رتوش

تراث.. برائحة الجدات

زكريا العنقودي

من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الذاكرة‭ ‬التراثية‭ ‬الرائعة‭ ‬أخذتنا،‭ ‬الباش‭ ‬مهندسة‭ ‬سُمية‭ ‬الجربي‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬عبر‭ ‬عتبات‭ ‬الزمن‭ ‬لنتعرف‭ ‬على‭ ‬المأكولات‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬المائدة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬وجلسنا‭ ‬معا‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬الدرناوية‭ ‬العامرة‭ ‬بطبيعتها‭ ‬بالأطباق‭ ‬والمشروبات،‭ ‬وتناولنا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬أطباق‭ ‬شهية‭ ‬متنوعة‭ ‬ومشروبات‭ ‬حلوة‭ ‬ولذيذة‭ ‬ومنعشة،‭ ‬وتعرفنا‭ ‬على‭ ‬مأثر‭ ‬الموروث‭ ‬الغذائي‭ ‬الدرناوي‭ ‬الجميل،‭ ‬واستذكرنا‭ ‬ما‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬الزاهرة،‭ ‬من‭ ‬صلة‭ ‬رحم‭ ‬وألفة‭ ‬وترابط‭ ‬وحب‭ ‬وود‭ ‬وعطف‭ ‬وإحسان،‭ ‬ونثر‭ ‬بذور‭ ‬السعادة‭ ‬على‭ ‬أديم‭ ‬أرضنا‭ ‬الليبية‭ ‬الطيبة‭.‬

لكل‭ ‬مجتمع‭ ‬ما‭ ‬يميزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية،‭ ‬وأهلنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬الزاهرة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المجتمعات‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬الاستعداد‭ ‬لهذه‭ ‬المناسبات،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬لهذه‭ ‬المناسبات‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أحبتنا‭ ‬وأهلنا‭ (‬الدراونة‭).‬

تقول‭ ‬المهندسة‭ ‬سُمية‭ ‬الجربي‭: ‬ولأهلنا‭ ‬في‭ ‬درنة‭ ‬أسلوبهم‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬بقدوم‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬بعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬توارثوها‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬حيث‭ ‬تميزت‭ ‬الأسرة‭ (‬الدرناوية‭) ‬بأحياء‭ ‬المناسبات‭ ‬بشكل‭ ‬مميز،‭ ‬خاصة‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬أزمنتها،‭ ‬بدفء‭ ‬اللحظات‭ ‬الجميلة،‭ ‬وتواصل‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وتألف‭ ‬قلوبهم‭ ‬وتراحمهم،‭ ‬تقاليد‭ ‬وعادات‭ ‬جميلة‭ ‬مليئة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المحبة‭ ‬والتراحم‭ ‬والعطاء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬المظاهر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للمدينة،‭ ‬بشوارعها‭ ‬وأزقتها‭ ‬وحواريها،‭ ‬برائحة‭ ‬الياسمين‭ ‬والزهر،‭ ‬وناسها‭ ‬الطيبون،‭ ‬وحكاياتها،‭ ‬وأحداثها‭ ‬التي‭ ‬ضمنت‭ ‬الاستمرار‭.‬

ترتبط‭ ‬عاشوراء‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ (‬المدينة‭ ‬الاندلسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭) ‬بتقاليد‭ ‬قديمة‭ ‬توارثتها‭ ‬الأجيال‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬ويحرص‭ (‬الدراونة‭) ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬إحيائها‭ ‬بسعادة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬التقاليد‭ ‬المميزة‭ ‬في‭ ‬عاشوراء‭ ‬طبق‭ (‬السليقة‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬أكلة‭ ‬شعبية‭ (‬درناوية‭) ‬أصيلة‭ ‬ارتبطت‭ ‬بيوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬تجمع‭ ‬مكوناتها‭ ‬بين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البقوليات‭ ‬والقديد،‭ ‬انتقلت‭ ‬من‭ ‬درنة‭ ‬إلى‭ ‬بقية‭ ‬المدن،‭ ‬ويعتبر‭ ‬طبق‭ ‬السليقة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي‭ (‬الدرناوي‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬المعروفة‭ ‬لدى‭ (‬الدراونة‭)‬،‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬يتم‭ ‬تبادلها‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ (‬اوعية‭) ‬صغيرة‭ ‬كعربون‭ ‬محبة‭ ‬ووئام‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وتعد‭ ‬فرصة‭ ‬للتجمع‭ ‬العائلي‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والجيران‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬ولا‭ ‬يخلو‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأكلة،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬وأطيب‭ ‬الأكلات‭ ‬الشعبية،‭ ‬ومن‭ ‬ألذ‭ ‬المأكولات‭ ‬الليبية،‭ ‬ومن‭ ‬رموز‭ ‬الموروث‭ ‬الغذائي،‭ ‬بل‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء،‭ ‬ويقبل‭ ‬عليها‭ (‬الدراونة‭) ‬بشراهة‭ ‬لا‭ ‬توصف،‭ ‬واتأسف‭ ‬لحالنا‭ ‬الآن،‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬نتيجة‭ ‬التطرف‭ ‬الفكري،‭ ‬والجهوية،‭ ‬فلا‭ ‬تكاد‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬تعرف‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭.‬

فعندما‭ ‬تجوب‭ ‬شوارع‭ ‬وأزقة‭ ‬وحواري‭ (‬البلاد‭) ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الزهر‭ ‬والنوار،‭ ‬تشتم‭ ‬رائحة‭ ‬هذا‭ ‬الطبق‭ ‬تنبعت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ (‬درناوي‭) ‬أصيل،‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬البحر‭ ‬وشارع‭ ‬الحبس‭ ‬وشارع‭ ‬الوادي‭ ‬تشم‭ ‬عبق‭ ‬الزهر‭ ‬والورد‭ ‬والياسمين‭ ‬تفوح‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشوارع‭ ‬والأزقة،‭ ‬وفي‭ ‬الجوار‭ ‬القريب‭ ‬تشاهد‭ ‬عراجين‭ ‬الموز‭ ‬تتدلى‭ ‬في‭ ‬الوادي،‭ ‬ومنظر‭ ‬الرمان‭ ‬الشهي‭ (‬صردوك‭ ‬درنة‭ ‬الشلفي‭)‬،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬لؤلؤة‭ ‬ليبيا،‭ ‬لكن‭ ‬طالها‭ ‬الإهمال،‭ ‬في‭ ‬حقب‭ ‬زمنية،‭ ‬لكنها‭ ‬بقت،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬اعصار‭ ‬دانيال،‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬معالمها،‭ ‬وعادت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لأن‭ (‬الدراونة‭) ‬لهم‭ ‬تاريخ‭ ‬كبير،‭ ‬تتحدث‭ ‬عنهم‭ ‬ذاكرة‭ ‬المدينة‭ ‬الجميلة،‭ ‬التي‭ ‬تنقلنا‭ ‬لكل‭ ‬الأحداث‭ (‬الدرناوية‭) ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بالمدينة،‭ ‬كما‭ ‬نقلتني‭ ‬لها‭ ‬حكايات‭ ‬جدتي‭ ‬الصبورة‭ ‬و‭(‬الحنينة‭) ‬صاحبة‭ ‬الروح‭ ‬المرحة،‭ ‬وهي‭ ‬تحدثني‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الزاهرة،‭ ‬وأهلها‭ ‬الطيبون‭. ‬أماكن‭ ‬ترعرعت‭ ‬بين‭ ‬جناباتها‭ ‬ثقافة‭ ‬وطنية‭ ‬وحس‭ ‬قومي‭ ‬أهلها‭ ‬لتلعب‭ ‬دورها‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬إننا‭ ‬أمام‭ ‬حالات‭ ‬استثناء‭ ‬صنعت‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬محرابا‭ ‬للحياة،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬حين‭ ‬تجد‭ ‬انك‭ ‬أمام‭ ‬استثناء‭ ‬مميز‭ ‬جدا‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬يقمن‭ ‬ربات‭ ‬البيوت‭ ‬الليبيات‭ ‬المنحدرات‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬الاندلسيون،‭ ‬والموريسكيون،‭ ‬والكراغلة‭ ‬والاتراك‭ ‬والشراكسة،‭ ‬والقريتلية،‭ ‬بإعداد‭ ‬طبق‭ ‬البليلة،‭ ‬وهى‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬السليقة‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬مذاقها‭ ‬الحلو‭ ‬حيث‭ ‬يستبدل‭ ‬الملح‭ ‬والبهارات‭ ‬بالسكر‭ ‬واللوز‭ ‬والزبيب‭ ‬ويضاف‭ ‬الحمص‭ ‬والقمح‭ ‬المسلوق‭ ‬ويزين‭ ‬بجوز‭ ‬الهند،‭ ‬ويتم‭ ‬تبادل‭ ‬تلك‭ ‬الاطباق‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭ ‬والاقارب‭ ‬والمعارف‭ ‬في‭ ‬الحى‭ ‬والمدينة،‭ ‬فتصبح‭ ‬فرصة‭ ‬للأولاد‭ ‬والبنات‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الحلوى‭ ‬والنقود‭ ‬مقابل‭ ‬قيامهم‭ ‬بإحضار‭ ‬تلك‭ ‬الاطباق‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬العادة‭ ‬اعادة‭ ‬أي‭ (‬وعاء‭) ‬فارغ،‭ ‬حيث‭ ‬يحمل‭ ‬الأطفال‭ ‬صحون‭ ‬الفول‭ ‬والحمص‭ ‬والسليقة‭ ‬والبليلة‭ ‬في‭ (‬أوعية‭) ‬صغيرة‭ ‬ليوزعوها‭ ‬على‭ ‬الجيران‭ ‬والاحباب،‭ ‬ويعودون‭ ‬الى‭ ‬بيوتهم‭ ‬بسليقة‭ ‬الجيران،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬حيوي‭ ‬رائع‭ ‬تزدان‭ ‬به‭ ‬أزقة‭ ‬وحواري‭ ‬وشوارع‭ ‬مدينة‭ ‬الياسمين‭ ‬وكأنها‭ ‬خلية‭ ‬نحل،‭ ‬تتنقل‭ ‬الأواني‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬لبيت‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬آذان‭ ‬صلاة‭ ‬العصر،‭ ‬بكل‭ ‬فرح‭ ‬ومرح‭ ‬وطيبة‭ ‬وعفوية‭. ‬ويجوبون‭ ‬الشوارع‭ ‬وهم‭ ‬ينشدون‭ (‬وارشة‭ ‬نملة‭ ‬ونميلة‭ .. ‬وارشة‭ ‬جاك‭ ‬الغرنوق‭ .. ‬وراشة‭ ‬ينقبلك‭ ‬عينك‭ .. ‬وارشة‭ ‬عينك‭ ‬لافوق‭ .. ‬وراشة‭ ‬عدا‭ ‬للسوق‭ .. ‬وراشة‭ ‬شراء‭ ‬عبروق‭ .. ‬وارشة‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬السوق‭ .. ‬وارشة‭ ‬عبروق‭ ‬فضية‭ .. ‬وارشة‭ ‬بألفين‭ ‬ومية‭).‬

والغرنوق‭ ‬هو‭ ‬الطائر‭ ‬البحري‭ ‬المعروف‭ (‬ونقبك‭) ‬أي‭ ‬نقرك‭ ‬بمنقاره،‭ ‬ويرى‭ ‬الباحث‭ ‬التاريخي‭ ‬مصطفى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاهزوجة‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬الشعبي‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬يصيب‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬عسف‭ ‬الجبأة‭ ‬في‭ ‬العهود‭ ‬الماضية،‭ ‬فالمعروف‭ ‬أن‭ ‬جبأة‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬العثماني‭ ‬لم‭ ‬يدخروا‭ ‬وسيلة‭ ‬او‭ ‬فرصة‭ ‬لأجل‭ ‬استنزاف‭ ‬موارد‭ ‬الناس،‭ ‬فكانوا‭ ‬يجمعون‭ ‬منهم‭ ‬النقود‭ ‬والأقوات‭ ‬وقد‭ ‬يصادرون‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬يدخرون‭ ‬من‭ ‬قوت‭ ‬أو‭ ‬نقود‭ ‬ولا‭ ‬يستثنون‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬الفقراء‭.‬

كما‭ ‬يردد‭ ‬الاطفال‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬عبارة‭ ‬مسجوعة‭ (‬اللي‭ ‬ما‭ ‬تعطى‭ ‬العاشوراء،‭ ‬تصبح‭ ‬برمتها‭ ‬مقعورة‭) ‬وهى‭ ‬تقليد‭ ‬ومحاكاة‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬يجرى‭ ‬أمام‭ ‬اعين‭ ‬الاطفال‭ ‬من‭ ‬مساومات‭ ‬وتهديدات‭ ‬يطلقها‭ ‬جبأة‭ ‬الاموال‭ ‬من‭ ‬موظفي‭ ‬الدولة‭ ‬آنذاك‭.‬

ولأننا‭ ‬مجتمع‭ ‬محافظ‭ ‬على‭ ‬تعاليمه‭ ‬الدينية‭ ‬فقد‭ ‬اتخذ‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬موعد‭ ‬لأداء‭ ‬الزكاة،‭ ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الهجري‭ ‬الجديد‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬المزارعين‭ ‬ورعاة‭ ‬الماشية‭ ‬والتجار‭ ‬بمراجعة‭ ‬حساباتهم‭ ‬والتدقيق‭ ‬في‭ ‬حصاد‭ ‬عامهم‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬والارباح‭ ‬وفقا‭ ‬للتقويم‭ ‬الهجري،‭ ‬وفى‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬يطُلق‭ ‬على‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء‭ ‬وما‭ ‬يؤدى‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬طقوس‭ (‬تعوشير‭) ‬وربما‭ ‬جاءت‭ ‬الكلمة‭ ‬كما‭ ‬يفسرها‭ ‬الباحث‭ ‬التاريخي‭ ‬مصطفى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بأنها‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أخذ‭ ‬العشر‭ ‬أو‭ ‬نصف‭ ‬العشر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لزكاة‭ ‬الحبوب،‭ ‬أو‭ ‬أخذ‭ ‬ربع‭ ‬العشر،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لزكاة‭ ‬النقدين‭ ‬وعروض‭ ‬التجارة،‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬مناسباته‭ ‬حتى‭ ‬الدينية‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الطعام‭ ‬كان‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬تعلم‭ ‬الربة‭ ‬كافة‭ ‬صنوف‭ ‬الطعام‭ ‬الحديث‭ ‬والتقليدي‭ ‬وبالتأكيد‭ (‬لابأس‭ ‬على‭ ‬إسبار‭ ‬الناس‭) ‬فما‭ ‬إن‭ ‬ينقضي‭ ‬سبر‭ ‬حتى‭ ‬يلحقه‭ ‬أخر‭. ‬

تقدم‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬يوم‭ ‬عاشوراء‭ ‬وجبة‭ ‬للغذاء،‭ ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لديهم‭ ‬تقريباً‭ ‬نفس‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬عاشوراء،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬لكل‭ ‬مكان‭ ‬مظاهره‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬والتي‭ ‬تميزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬الأخرى‭.‬

احتفالات‭ ‬ليبيا‭ ‬دائما‭ ‬أكثر‭ ‬بهجة،‭ ‬هكذا‭ ‬هي‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬أهلنا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الياسمين‭ ‬درنة‭ ‬الجميلة‭ ‬بتركيبتهم‭ ‬الاندلسية‭ ‬الرائعة،‭ ‬وبصلة‭ ‬الرحم‭ ‬التي‭ ‬أوصاهم‭ ‬بها‭ ‬نبينا‭ ‬وسيدنا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬من‭ ‬المحزن‭ ‬أن‭ ‬تندثر‭ ‬تلك‭ ‬العادات‭ ‬التراثية‭ ‬الجميلة‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬زمنا‭ ‬جميلا‭ ‬وأياما‭ ‬رائعة‭ ‬تسودها‭ ‬المحبة‭ ‬والصدق‭ ‬والعفوية‭ ‬المفقودة‭ ‬في‭ ‬زمننا‭ ‬الحاضر‭.‬

شاركتني‭ ‬في‭ ‬الإعداد‭ ‬لهذه‭ ‬المقالة‭ ‬التراثية،‭ ‬أختنا‭ ‬وزميلتنا‭ ‬المثقفة‭ ‬الباش‭ ‬مهندسة‭ ‬سُمية‭ ‬الجربي،‭ ‬عضو‭ ‬مؤسسة‭ ‬إرثنا‭ ‬للتراث‭ ‬والثقافة‭ ‬EFHC،‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬الياسمين‭ ‬درنة‭ ‬الزاهرة‭.‬

كل‭ ‬الشكر‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإعداد‭ ‬لهذه‭ ‬المقالة،‭ ‬وعلى‭ ‬تعريفنا‭ ‬دائما‭ ‬بروائع‭ ‬ومأثر‭ ‬موروثنا‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬الجميل،‭ ‬الغني‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله‭ ‬الجميلة،‭ ‬وعلى‭ ‬ثقافتها‭ ‬الواسعة،‭ ‬وإلمامها‭ ‬المعرفي‭ ‬الكبير،‭ ‬وعلى‭ ‬حيويتها‭ ‬وحماستها‭.‬

سليقة‭ ‬لذيذة‭ ‬وعاشورة‭ ‬سعيدة‭ ‬وكل‭ ‬العام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى