
في ليبيا، يُعد الأرشيف وما يحويه من كتب و وثائق و مخطوطات كنزًا ثمينًا يروي قصة شعب، ويحمل في طياته هويته وتضحياته. لكن هذا الكنز يواجه اليوم تحديات كبيرة، من نقص التمويل إلى المخاطر الأمنية، مما يهدد بضياع جزء مهم منه. في هذا الحوار نسلط الضوء على الجهود المبذولة لحماية هذه الذاكرة من الضياع و فيه نستضيف الأستاذ علي عمر الهازل، عضو مجلس إدارة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، والناطق الرسمي باسمه. نستكشف معه جهود المركز في حماية هذا الإرث، ونتناول مفهوم التوثيق كدرع للهوية الوطنية، ونتساءل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الوثائق في تحقيق المصالحة الوطنية. فإلى أي مدى استطاع حماة الأرشيف أن يصونوا تاريخ ليبيا من التلف، وكيف يمكن استثمار هذه الذاكرة لبناء دولة قوية وموحدة؟
من مركز جهاد الليبيين الى المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية..
تاريخ ليبيا عبر الاجيال.. كيف جاء هذا التحول في اسم وسياسة المركز..؟ ولماذا؟
المركز بقى محافظ على مهمته الاصلية الجهاد الليبيين منذ الإنشاء في 78 و أيضاً منذ الإنشاء قدمنا عدة مذكرات لتحويل المركز إلى أرشيف ليبيا لكن لم يتم الاستجابة لها حتى عام 2012 بصدور القانون 24 عن المجلس الانتقالي لتحويل المركز من مركز جهاد الليبيين إلى مركز المحفوظات الدراسات التاريخية..
ما سبب الرفض في وقتها؟
لا أعرف بالضبط سبب الرفض قد تعود لأمور أخرى للجنة الشعبية العامة في ذلك الوقت او ربما لبعض الأطراف لكن فشلنا طبعا، وهنا لا قصد طبعاً من الجهات الحاكمة حينها القذافي و زبانيته لا، ربما يكون من أطراف أخرى تريد أن يكون لها أرشيف خاص بها أو عندها نية في إقامة مراكز بالمعنى العام كانت هناك تدخلات وكما اقول على الدوام الليبيين يشعرون دائماً بوهم العبقرية بمعنى استصغار وانتقاص جهد الآخر و أنهم عباقرة يمكنهم فعل ماهو أفضل من الموجود و بالتأكيد هذا لغاية في أنفسهم المفروض القانون اللي صدر في عام 12 كان يفترض أن يصدر في 2010 لكن بدأت اضطرابات ما يسمى بالربيع العربي ولم ينعقد مؤتمر الشعب العام إلى أن قامت 17 فبراير انعقد المجلس الانتقالي و إستلم السلطة تم اصداره لأن القانون وضعه مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس نفسه عندما كان وزير عدل في العهد السابق صحبة مستشارين آخرين منهم الدكتور الهادي أبو حمراء، علي ضوي و مجموعة من الخبراء وتم الاتفاق عليه و بذلك يكون القانون رقم 24/12 هو القانون المؤسس لأول مرة في ليبيا يكون لدينا أرشيف خاص بتاريخ ليبيا متمثل في المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية.
ما هو التوثيق من وجهة نظرك؟ وهل يختلف عن مجرد «جمع أوراق»؟
هذه وظيفتنا، المفهوم الخاص للتوثيق ليس لدينا كمركز نحن مهمتنا تتمثل في استلام الوثائق تنظيمها ترتيبها حسب مواضيعها حسب فهرستها أرقام تسلسلية لها داخل الأرشيف، من ثم يأتي دور الباحث لتنصيف أهميتها …
بشكل عام نحن هنا كـ» الجبانة « نستقبل كل شيء نصنف نرتب نضع الأرقام نحدد الوثائق نحدد الأرقام و مواضيعها فقط.
هل يمكننا القول أن لدينا «ذاكرة وطنية» موثقة في ليبيا؟
بكل جرأة أقولها نعم، لكنها ذاكرة غير منظمة حتى لا أتعرض للنقد على هذا التصريح فهي مازالت تحت التصنيف لأن أغلب الوثائق واللي تصل تقريبا من 30 إلى 31 مليون وثيقة أغلبها غير مصنف لأنه تم نقل هذه الوثائق من متحف السرايا الحمراء أو من دار المحفوظات التاريخية إلى المركز الليبي سنة 2008 /2009 اشتغلنا فيها عامين فقط كان معنا خبراء ايطاليين و أتراك وبعد فبراير 2011 عادوا لبلدانهم بحجة أن ليبيا دولة غير آمنة عليهم ليتركونا في الأرشيف نحن و30 مليون وثيقة في صراع…
هل كل الوثائق الموجودة لديكم أصلية؟، وكيف تعرفون الوثيقة الأصلية من المزورة؟
أصلية نعم، الوثيقة نفسها تبين عن حالها المتخصص عندما يشاهد الوثيقة يعرفها إذ كانت أصلية أو لا توجد أساليب مختلفة للتأكد من الوثيقة وصحة ماجاء فيها مثلا من خلال مقارنة ماجاء فيها بمصدر آخر في حال توفر ذلك أو التأكد من صحتها بمنهجين النقد الباطني و النقد الخارجي..
الخارجي يعني الورق الحبر الخط هل هو مستخدم في نفس السنة اللي ذكرت في هذه الوثيقة أم لا، اما النقد الباطني يتناول موضوع الحبر صناعته المعلومات اللي موجودة، والحقيقة ليست لدي خلفية كاملة عن منهج النقد الباطني والنقد الخارجي للوثيقة.
كيف يساعدنا التوثيق في إنشاء هوية ليبية قوية وموحدة؟
هذا سؤال صعب الإجابة عليه حاليا لأنه يتوقف على المنهجية التي يتبعها الباحث في بحثه للتأكيد أو للنفي، لكن عناصر تحديد الهوية موجودة في الوثائق موجودة في المصادر في الكتب لكن نقول لك والله فيه طريقة معينة أو فيه منهج معين والله هذا يتوقف على البحث نفسه لكن ما هو موجود بالوثائق يؤكد على الهوية الجامعة.
هل توجد علاقة بين التوثيق والمصالحة الوطنية؟
بالتأكيد توجد تجارب ليبية تناولتها في أحد الكتب شاركت فيها تجربة الشيخ الطاهر الزاوي ورفاقه في في المصالحة الوطنية ما بين سكان الجبل الغربي. المشكلة أننا لا نقرأ حتى طلبة الدراسات العليا لا يختارون مواضيع عميقة تحتاج إلى جهد لأن موضوع كهذا تتبع الجذور التاريخية للمصالحة الوطنية الموجودة في الوثائق كثيرة جدا لكنه يحتاج إلى بحث و دراسة و بعض الباحثين في رسالة الماجستير والدكتوراه يريدونورقة ليحصلواعلى شهادة تحسن وضعهم العملي و المادي لذلك يختارون مواضيع أبسط و أسرع في الانجاز.
هي أهم أنواع الوثائق الموجودة في ليبيا؟
في ليبيا بشكل عام لا أعرف، في المركز الأرشيف الليبي يوجد به الآن وثائق من القرن السادس عشر إلى الآن إسباني، عهد عثماني أول، عهد عثماني ثاني، إيطالي، عهد الإدارة البريطانية، الملكي، القذافي هذا كله موجود.
*كيف تمكنتوا من الحصول عليها، هل لديكم تعاون مع الدول المذكورة لتبادل الأرشيف؟
نعم الدولة التركية متعاونة معنا حتى رئيس مجلس الإدارة الدكتور محمد الطاهر الجراري كان في تركيا لتوقيع اتفاقية تعاون وجلب الوثائق الناقصة في وفد حكومي..
هل لدى الدولة الليبية وثائق لا تملكها السلطات التركية والعكس ضمن اتفاقيات تبادل الوثائق؟
في تبادل الوثائق قد يحدث تسليم واستلام لكن لا يوجد لدينا شيء غير موجود في ارشيفهم حتى الوثائق العثمانية اللي كتبها الوالي في طرابلس بعث منها نسخة في حال لم تكن الأصل لديهم اما العكس طبعا أكيد أنهم يملكون وثائق ليست موجودة عندنا في الأرشيف وهي كثيرة جداً .. ملاحظة لابد من ذكرها نحن لدينا اتفاقية مع الإيطاليين أيضا وإن كان الإيطاليين يماطلون قليلا حتى أن بعض الوثائق حصلنا عليها بطرق غير شرعية لأكن صادق معك و واضح كالوثائق الخاصة بموضوع المنفيين لانهم يعتبرونه جريمة موضوع المعتقل يعتبرونه جريمة و يحسب ضدهم كذلك الآسرى والمنفيين اللذين ذهبوا للحبشة و شاركوا في الحرب العالمية الثانية هذه أسماء موجودة لديهم وكانت هناك طرق ملتوية تم اتباعها من طرفنا للحصول على الوثائق.
*بحديثك عن الوثائق الإيطالية حول المعتقلين والمنفيين.. بالتأكيد اطلعت على كتاب الإبادة الجماعية في ليبيا للمؤرخ الدكتور علي عبداللطيف حميدة..
كيف قيمت الكتاب وخاصة انه اعتمد على الوثائق الإيطالية وعلى الروايات الشفوية للحدث؟
طبعا كتاب جميل وأنا أحد المشاركين فيه المقابلات اللتي اجراها الدكتور علي عبد اللطيف حميدة في منطقة العقيلة كنت أحد المشاركين في إجراءها مع الشيوخ و مع الذين لديهم معلومات حول المعتقل و المعلومات التي جاءت فيه موثوقة جدا الرجل كان عمله نظيف و اعتمد في تدوينه على الرواية الشفوية و الوثائق حيث تم تزويده من قبل المركز بكل الوثائق التي احتاجها كتابه وهي موجودة لدينا..
ما رأيكم في الاعتماد على الرواية الشفوية كمصدر للمعلومات التاريخية في ظل غياب الوثائق المكتوبة و الاختلاف في الروايات ؟
أولا لنتفق بشكل صريح نحن مازلنا إلى الآن و بعد 1400 عام نشكك في الروايات اللي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع فارق التشبيه فالرواية الشفوية يجب مقارنتها و لا تؤخذ على علاتها مثلا عن طريق مقارنتها بروايات أخرى في حال تم الاتفاق على خطوط الحدث العريضة في كل الروايات فهي صحيحة أيضاً مقارنة الرواية الشفوية بالوثائق المكتوبة سواء كانت ليبية او غيرها في حال تطابق المعلومات او تقاربها بشكل كبير فهي صحيحة…
ويظل الشعر الشعبي اللذي لعب دور في توثيق مرحلة مهمة في تاريخ ليبيا منها فترة معتقل العقيلة في نص «ما بي مرض غير « للشاعر رجب حويش ظلت لعقود من 1930 تقريبا هي المصدر الوحيد لما حدث في المعتقل إلى أن ظهر كتاب الدكتور يوسف البرغثي المعتقلات الفاشستية في ليبيا الذي أكد كلام الشاعر في ما وصفه فكانت رسالة يوسف البرغثي معتمدة على هذه القصيدة كل ما ذكره بالتفصيل ثبت من خلال ما ذكره جريسياني في تقريره الموجود لدينا..
الوثائق الرسمية لما حدث في معتقل العقيلة موجودة لدى الجانب الايطالي لكن من الصعوبة الحصول عليها كما ذكر الدكتور علي عبد اللطيف في مقدمة كتابه الإبادة الجماعية في ليبيا حيث ذكر في أنه منع من الحصول على الوثائق لأنها فترة تعتبر سوداء في تاريخهم وهي تكاد تكون مسحوبة من ارشيفهم خوفامن مقاضاتهم عن تلك المرحلةنسمع كثيراً عن ضياع أو حرق وثائق مهمة في الحروب والصراعات هل يوجد تقدير لحجم الخسارة ؟ وهل يمكن تعويض ما ضاع؟
فيما يخص المركز لم تسرق ورقة ولا ضاعت ورقة كل محتويات المركز تمت حمايتها في فوضى 2011 من الله اولا ومن السكان في محيط المركز حيث قاموا بدور كبير في حماية المركز من السرقة و النهب
هل قمتم بمحاولات لحفظ أرشيف الدولة في جهات أخرى..؟
حاولنا أخذوا الأرشيف الجهة الموجودة في شارع الجمهورية أمام المكتبة العلمية العالمية سابقا وكانت مقر له علاقة بنشاط القذافي صور و وثائق وتم تكليفنا بإستلامه وضمه لمحتويات المركز لكن مجموعة مسلحة منعونا منه وكان ذلك عام 2012.. كما لدينا بعض المعلومات عن الأرشيف الأمريكي الذي اتصل بنا ليخبرونا بوجود وثائق ليبية لديهم ولم يخبرونا عن ماهيتها او كيف وصلت لهم لكنهم قدموا لنا دعوة لزيارتهم للحصول على هذه الوثائق لكننا لم نستطع السفر لقلة امكانيات المركز المادية
المركز هل له علاقة بحفظ الوثائق الشخصية..؟
يا سلام طبعاً.. في شهر أكتوبر القادم لدينا حدث يعتبر من المبكر الإفصاح عنه وعن تفاصيله..
بشكل عام جاءنا شخص و سلم لنا وثائق مهمة سنكشف عنها في حينها ما يمكنني التصريح به أنها 1750 وثيقة لها علاقة بفئة معينة من السكان في ليبيا هذا الرجل عندما سلم لنا الوثائق تم تشميعها بالشمع الأحمر حسب طلبه و كان شرطه لا تفتح أو يعلن عنها إلا بعد وفاته والرجل توفي منذ شهرين. . الحافز المادي الذي تقدمونه لتسليم الوثائق .
هل هو مبلغ كافي ليقنع من لديه الوثيقة او المخطوط بتسليمها للمركز؟
هذا يتوقف على أهمية الوثيقة حيث توجد لدينا لجان تقدر ذلك الأسعار في بيع وشراء الوثيقة تباينت الاسعار بشكل كبير جداً قبل 17 فبراير كانت الوثيقة بخمسة مليم أما بعد فبراير فقفزت اسعارها لأرقام فلكية منذ خمس سنوات مضت تقدم شخص للمركز وبحوزته وثيقة عن اليهود التلمود وفيها تفاصيل دقيقة عن اليهود في ليبيا عرض عليه في فرنسا مبلغ 3 مليون دولار رفض المبلغ وجاء بها إلينا وطلب مبلغ 5 مليون دولار ولأننا لا نستطيع كمركز دفع هذا المبلغ تحصلنا منها على صورة فوتغرافية بالهاتف حتى يتسنى لنا متابعتها لاحقًا..
وبشكل عام لدينا عدة طرق لتسليم الوثائق منها التبادل بين المركز و من يمتلك الوثائق ويكون ذلك عن طريق صور لأن الأصل لا يسلم، الإهداء وثائق، إضافة للبيع و الشراء الذي ذكرته.