز الطبيعي والطاقة النووية وأنواع الطاقة المتجددة.
إن معظم الإحلال الذي حصل كان في مجال إنتاج الكهرباء والتدفئة، حيث زادت حصة الغاز الطبيعي بشكل أكبر والطاقة النووية والمتجددة بشكل محدود في هذين المجالين، بينما حافظ النفط على سيطرته الكاملة في مجال المواصلات. لذا اتجهت جهود الدول الكبرى المستهلكة للطاقة في مجال المواصلات إلى محاولة إيجاد أنواع وقود بديلة للنفط في هذا المجال. وكان وراء ذلك دوافع عدة، ولكن الدافع الرئيسي المعلن هو تقليل التلوث الناتج عن حرق المنتجات النفطية. ورصدت ميزانيات هائلة سواء حكومية أو خاصة للوصول إلى تحقيق هذا الهدف. وتمخضت هذه المحاولات عن اكتشافات عدة نذكر منها التالي:
استخدام الطاقة الشمسية في المركبات. ولم تحقق هذه التقنية تقدماً يذكر في هذا المجال ولم تشكل تهديداً للنفط؛ إما بسبب تكاليفها الباهظة، أو لعدم ملاءمتها لأنواع المركبات بشكل عملي.
استخدام الكحول ذي المصدر النباتي (الميثانول) كوقود بديل أو بإضافته إلى الوقود المنتج من النفط (الجازولين) بنسب معينة. ولكن ظل ذلك بشكل محدود نظراً لمحدودية المنتج أو لصعوبات تقنية أو بسبب الأضرار البيئية الناتجة عنه. ولكنه في الآونة الأخيرة عاد إلى حيز الاستخدام في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لتشجيع القطاع الزراعي المنتج له هناك، ولكن هذا الاستخدام لا يزال على نطاق ضيق.
استخدام الغاز الطبيعي كوقود لوسائل المواصلات.
وقد لاقى هذا البديل انتشاراً محدوداً واستخدم خاصة في وسائل النقل العام، وذلك بسبب صعوبة تخزينه وعدم انتشار وسائل التوزيع المناسبة لذلك والمخاطر التي قد تنجم عنه في حالة الحوادث.
استخدام تقنيات مبتكرة تعتمد على استخدام غاز الهيدروجين كوسيط في الطاقة المستهلكة مثل تقنية خلية الوقود (Fuel cell). وتستخدم هذه التقنية حاليا الجازولين لإنتاج الهيدروجين. ولا تزال تكاليف هذه التقنية مرتفعة بالمقارنة مع الاستخدام المباشر للوقود المنتج من النفط.
وهناك تقنيات أخرى كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكر خصائصها مثل تقنيات المحركات المهجنة (hybrid cars) مزدوجة المصدر، والتي تستخدم الجازولين والكهرباء كمصدر للطاقة. وهذه التقنيات إما أن تكون في طور البحث والتطوير أو في طور التجريب. وبشكل عام يمكن القول أن تأثيرها لن يكون كبيراً على حصة النفط في الاستهلاك العالمي للطاقة خلال العقدين القادمين، حسب توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الموضحة في الرسم البياني (رقم 3).
الخلاصة
يتضح مما سبق أن الدول الكبرى المستهلكة للطاقة ترصد إمكانات مادية هائلة في محاولة لإيجاد بدائل للنفط وذلك لأسباب عديدة.
السبب الأول: أمن الإمدادات. تسعى الدول الصناعية المستهلكة إلى تعزيز أمن وصول إمداداتها النفطية من أماكن إنتاجها إلى مناطق استهلاكها دون انقطاع، وتحاول تقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيس لتقليل مخاطر انقطاعه.
وقد أثبتت الدول المنتجة للنفط من أوبك وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قدرتها على تأمين سلامة الإمدادات للدول المستهلكة خلال الأزمات والتوترات الدولية وارتفاع الطلب وبأسعار مناسبة لكلا الطرفين. ولا تزال المملكة ودول أوبك الأخرى تؤكد حرصها على ذلك الأمر الذي تجسّد دعمها للحوار وتقريب وجهات النظر بين المنتجين والمستهلكين من خلال منتدى الطاقة الدولي الذي أنشئت أمانته في المملكة.
السبب الثاني:
التلوث البيئي. وهو التلوث الناتج عن استخدام الوقود الأحفوري ومشتقاته في إنتاج الكهرباء وفي وسائل المواصلات وما ينتج عن ذلك من ملوثات مثل غازات الكربون والنتروجين والملوثات المعدنية الأخرى والآثار المترتبة عليها كظاهرة الاحتباس الحراري. ورغم قبول هذا الأمر عالمياً ، إلا أن الدول الصناعية المنتجة للفحم – وهو أكثر تلويثاً من أنواع الطاقة الأخرى – تسعى إلى ترويجه كسلعة بديلة للبترول عن طريق إعانات ضريبية ومالية عالية وعن طريق تشجيع الأبحاث الرامية إلى تنظيفه من الملوثات.
ونظراً لما يمتاز به النفط من خصائص أهمها سهولة نقله من أماكن إنتاجه إلى أماكن استهلاكه بالمقارنة مع أنواع الوقود الأخرى، وكذلك سهولة تخزينه وما يمتاز به على التقنيات الجديدة من وجود البنية الأساسية للتوزيع والاستهلاك مما يقلل من تكاليفه، ونظراً لانحسار حجة أمن الإمدادات كما ورد سابقاً ، فإن العامل الكبير الذي سوف يؤثر على مستقبل الطلب على النفط هو مدى ملاءمته للمتطلبات البيئية الدولية.
وستكون المصادر الأكثر تأثيراً على حصة استهلاك النفط هي المصادر المبتكرة تقنياً والموجهة إلى خفض استهلاك النفط في مجال المواصلات. لذا من الضروري أن تبادر الدول المنتجة للنفط إلى رصد إمكانات مادية في مجال الأبحاث سواء الأكاديمية منها أو الصناعية تهدف إلى إنتاج أنواع وقود نظيفة مشتقة من النفط تتناسب مع التوجهات الدولية للمحافظة على البيئة والتقليل من تلوثها. وفي هذا الإطار تبذل جهود كبيرة في شركة أرامكو السعودية لتحقيق هذا الهدف عن طريق تشجيع الأبحاث والدراسات الرامية إلى تعزيز مكانة النفط بيئياً واقتصادياً.