اجتماعي

النوادي‭ ‬الصيفية‭  ‬واستغلال‭ ‬الطفولة

فائزة‭ ‬صالح‭ ‬

في‭ ‬زمنٍ‭ ‬باتت‭ ‬فيه‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأسرية‭ ‬تُدار‭ ‬بالاشتراك،‭ ‬لا‭ ‬بالاحتكاك،‭ ‬ظهرتْ‭ ‬موجة‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ«النوادي‭ ‬الصيفية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهرها‭ ‬جنة‭ ‬تربوية،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭… ‬مجرد‭ ‬فخٍ‭ ‬تجاري‭.‬

تنتشر‭ ‬اليوم‭ ‬عشرات‭ ‬النوادي‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬شعارات‭ ‬براقة‭: ‬تعليم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬تحفيظ‭ ‬القرآن،‭ ‬أنشطة‭ ‬ترفيهية،‭ ‬رحلات،‭ ‬سباحة،‭ ‬خيل،‭ ‬ورش‭ ‬فنية…لكنها‭ ‬غالبًا‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬المحتوى‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الفواتير‭.‬

كم‭ ‬من‭ ‬نادٍ‭ ‬صيفي‭ ‬زرته‭ ‬لتجد‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬فوضى،‭ ‬المشرفون‭ ‬صغار‭ ‬السن،‭ ‬بلا‭ ‬تأهيل،‭ ‬والمكان‭ ‬مجرد‭ ‬مبنى‭ ‬مستأجر‭ ‬بلا‭ ‬مرافق،‭ ‬لا‭ ‬خطة‭ ‬تربوية،‭ ‬ولا‭ ‬تقييم،‭ ‬ولا‭ ‬تطوير‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬‮«‬موجود‮»‬،‭ ‬والأب‭ ‬‮«‬مرتاح‮»‬،‭ ‬والأم‭ ‬‮«‬فضتْ‭ ‬روحها‮»‬‭.‬

فقط‭ ‬‮«‬دفعنا‮»‬‭ ‬و»سجلنا‮»‬،‭ ‬و»خلاص‮»‬‭…‬

لكن،‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬تربية؟‭ ‬أم‭ ‬مجرد‭ ‬إسكات‭ ‬مؤقت‭ ‬لصوت‭ ‬الطفولة؟

الواقع‭ ‬المُر‭ ‬أنَّ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النوادي‭ ‬تحوّلتْ‭ ‬إلى‭ ‬حاضنات‭ ‬بلا‭ ‬روح‭. ‬لا‭ ‬محتوى‭ ‬تربوي،‭ ‬لا‭ ‬أهداف‭ ‬تعليمية،‭ ‬لا‭ ‬مراقبة‭. ‬مجرد‭ ‬مساحات‭ ‬مملوءة‭ ‬بأطفال‭ ‬يصيحون،‭ ‬ومشرفين‭ ‬يتجولون،‭ ‬وفواتير‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭.‬

والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسأل‭: ‬ماذا‭ ‬تعلّم‭ ‬الطفل؟‭ ‬كيف‭ ‬تطوّر؟‭ ‬ما‭ ‬الأثر؟

فالمشكلة‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أصحاب‭ ‬هذه‭ ‬النوادي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تواطؤ‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬نفسها‭.‬

رب‭ ‬الأسرة،‭ ‬المرهق‭ ‬من‭ ‬الضغوط،‭ ‬يجد‭ ‬راحته‭ ‬حين‭ ‬‮«‬يودّع‮»‬‭ ‬أطفاله‭ ‬صباحًا‭ ‬ويعود‭ ‬ليجدهم‭ ‬نائمين‭ ‬من‭ ‬التعب،‭ ‬فيطمئن‭:‬

‮«‬الحمد‭ ‬لله،‭ ‬ارتحنا‭ ‬اليوم‭.‬‮»‬

لكن‭… ‬ارتاح‭ ‬مِمّن؟‭ ‬من‭ ‬فلذات‭ ‬الأكباد؟‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬حقيقية‭ ‬مع‭ ‬أبنائك؟

هل‭ ‬أصبح‭ ‬الطفل‭ ‬عبئًا‭ ‬يُرحّل‭ ‬يوميًا‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬‮«‬كرتوني‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬محمّلًا‭ ‬بلا‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬النعاس؟

في‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التعميم‭. ‬هناك‭ ‬مدارس‭ ‬ومراكز‭ ‬راقية،‭ ‬تقدم‭ ‬تجارب‭ ‬غنية‭ ‬للطفل،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬واللعب،‭ ‬تبني‭ ‬الشخصية‭ ‬والمهارات،‭ ‬وتحترم‭ ‬الطفولة‭ ‬كمرحلة‭ ‬تأسيس‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬وقت‭ ‬فراغ‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬قليلة،‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الاستثناء،‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬من‭ ‬النوادي‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬وهم‭ ‬‮«‬التنمية‮»‬‭ ‬وتشتري‭ ‬راحة‭ ‬الأهل‭ ‬المؤقتة‭.‬‮     ‬‮         ‬‭                           ‬‮  ‬‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬

لا‭ ‬يُقاس‭ ‬نجاح‭ ‬النادي‭ ‬بعدد‭ ‬الصور‭ ‬على‭ ‬فيسبوك،‭ ‬ولا‭ ‬بقيمة‭ ‬الاشتراك‭ ‬الشهري،‭ ‬ولا‭ ‬بعدد‭ ‬الوجبات‭ ‬التي‭ ‬يأكلها‭ ‬الطفل‭.‬

يُقاس‭ ‬بما‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬وقلبه‭ ‬وشخصيته‭.‬

فعلى‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭… ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبحثوا‭ ‬عن‭ ‬الراحة،‭ ‬ابحثوا‭ ‬عن‭ ‬القيمة‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تدفعوا‭ ‬المال،‭ ‬اسألوا‭:‬

ماذا‭ ‬سيجني‭ ‬لطفلي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬

هذا‭ ‬؟‭!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى