
يعقد الكثير من الدارسين المقارنة بين )النيهوم والحصادي( كونهما صاحبي رؤية فكرية، إلا أنّ هذه المقارنة ليستْ حقيقية، أو دقيقة في نظري، وذلك لاختلاف نهج الرجلين، وطرحهما المعرفي، فنتاج النيهوم ذهب في مسارين: الأول الكتابة الأدبية الممزوجة بالطرح الفكري، والنقد المجتمعي الممزوج بالسخرية من الساسة والرعية على حد سواء، لا سيما في روايتيه )الحيوانات( و)القردة(، وهو هنا أقرب ما يكون إلى رؤية «ابن المقفع» في كتابه )كليلة ودمنة( من حيث السخرية المقنَّعة من الساسة، وأرباب المذاهب، وقد يتجاوز النيهوم في نقده أسوار المألوف، أو الثوابت المتوارثة؛ ليلمز بقلمه بعض القضايا ذات البعد المرجعي، أو الاقتراب بشيء من الجراءة من المسلّمات المجتمعية، مثلما فعل في روايته )من مكة إلى هنا(.
أما المسار الثاني في نتاجه فهو الكتابة الموسوعية ذات البعد المعرفي والثقافي، وقد عُرف النيهوم بموسوعته الشهيرة )بهجة المعرفة( التي هي ترجمة لموسوعة إنجليزية بالاسم نفسه تقريبًا.
أما الحصادي فهو أكاديمي حاول أن يقدم مقاربات فلسفية سواء أكانت من نتاجه أم من ترجمته، فهو قاريء نهم، وباحث جاد يجيد تفكيك الأفكار والرؤى الفلسفية وتقديمها للمتلقي على نحو واضح ومبسط رغم تعقيدها في أصولها الأولى، أي أنه لم ينتج فلسفة من العدم، ومن هذا الوجه هو لم يكن فيلسوفًا، بل هو متخصصٌ ومتبحرٌ في الفلسفة لا سيما الغربية منها، فكلمة فيلسوف تطلق على من يمتلك منهجًا فلسفيًا من صنعه.
عربيًا وفي عصرنا الحديث لا يوجد فلاسفة وفق هذا المعنى، أما في تراثنا العربي والإسلامي فثمة العديد من الفلاسفة على رأسهم )ابن سينا، وابن رشد، والفارابي( وغيرهم.
إذن فالنيهوم أديبٌ وصاحب رؤية فكرية ضمنها أدبه بأسلوب أنيق، وقلم سيّال، مع ما نقله من معرفة موسوعية، أما الحصادي فهو أكاديمي مجتهد، ولعله من المبالغة بأن نصفه بأنه صاحب فلسفة مستقلة عما تلقاه خلال دراسته في الغرب.