الهوية الدينية كمتغير في ظل الأوضاع السياسية..
الهوية الدينية كمتغير في ظل الأوضاع السياسية..ربما تكون الهوية من أكثر المسائل الاجتماعية تعقيداً باعتبارها فلسفية صرفة موغلة في القدم أثارها قديماً سقراط مروراً بفرويد وآخرون، فغالباً مايتم إثارة المسائل والقضايا الدينية في فقه العبادات أو صلب العقيدة التي كانت خلافاتها أول أرضية لظهور التيارات والحركات الإسلامية وتأثيراتها الكبيرة في تاريخنا الحديث والمعاصر، والتي ازدادت بعد ثورات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة مؤخراً..
أما الهوية الدينية فهي شأن أخر قد يشكل مساراً موازياً للخلاف حول مسائل العقيدة وحركات الإسلام السياسي، إذ غالباً ماتكون ركائز هذه المعتقدات بمثابة مبادئ ثابتة لاتتجزأ، عكس الهويات التي ترتبط بحركة تغيّر ونمو المجتمعات عبر السنين لتكون لكل مجتمع خصوصيته وإن كان الدين واحداً، وكان تعويل الخطاب الإصلاحي على الثورة الثقافية سبيلاً إلى النهضة ، وكان الرهان على المجتمع ووعيه هو جوهر المشروع الدعوي الديني برمته على مر التاريخ.
وبحسب دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجة والدولية CSIS حول إشكالية الهوية الدينية والسياسة، عرض مضمون رسالة وصفها بأنها مرسلة من علماء الوهابية إلى علماء الدين في جامع الزيتونة بتونس أُرسلت في آواخر القرن الثامن عشر، يصف التقرير مضمون الرسالة الموجهة بأنه كان شديد اللهجة، اتهمت التونسيين بالابتعاد عن التوحيد، مع دعوات إلى اعتناق العقيدة الوهابية ، وكان رد علماء الزيتونة من خلال رسالة تكونت من 10 صفحات تتهم الوهابيين بالنفاق والجهل، في حين أوضحوا بفصاحة أن التقاليد الإسلامية الخاصة بتونس كانت مستقاة من صلب القرآن الكريم والسنة النبوية.
وبعد أن انتشرت الدعوة الوهابية بسرعة خارج الجزيرة العربية، لتأخذ شكل مشروع دعوي في دول المغرب تكون من جانبين الأول ديني والثاني سياسي فمن الناحية الدينية كانت محاربة البدع ، في مقدمتها الطرق الصوفية وسلوكها الديني ومن ناحية سياسية كانت ثورة على الخلافة العثمانية ، وهو ما فع رافضي هذا الاتجاه بأنه يهدد حركة الإصلاح في دول المغرب وشكل لاحقا أيديولوجيا ضد الإصلاحات التحديثية التي نفذتها الدول الأوربية بهدف تأمين تجارتها المغرب والهيمنة على سوقه الداخلية والخارجية
هذا التبادل الذي تم قبل أكثر من قرنين من الزمن حرك صراعا أيديولوجيا في شمال أفريقيا بين التقاليد الإسلامية والسلفية المحلية و تفسيرات الوهابية .
يذكر التقرير أن حركة الاستقلال التي قادها “الحبيب بورقيبة” في أوائل خمسينيات القرن الماضي هي التي فرضت العلمانية وأضعفت قوة ونفوذ جامع الزيتونة، فقد أعاد بورقيبة صياغة صلاحيات المؤسسة الدينية ووضع حدا لسلطة العلماء بشكل جزئي من خلال مصادرة كل أراضي الأوقاف، كما جرد الدين من الطابع السياسي من خلال الحد من التعليم الإسلامي وأن المساجد لاتفتح إلا في أوقات الصلاة، وأغلقت المكتبات وتحول التعليم الديني من نظام ديني إلى نظام أكاديمي وتحكم جهاز أمن الدولة بشدة بالتعليم الديني والإسلامي في تونس.
بعد أن كان جامع الزيتونة في تونس، وجامع القرويين في مدينة فاس المغربية من أكبر مراكز التعليم في شمال أفريقيا، فهما بمثابة جامعة وجامع ويمنحان شهادات علمية في المجالات الدينية فضلا عن مجموعة من الاختصاصات العلمية المختلفة، وكانا ملتقى طرق بين العالم (الإسلامي والمسيحي واليهودي).
ففي تونس أصبحت وزارة الشؤون الدينية تتحكم بإدارة جامع الزيتونة أصبحت في بشؤون إدارة الجامع، أما وزارة التعليم العالي التونسية هي من تدير شؤون الدراسات الدينية -الدراسات الدينية التي كانت تعطى في جامع الزيتونة تم دمجها في المعهد الديني العالي والمعهد العالي للحضارات الإسلامية التابعين لجامعة تونس- ليصبح جامع الزيتونة يقع في قلب معركة بيروقراطية على السيطرة داخلياً، لاحقاً أسس مشكلة أمام التونسيين أصحاب الفكر العلماني، كما التونسيون المتدينون، الذين يريدون فصل الدين عن السياسة من إعادة إحياء جامع الزيتونة كجامعة سيحدث نظاماً تربوياً موازياً للنظام العلماني يصقله ويُسيه رجال الدين نظرا لما يتمتع به هذا الجامع من قيمة في الهوية الوطنية التونسية.
بالمقابل في المغرب سعى الملك إلى إتباع سياسة لتحديد الإسلام المغربي اعتمدت على مبادرة القصر الملكي بهدف مجابهة العقيدة بما وصف بالعقيدة المتطرفة، أطلق المغرب سلسلتين الأولى عام 2004 والثانية عام 2008 لتنظيم القطاع الديني تركزت الجهود على نشر المذهب المالكي واللاهوت الأشعري والصوفية .
في المغرب يرتبط الهوية الإسلامية ارتباطا وثيقا بالملكية، فالملك هو الحاكم الدنيوي كما أنه السلطة الدينية أي أمير المؤمنين، أي السلطة الدينية الأعلى في البلاد .
قديماً حاول ملوك المغرب منذ استقلال البلاد أن يعززوا شرعيتهم الدينية وفي الوقت نفسه فصل الدين عن السياسة من أجل منع الخصوم السياسيين من استغلال الدين لغايات سياسية وأن الأحزاب القائمة على الدين ممنوعة قانوناً، كما ينص الدستور المغربي على إشراف الملك على الدين وتؤكد البيعة أي يمين الوفاء على هذا الإشراف ويحلف المسؤولون رفيعو المستوى هذه البيعة سنويا أمام الملك.
أما في تونس أدى فرض العلمانية بعد الاستقلال إلى إضعاف الهوية الدينية، بينما في المغرب، حيث يشكل الملك الشخصية الدينية المركزية ويوجه السياسات الدينية.
تعرضت تونس إلى إشكالية أخرى أمام تلك الإجراءات أدت إلى ضعف وتضاؤل مصداقية المؤسسة الدينية في تونس، إذ كانت غالبا ماتتردد في التطرق إلى تحديات الحياة اليومية التي بطبيعتها سياسية، مثل الفساد الاقتصادي والإقصاء الخ.. وهذا مايضعف مصداقيتهم لدى الشباب الذين يبحثون عن مناقشات منفتحة أكثر ولاسيما في المجال السياسي خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
يشير التقرير إلى ظهور ماوصفه بفجوة الأجيال وفجوة التواصل بين العلماء كبار السن والشباب من جهة أخرى، وبالتالي يجدب الخطاب السلفي الجهادي الشباب المحروم من حقوقه كعامل أساسي في تصاعد وثيرة الحركات الجهادية في تونس تحديداً.