رتوش

بحيرات‭ ‬بنغازي‭ ‬وحدائق‭ ‬التفاح‭ ‬الذهبي‭ (‬‮٢‬‭-‬3‭)‬

زكريا محمد

وفي‭ ‬العصر‭ ‬البطلمي‭ ‬استمدتْ‭ ‬اسمها‭ ‬الثاني‭ ‬‮«‬بيرنيكي‮»‬‭ ‬من‭ ‬أميرة‭ ‬قورينا‭ ‬الجميلة‭ ‬بيرنيكي،‭ ‬عقب‭ ‬زواج‭ ‬بطليموس‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬أميرة‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬‮«‬بيرنيكي‮»‬‭ ‬ابنة‭ ‬ماجاس‭ ‬حاكم‭ ‬‮«‬كيرينايكي‮»‬،‭ ‬ووريثة‭ ‬عرشه،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬246‭ ‬ق‭.‬م،‭ ‬أشار‭ ‬لها‭ ‬الجغرافي‭ ‬بطليموس‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الميلادي‭ ‬باسم‭ ‬بيرنيكي،‭ ‬وأشار‭ ‬الجغرافي‭ ‬سولينوس‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الميلادي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الملكة‭ ‬بيرنيكي‭ ‬قد‭ ‬منحت‭ ‬اسمها‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬أحبتها‭ ‬وقامت‭ ‬بتحصينها،‭ ‬ولعبت‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬المنطقة‭ ‬التاريخية‭ ‬دورًا‭ ‬بارزًا،‭ ‬واعتبارًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬96‭ ‬ق‭.‬م‭ ‬أصبحتْ‭ ‬تابعة‭ ‬للحكم‭ ‬الروماني،‭ ‬وبنيت‭ ‬بالمدينة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬كما‭ ‬زينت‭ ‬أرضيات‭ ‬تلك‭ ‬المباني‭ ‬بفسيفساء‭ ‬رائعة‭ ‬أشهرها‭ ‬فسيفساء‭ ‬الفصول‭ ‬الأربعة‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمدينة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬العصر‭ ‬البيزنطي‭ ‬‮«‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬الميلادي‮»‬‭.‬

وأصبحت‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬برنيق‮»‬‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكان‭ ‬تاريخ‭ ‬بنغازي‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬642م،‭ ‬حين‭ ‬قاد‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ ‬جيوش‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬متخذًا‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬برقة‭ ‬‮«‬باركي‮»‬‭ ‬لتكون‭ ‬مقرًا‭ ‬وهي‭ ‬مدينة‭ ‬المرج‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬قورينائية‭ ‬‮«‬كيرينايكي‮»‬‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬قوريني‮»‬،‭ ‬ويتقاطع‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬وتختفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أحداثه‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬مجهولة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسجل‭ ‬أنه‭ ‬عقب‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬بنحو‭ ‬أربعمائة‭ ‬عام‭ ‬تشهد‭ ‬المدينة‭ ‬هجرات‭ ‬‮«‬بني‭ ‬هلال‮»‬،‭ ‬و«بني‭ ‬سليم‮»‬،‭ ‬وتعرضها‭ ‬لما‭ ‬وصف‭ ‬بالاضمحلال،‭ ‬ثم‭ ‬تضيع‭ ‬أربعمائة‭ ‬سنة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬التاريخية‭ ‬للمدينة‭. ‬

في‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬ميلادي‭ ‬عاودت‭ ‬المدينة‭ ‬الظهور‭ ‬وازدهرت‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وتم‭ ‬استبدال‭ ‬اسمها‭ ‬باسم‭ ‬مرسى‭ ‬بني‭ ‬غازي‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود‭ ‬لأول‭ ‬مره‭ ‬عام‭ ‬1579م‭ ‬وظهر‭ ‬الاسم‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬قديمة‭ ‬رسمها‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬الشريف‭ ‬جغرافي‭ ‬تونسي‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬صفاقس‭.‬

وتعود‭ ‬تسمية‭ ‬المدينة‭ ‬للولي‭ ‬الصالح‭ ‬سيدي‭ ‬غازي‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬غازي‭ ‬بن‭ ‬غانية‭ ‬الصنهاجي‭ ‬البرانسي‭ ‬المرابط،‭ ‬الذي‭ ‬سميت‭ ‬عليه‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬والقادم‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬فاس‭ ‬بالمغرب،‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬للمنطقة‭ ‬في‭ ‬1510م‭ ‬واستقر‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬مرضه‭ ‬ووفاته،‭ ‬عاش‭ ‬بقية‭ ‬أيام‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬اسمه‭ ‬ودفن‭ ‬فيها،‭ ‬ويوجد‭ ‬ضريحه‭ ‬فوق‭ ‬ربوه‭ ‬داخل‭ ‬مقبرة‭ ‬سيدي‭ ‬خريبيش،‭ ‬بجانب‭ ‬المنارة‭ ‬التي‭ ‬تتوسط‭ ‬هذه‭ ‬المقبرة،‭ ‬أصوله‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬صنهاجة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬التي‭ ‬تنحدر‭ ‬بدورها‭ ‬من‭ ‬البرانس،‭ ‬أما‭ ‬مرابط‭ ‬فهي‭ ‬صفة‭ ‬لدولة‭ ‬المرابطين‭ ‬التي‭ ‬وضع‭ ‬اسسها‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬ياسين‭ ‬بن‭ ‬مكوك‭ ‬بن‭ ‬سير‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الگزولي‭ ‬الصنهاجي‭ ‬1056‭ ‬1142م،‭ ‬وتكونت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬صنهاجة‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬مثل‭ ‬لمتونه‭ ‬وقداله‭ ‬وكزوله‭ ‬وغيرها،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬قبل‭ ‬محاولة‭ ‬دخول‭ ‬بني‭ ‬هلال‭ ‬وسليم‭ ‬للقيروان‭ ‬سنة‭ ‬1057م‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬تشتهر‭ ‬المدينة‭ ‬باسم‭ ‬مرسى‭ ‬سيدي‭ ‬غازي،‭ ‬كانت‭ ‬تعرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬إكوية‭ ‬الملح»أي‭ ‬قرية‭ ‬الملح،‭ ‬واطلق‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سكانها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬1500م،‭ ‬حيث‭ ‬يعد‭ ‬تجارة‭ ‬وتصدير‭ ‬الملح‭ ‬العامل‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬المدينة‭ ‬أصلاً‭ ‬عليها،‭ ‬نتيجة‭ ‬لوجود‭ ‬سبع‭ ‬بحيرات‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬المالحة‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للملح‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكانت‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬وجودها‭ ‬واجتذاب‭ ‬السفن‭ ‬التجارية‭ ‬إليها‭ ‬واستقرار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬التي‭ ‬تمتهن‭ ‬التجارة‭ ‬بها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬التصدير‭ ‬لتركيا‭ ‬واليونان،‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬ومالطا،‭ ‬والبانيا،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬قوية‭ ‬ورائجة‭ ‬وذات‭ ‬دخل‭ ‬كبير‭ ‬طوال‭ ‬العهد‭ ‬العثماني‭ ‬الأول،‭ ‬واستمر‭ ‬رواجها‭ ‬حتى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

استمرت‭ ‬المدينة‭ ‬محتفظة‭ ‬بمكانتها‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬عندما‭ ‬اختيرت‭ ‬كمركز‭ ‬إداري،‭ ‬وتم‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬عسكري‭ ‬رئيس‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الايطالي،‭ ‬وقد‭ ‬تعرضت‭ ‬المدينة‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬دمار‭ ‬كبير،‭ ‬تغير‭ ‬مظهر‭ ‬المدينة‭ ‬بشكل‭ ‬طفيف‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬الادارة‭ ‬البريطانية،‭ ‬وبعد‭ ‬استقلال‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1951م‭ ‬استعادت‭ ‬المدينة‭ ‬أبعادها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمتلكها‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭.‬

ويتمثل‭ ‬الموروث‭ ‬الحضاري‭ ‬للمدينة‭ ‬موقع‭ ‬هيسبريديس‭ ‬وبيرنيكي،‭ ‬والمدينة‭ ‬التاريخية،‭ ‬والمقابر‭ ‬القديمة،‭ ‬والمباني‭ ‬التاريخية‭ ‬القديمة‭ ‬والزوايا‭ ‬الدينية،‭ ‬وتعد‭ ‬العاصمة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لكثرة‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬والعلمية‭ ‬بها،‭ ‬فهي‭ ‬مقر‭ ‬أول‭ ‬جامعة‭ ‬ليبية،‭ ‬كما‭ ‬يوجد‭ ‬بها‭ ‬المسارحد‭ ‬ودور‭ ‬السينما‭ ‬والمراكز‭ ‬الثقافيةد‭ ‬ودار‭ ‬الكتب‭ ‬الوطنية‭.‬

مدينة‭ ‬‮«‬البحيرات‭ ‬السبع‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬نسبة‭ ‬لسبع‭ ‬بحيرات‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وتعرف‭ ‬هذه‭ ‬البحيرات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مناطق‭ ‬طبيعية‭ ‬مغمورة‭ ‬بالمياه‭ ‬العذبة،‭ ‬أو‭ ‬ذات‭ ‬ملوحة‭ ‬عالية،‭ ‬أو‭ ‬منخفضة،‭ ‬التي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جارية‭ ‬أو‭ ‬راكدة،‭ ‬وتعد‭ ‬بمظاهرها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والايكولوجية‭ ‬العنصر‭ ‬المنظم‭ ‬للحياة‭ ‬البحرية‭ ‬والحياة‭ ‬البرية‭ ‬والتنوع‭ ‬الاحيائي،‭ ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬أيضا‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬إذ‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬امكانية‭ ‬مهمة‭ ‬للدراسات‭ ‬العلمية‭ ‬المستفيضة‭ ‬والسياحة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والانشطة‭ ‬الترفيهية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى