ربما لم تتجاوز ليلة الجمعة في السادس والعشرين من اغسظس الدموية التي اغتالتْ أمن وأمان طرابلس وأيقضت الفتنة فيها إلا ساعات قليلة.
لكنها أحرقتْ كل شيء داهمته وتركتْ صباحاً مليئاً بالمآسي وخيام العزاء .. ومزيداً من الحرق والدمار أضف إلى ذلك ترويع الآمنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً.
قسم الاستطلاعات
كيف رأى شباب طرابلس هذه الحرب المروعة .. ؟!.
وهل معارض الزينة واحتفالات الشعب بالجمال أسوأ من القتل والحرب والدمار ؟!.
كل هذه الأسئلة المحيرة حملناها معنا ووضعناها أمام مسامع شبابنا الذي لم يحلم يوماً إلا بأن يكون نجماً ساطعاً في سماء ليبيا لاعباً محترفاً مثلا أو مسؤولاً أو غير ذلك مما يمنحه مكانة مرموقة في وطنه ..
البداية كانت من المواطن مروان منصور وهو يتحول بنقاله حول ميدان الشهداء بطرابلس حيث بادرناه بسؤالنا .. ماذا حدث .. كيف ترى هذه الحرب وتلك الليلة .. ؟
على الفور أخذ نفساً عميقاً؛ وقال لا أعلم لماذا يريدون طرابلس كعلبة أعواد الكبريت يشعلونها متى يشاؤون .. لم ننم تلك الليلة جميعاً؛ فالقذائف تنهال علينا من كل مكان .. كنتُ أجهز نفسي لحضور مناسبة احتفالية صديقي الذي تخرج من الجامعة؛ ولكنني وفي لحظات وجدتُ نفسي أدعو الله تعالى أن أعيش و لا أموت أنا وأسرتي .. لا أعلم كيف انقضت تلك الساعات ولكن ما أعلمه هو أن الحرب شرٌ على الجميع.
نحن مدينة السلام .. لا نرية إلا السلام والعيش الآمن .. لا نريد الحرب مهما كانت أسبابها .. لماذا لا ندخل الانتخابات وننهي هذه الحرب.
دخلنا بعدها إلى سوق المدينة القديمة الذي لم يكن مكتظاً كعادته وكأنه لم يعد سوقاً .. في أول مدخله استوقفنا شابٌ مسرعاً يود الخروج .. تفاجأ بنا في البداية ثم عرضنا عليه سؤالنا .. ماذا حدث تلك الليلة..؟ .
أخبرنا وهو مندهشٌ .. ألم ترَ الدمار والخراب والحرب ؟.. نعم هي الحربُ التي تشوه وجه العاصمة .. نحن نريد أن نعيش بسلام .. أنا شاٌب وأود أن أكون نفسي بتجارة الحرير بعد أن نجحت والحمدلله في تجارة الخردوات .
ماذ يريدون من طرابلس .. لماذا هذه الحرب، وهذا الدمار .. أمامنا انتخابات يسعى فيها كل شخص إلى ما يريد.. طرابلس جميلة ولا نريد الحرب .. ثم انطلق مسرعاً نحو بضاعته.
حاولنا خلالها إلتقاط صور لما بعد الحرب لقلب العاصمة حتى نستوقف شخصاً آخر وعلى الفور إلتقينا بامرأة مع ابنتها تقدمنا صوبها .. لم تتجاوب معنا في البداية؛ ولكن اقنعناها بأن سؤالنا سيكون حول طرابلس التي نحب .. تجاوبت معنا على الفور واسترسلتْ قائلة :
نعم إننا نريد طرابلس لباعة الورود ولألعاب الأطفال وليس للرصاص.
لم نشأ أن نربك هذه السيدة وطفلتها واكتفينا بما قالت .
انتقلنا بعدها إلى شارع أبومشماشة حيث التقينا شيخاً أمام محله وهو رجل مسن يمتهن صناعة الحروف والنقش سابقاً ..
سألناه عما حدث وهل يُعقل أن يحدث هذا لطرابلس.
فأخبرنا وهو في حسرة واضحة قائلاً :
عمري قضيته في طرابلس العز والفرح .. طرابلس خلقها ربي للأمان والأفراح .. طرابلس أحسن سوق للورد .. الرصاص المتطاير فوق رؤوسنا جعلنا نبكي دماً على تاريخ طرابلس.
لماذا كل هذا الدمار .. وهذه الدماء.. لقد أفسدوا مستقبل الشباب الذي كان من المفترض أن يكون عماد هذا الوطن مستقبلاً..
أليستْ هناك انتخبات .. لماذا كل هذا الرصاص، وكل هذا القتل، ثم اكتفى بما قال وغادر المكان في هدوء.
هم هكذا يريدونها .. لا يريدون أن تكون طرابلس آمنة ومسالمة .. شبابنا انتهى جراء هذه الحروب .. لماذا لايقترع الجميع لصناديق الانتخابات ؟.. ولماذا هذا القتل والدمار .. حسبناالله ونعم الوكيل ..
حاولنا بعدها أن نجري لقاءات من أمام إحدى المدارس بشارع الجمهورية إلا أنه تعذر علينا لعدم قبول كل من كان موجوداً أمامها واكتفوا بالاعتذار.
انتقلنا بالقرب من جامع «القدس» متأملين أن نجد اجابات ورصد لحالات المواطنين عما جرى من خراب ودمار في تلك الليلة الدموية ..
وبالفعل التقينا بأحد الشباب أمام محال الذهب . الذي كانت ملامح الرغبة في المشاركة معنا واضحة عليه … بادرناه بسؤالنا .. لماذا يحدث كل هذا الدمار والقتل لطرابلس ؟.. ما الذي حدث؟..
فاجاب بأن كل هذا بسبب حب السلطة والكراسي ..لقد مات شبابنا واحترقت سيارات وممتلكات جيراننا .. وعشنا ليلة دموية مروعة لم نتوقع أن ننجى منها جميعاً .
لماذا لا يحتكم الجميع لصناديــق الانتخابــات ؟!.
لماذا يزج بشبابنا في اتون هذه الحروب .. وهذا الدمار ؟ .. طرابلس عاصمة الجميع .. ليس فيها إلا المعارض والاحتفالات والعمل ،، شبابها لا يطمح إلا أن يكون مواطناً فعالاً في بلده ..
واختتم كلامه بالدعاء لطرابلس وبحسبنا الله ونعم الوكيل.. حاولنا بعدها التقاط صور للسيارات الملقاة على حافة الطريق الممتد عبر شارع الجمهورية وهي محترقة تماماً في مشهد يدمي القلب .. ويتأسف لعاصمة بلد يختزل تحت أرضه خيرات وكنوز لن تجدها عند أغلب الدول.. عدستنا لم تغادر المكان حتى التقطت صورة اغتالت خلالها رصاصات الموت ذاكرتنا الصحفية ومبنى الصحافة القديم الجديد بعد ان كللت الجهـود المتواصلـة بصيانتـه خــلال فترة مضنيــة.