رتوش

باب‭ ‬البحر‭ .. ‬وعلي‭ ‬مبارك

زكريا محمد

‭ ‬محلاها‭ ‬مدينتي‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬كنتُ‭ ‬على‭ ‬‮«‬الموطو‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬كل‭ ‬الشوارع‭ ‬والأزقة‭ ‬بوسط‭ ‬البلاد‭ ‬فاضية‭ .‬

عشتُ‭ ‬عمري‭ ‬ولا‭ ‬أرى‭ ‬طرابلس‭ ‬إلا‭ ‬أمامي،‭ ‬لم‭ ‬أرها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬اقف‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬‮«‬باب‭ ‬بحر‮»‬‭ ‬يحدث‭ ‬العكس‭ .. ‬عند‭ ‬بحرها‭ ‬أرها‭ ‬خلفي‭ ‬وأمامي،‭ ‬جنوبي‭ ‬وشمالي،‭ ‬وكأنها‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬وكأنني‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المتوسط‭ ‬والبحر‭ ‬يحيط‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ .‬

دخلتُ‭ ‬لـ«سوق‭ ‬الحوت‮»‬‭ ‬انقبضتْ‭ ‬نفسي‭ ‬بالباب،‭ ‬فقد‭ ‬فقدتُ‭ ‬وجود‭ ‬عمي‭ ‬‮«‬علي‭ ‬مبارك‮»‬‭ ‬القيادة‭ ‬الإدارة‭ ‬والسسيتم‭ ‬النظافة‭ ‬الحوت‭ ‬الطازة‭ ‬وكاميرا‭ ‬الهاتف‭ ‬مفتوحة‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬وعلى‭ ‬صفحته‭ ‬بالفيس‭ ‬يبث‭ ‬مباشرة‭ ‬ويوثق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ويومه‭ ..‬

المهم‭  ‬توكلتُ‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬ودخلت‭ ‬وقررت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حوتاتي‮»‬‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬بائع‭ ‬يساعدني‭ ‬الحظ‭ ‬بثقتي‭ ‬فيه،‭ ‬كان‭ ‬ذاك‭ ‬التاجر‭ ‬عمي‭ ‬‮«‬الدالي‮»‬‭ ‬ولد‭ ‬بلاد‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬الحمعة،‭ ‬تبادلنا‭ ‬الحديث‭ ‬عرف‭ ‬جيراني‭ ‬عرفت‭ ‬جيرانه،‭ ‬قالي‭ : ‬تفضل‭ ‬كان‭ ‬الكوالي‭ ‬خشين‭ ‬همست‭ ‬له‭ ‬نبي‭ ‬هذا،‭ ‬لأنه‭ ‬حوت‭ ‬تحبه‭ ‬الوالدة‭ ..‬تبسم‭ ‬وقال‭ ‬ولا‭ ‬يهمك،‭ ‬جمع‭ ‬لي‭ ‬زوز‭ ‬كيلو‭ ‬من‭ ‬اخشن‭ ‬السمكات،‭ ‬وحط‭ ‬ع‭ ‬الميزان‭ ‬سمكة‭ ‬أخرى‭ .. ‬كان‭ ‬الكيلو‭ ‬بـ‭)‬23‭( ‬اعطيته‭ ‬الحساب‭ ‬كاملاً‭ ‬46‭ ‬فاعاد‭ ‬لي‭ ‬ستة‭ ‬دينارات‭. ‬

محلاهم‭ ‬الليبيين‭ ..‬

شكرته‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬المعاملة‭ ‬واضفتُ‭ ‬قائلاً،‭ ‬عمي‭ ‬الدالي‭ ‬كمل‭ ‬جميلك‭ ‬السوق‭ ‬زحمة‭ ‬وأنا‭ ‬خلوقي‭ ‬ضايقات‭ ‬نبي‭ ‬حوتة‭ ‬كسكسي،‭  ‬والمناني‭ ‬والديندشي‭ ‬ما‭ ‬نقدر‭ ‬عليهم‭.. ‬لمبوقة‭ ‬هذا‭ ‬موسمها‭ ‬وماشي‭ ‬حالها‭ ‬وحوتة‭ ‬تنفع‭ ‬لكل‭ ‬شي‭ ..‬غير‭ ‬نبيها‭ ‬فرش‭ ‬ويساعدوني‭ ‬في‭ ‬السوم‭.‬

ردا‭ ‬قائلاً‭ ‬ولا‭ ‬يهمك‭ .‬

غادر‭ ‬محله‭ ‬لأجلي‭ ‬متجهًا‭ ‬لبائع‭ ‬آخر،‭ ‬كانت‭ ‬اللمبوقة‭ ‬متوسطة‭ ‬الحجم‭ ‬والكيلو‭ ‬18‭ .. ‬حدث‭ ‬الدالي‭ ‬البائع‭ ‬يوصيه‭ ‬بي‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬سيدي‭ ‬خليفة،‭ ‬أنا‭ ‬نعرف‭ ‬جيرانه،‭ ‬وراهو‭ ‬يعرف‭ ‬فلان‭ ‬وفلان‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬الجمعة،‭  ‬رد‭ ‬البائع‭ ‬طلعه‭ ‬من‭ ‬راسك‭ ‬وخليه‭ ‬هذا‭ ‬زبوني‭ ‬توا،‭ ‬ونعرف‭ ‬كيف‭ ‬نعامله،‭ ‬اختار‭ ‬من‭ ‬اللمبوقة‭ ‬الاخشن،‭ ‬واضاف‭ ‬على‭ ‬الميزان‭ ‬حوتة‭ ‬أخرى،‭ ‬اعطيته‭ ‬حسابه‭ )‬36‭( ‬ع‭ ‬زوز‭ ‬كيلو‭  ‬فاعاد‭ ‬ليّ‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬ستة‭ ‬دينارات‭ ‬وقالي‭ ‬تفضل‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬أنت‭ ‬وصلت‭ .‬

قلتلكم‭ ‬محلاهم‭ ‬الليبيين‭ ..‬

غادرتُ‭ ‬مبكرًا‭ ‬ولم‭ ‬اكمل‭ ‬جولتي‭ ‬كما‭ ‬جرت‭ ‬العادة،‭ ‬كانت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬لمسات‭ ‬عمي‭ ‬علي‭ ‬باقية،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الباعة‭ ‬أوفياء‭ ‬له‭ ‬وامنوا‭ ‬بما‭ ‬انجزه‭ ‬لصالح‭ ‬السوق‭ .. ‬لكني‭ ‬صراحة‭ ‬لم‭ ‬اتجاوز‭ ‬حزني‭ ‬لغيابه‭ .‬

امتطيتُ‮«‬‭ ‬الموطو‮»‬‭ ‬والتقطتُ‭ ‬آخر‭ ‬الصور‭ .. ‬وغادرتُ‭ ‬بصدر‭ ‬طاووس‭ ‬متجهًا‭ ‬لبيتي‭ ‬وكأنني‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬وكل‭ ‬المتوسط‭ ‬يحيط‭ ‬بي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى