رأي

بين الترجمة والكتابة.

 

 

خالد الهنشيري

يرى الروائي «عبدالرحمن منيف» أن إحدى الإشكاليات القائمة في أزمة اللغة أنها قضية مسكوت عنها ولاتعطى الأهمية الكافية، أو ربما ليس مباح النقاش فيها بشكل علني رغم وجود بعض الاجتهادات التي لاتزال غير واضحة بالمعنى الكامل، لكن تكمن وراءها مواقف سياسية وفكرية لاتكون بريئة في كل الأحوال .

وفي ترجمة الأعمال الأدبية يضيف أنه عندما أصبحت موضوعاً أساسياً فإن الذين تصدوا للترجمة اتسم عملهم بما وصفه بنوع من الخفة، حسب منطق العصر الذي عاشوا فيه ويستدل في هذا السياق بأول عمل وقع بين يديه وهو مجموعة قصصية لمحمد السباعي -والد يوسف السباعي-  ترجمت عن الفرنسية ، وكانت الترجمة تحوي أبياتاً من الشعر العربي القديم وكان المترجم يشير بإستخدم كما «قال الشاعر العربي» ويورد أبياتا منه مؤكدا أن هذا ماقصده الكاتب الفرنسي في التعبير عن حالة معينة! وهذا ربما يكون نوعاً من الثقافة والتعامل مع اللغة وفهم النص المقابل وطريقة توصيله .

أيضا ماتشرعه قوانين حقوق الملكية الفكرية لحماية جهود المؤلفين، تدخل قضية الترجمة في إطار ربما يعطل مسيرة الإثراء الأدبي بفعل تلك القوانين التي ربما تعقد الأمور وتصبح روتينا إدارياً أكثر من كونه إطارا لتنظيم وحماية حقوق أصحاب الإنتاج .

هذه الأسباب والنظرة إلى اللغة سواء أكانت اللغة الأم أم اللغة الأخرى، من شأنها أن تعطي فكرة عن طريقة التعامل معها وتوصيلها، وبالانتقال إلى موضوع اللغة في مرحلة متأخرة نسبيا حتى -خمسينيات القرن الماضي- سنلاحظ أن هناك مجموعة من الاجتهادات الكثيرة والمتفاوتة، ظهرت على سبيل المثال فكرة استعمال الحروف اللاتينية وكان ذلك بتأثير حركة «كمال أتاتورك» أو ماكان يعرف بالتيار المتأورب ، وحجتهم لاستخدام الحرف اللاتيني كانت سهولة الطباعة وأنه أكثر حضارة وصلة مع العصر وعلاقة مع الآخرين.

كما صاحبت فترات التجديد التي طالت النصوص الأدبية وكتابة الروايات دعوات إلى الكتابة بالعامية، أيضاً ظهرت دعوات في دول مثل لبنان ومصر كانت تحمل مواقف ولها دلالات، «لويس عوض» مثلا كان أبرز المجتهدين في فترة مبكرة جدا، وهي كتابة الرواية باللهجة العامية وروايته الأولى صدرت عام 1949 بعنوان (مذكرات طالب بعثة)، وهذه الدعوات كانت تحمل رأيا وتعني موقفا، وهي مايسمى بالمتوسطي ، كما هو الحال بالنسبة لبعض المصريين أو فكر فينيقي كما هو الحال في لبنان.

في المقابل نشأ فكر أخر يعتبر اللغة شيئا مقدسا وغير قابل لإعادة نظر أو مراجعة ، ويجب التعامل معها ضمن منطقها القديم ويعتبر هؤلاء أن اللغة صيغة لمجتمع له صفة الثبات والقداسة والاستمرار ويجب أن يبقى، كذلك ضمن هذا المنطق وجدت عدة اجتهادات بعضها تراجع وانتهى والآخر لازال موجودا ويعبر عن نفسه بأشكال متعددة بين فترة وأخرى يظهر في صور مختلفة داخل المجتمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى