في زمنٍ باتت فيه المسؤولية الأسرية تُدار بالاشتراك، لا بالاحتكاك، ظهرتْ موجة ما يُعرف بـ«النوادي الصيفية» التي تبدو في ظاهرها جنة تربوية، لكنها في جوهرها… مجرد فخٍ تجاري.
تنتشر اليوم عشرات النوادي الخاصة التي ترفع شعارات براقة: تعليم اللغة الإنجليزية، تحفيظ القرآن، أنشطة ترفيهية، رحلات، سباحة، خيل، ورش فنية…لكنها غالبًا لا تقدم إلا القليل من المحتوى والكثير من الفواتير.
كم من نادٍ صيفي زرته لتجد الأطفال في فوضى، المشرفون صغار السن، بلا تأهيل، والمكان مجرد مبنى مستأجر بلا مرافق، لا خطة تربوية، ولا تقييم، ولا تطوير.
كل ما في الأمر أن الطفل «موجود»، والأب «مرتاح»، والأم «فضتْ روحها».
فقط «دفعنا» و»سجلنا»، و»خلاص»…
لكن، هل هذه تربية؟ أم مجرد إسكات مؤقت لصوت الطفولة؟
الواقع المُر أنَّ كثيرًا من هذه النوادي تحوّلتْ إلى حاضنات بلا روح. لا محتوى تربوي، لا أهداف تعليمية، لا مراقبة. مجرد مساحات مملوءة بأطفال يصيحون، ومشرفين يتجولون، وفواتير لا تنتهي.
والأسوأ من ذلك، لا أحد يسأل: ماذا تعلّم الطفل؟ كيف تطوّر؟ ما الأثر؟
فالمشكلة لا تكمن فقط في أصحاب هذه النوادي، بل في تواطؤ غير مباشر من الأسر نفسها.
رب الأسرة، المرهق من الضغوط، يجد راحته حين «يودّع» أطفاله صباحًا ويعود ليجدهم نائمين من التعب، فيطمئن:
«الحمد لله، ارتحنا اليوم.»
لكن… ارتاح مِمّن؟ من فلذات الأكباد؟ من فرصة بناء علاقة حقيقية مع أبنائك؟
هل أصبح الطفل عبئًا يُرحّل يوميًا إلى نادي «كرتوني»، ثم يعود محمّلًا بلا شيء سوى النعاس؟
في المقابل، لا يمكن التعميم. هناك مدارس ومراكز راقية، تقدم تجارب غنية للطفل، تجمع بين التعليم واللعب، تبني الشخصية والمهارات، وتحترم الطفولة كمرحلة تأسيس لا مجرد وقت فراغ.
لكن هذه المؤسسات قليلة، وأقرب إلى الاستثناء، في غابة من النوادي التجارية التي تبيع وهم «التنمية» وتشتري راحة الأهل المؤقتة. وفي النهاية
لا يُقاس نجاح النادي بعدد الصور على فيسبوك، ولا بقيمة الاشتراك الشهري، ولا بعدد الوجبات التي يأكلها الطفل.
يُقاس بما يبقى في عقله وقلبه وشخصيته.
فعلى أولياء الأمور… قبل أن تبحثوا عن الراحة، ابحثوا عن القيمة.
وقبل أن تدفعوا المال، اسألوا:
ماذا سيجني لطفلي من كل
هذا ؟!