في زقاق ضيق خلف المستشفي المركزي جلس بائع الورود مهموما مغموما ينظر بحسرة إلي كومة وروده الذابلة وقد إصفرت أوراقها وبهتت الوانها وزالت رائحتها و خبئ وهجها . منذ أمد لم يزره اي مشتر ليقدم باقة ورود إلي مريض أو حبيب او صديق
هل فقدت الورود معناها أم إختفي المرض والحب من هذه الدنيا . . ؟ ؟ لا أعلم لا ادري . . ؟ ؟ ظل يردد هذا السؤال بينه وبين نفسه بين الفينة والأخري . . أتبعه بسؤال آخر أكثر قسوة وألما من سابقه . .
كيف لي ان أعيش كيف لي أن أطعم عيالي فأنا لا اعرف إلا هذا العمل ولا أفقه غير هذه المهنة . . ؟ ؟ في ظل هذه الحيرة وهذا الضياع مر به احد الأصدقاء . . ساله عن حاله وأحواله . . تنهد بعمق أومأ برأسه . . ثم أشار إلي الورود الذابلة بالم وحسرة . . أحس الصديق بمقدار الألم والعجز الذي أحاط بصديقه ربت علي كتفه بحنان وعطف ثم قال : لا عليك ياصديقي إنها الحرب وما تحمله من ألم وعذاب . . ايام صعبة . . كلنا نعاني. . تفرج إن شاء الله . . ربنا كريم
إنحني بهدوء إلي مستوي راسه وهمس في أذنه بكلمات . لمعت عيناه فجأة . .إنفرجت أساريره ثم بانت بسمة ساخرة باهتة علي محياه الذي خطته التجاعيد . . نعم صدقت إنها ليست بضاعة رائجة . . الورود ياصديقي في زمن الحرب ليس لها قيمة ولا معني .
غدا سوف ابدأ في تغيير هذا الدكان إلي نشاط جديد مربح ورائج أضمن به حياة كريمة لي ولأسرتي حسب ما أشرت علي .
في صباح اليوم التالي دخلت سيارة نقل إلي ذلك الزقاق محملة بالبضاعة الجديدة . . بهمة ونشاط بدا في إزالة كل الورود والرمي بها إلي صندوق القمامة وقام بوضع البضاعة الجديدة وترتيبها علي الأرفف بحرص وعناية.
ازال لافته المحل القديمة التي كانت تحمل عنوان ( أرض الزهر والحنة لأجمل باقات الزهور )
وضع لافتة المحل الجديدة التي تحمل عنوان : ( أرض الزهر والحنة لبيع الأكفان وتجهيز الموتي