اجتماعي

بين الترف والبؤس .. وجوه العدالة الغائبة

شهد عبد الحفيظ

بينما‭ ‬يعيش‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬حياةً‭ ‬مترفةً‭ ‬داخل‭ ‬الفلل‭ ‬الفخمة،‭ ‬ويتنقلون‭ ‬بين‭ ‬العواصم‭ ‬العالمية،‭ ‬يكافح‭ ‬آخرون‭ ‬لتوفير‭ ‬ثمن‭ ‬الخبز‭ ‬اليومي،‭ ‬أو‭ ‬علاج‭ ‬بسيط‭ ‬لأطفالهم‭.. ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والأغنياء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وتكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬ومستقبل‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع،‭ ‬استمعنا‭ ‬إلى‭ ‬آراء‭ ‬شباب‭ ‬وفتيات،‭ ‬ومواطنين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬خبيرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬لتحليل‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬علمي،‭ ‬ونفسي‭ ‬وديني‭:                                                         

‭ ‬سناء‭ ‬24‭ ‬عامًا‭ ‬‭- ‬خريجة‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭:‬

الفرق‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬صديقتي‭ ‬اللي‭ ‬نقرأ‭ ‬معاها‭ ‬مش‭ ‬في‭ ‬الكفاءة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬هي‭ ‬تسوق‭ ‬سيارة،‭ ‬تلبس‭ ‬ماركات،‭ ‬وأنا‭ ‬نشتغل‭ ‬بالساعة‭ ‬باش‭ ‬نغطي‭ ‬مصاريفي‭ ‬نحس‭ ‬مرات‭ ‬بالتحطيم،‭ ‬كأني‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬مجتمعين‭ ‬مش‭ ‬واحد‭.‬

‭ ‬تاجر‭ ‬سيارات‭: ‬يقول‭ :‬

النَّاس‭ ‬تلوم‭ ‬في‭ ‬الأغنياء،‭ ‬بس‭ ‬مش‭ ‬كل‭ ‬غني‭ ‬فاسد‭ ‬فيه‭ ‬ناس‭ ‬تعبت‭ ‬واشتغلت‭. ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬العدالة،‭ ‬مش‭ ‬في‭ ‬الغني‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭.‬

مجدولين‭ ‬26‭ ‬سنة‭ – ‬ناشطة‭ ‬مجتمعية‭:‬

المشكلة‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬اقتصادية،‭ ‬بل‭ ‬نفسية،‭ ‬واجتماعية،‭ ‬فيه‭ ‬كره‭ ‬طبقي‭ ‬بدأ‭ ‬يظهر،‭ ‬وهذا‭ ‬خطر‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭.                                ‬‭                              شاب‭ ‬يبيع‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الجمعة‭:‬

أنا‭ ‬مش‭ ‬حاقد‭ ‬على‭ ‬الغني،‭ ‬لكن‭ ‬نطلب‭ ‬نعيش‭ ‬بكرامة‭ ‬ما‭ ‬نبيش‭ ‬نمد‭ ‬إيدي،‭ ‬بس‭ ‬عطونا‭ ‬فرصة‭.‬

شيماء‭  ‬30‭ ‬سنة‭ -‬موظفة‭ ‬قطاع‭ ‬عام‭:‬

مرتبنا‭ ‬يوقف‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬الشهر،‭ ‬والغني‭ ‬ما‭ ‬يحسش‭ ‬بهالشي‭. ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ثاني‭. ‬ما‭ ‬يحسش‭ ‬بمعاناة‭ ‬المرأة‭ ‬اللي‭ ‬تعول‭ ‬في‭ ‬صغار‭ ‬بروحها‭.‬

‭ ‬عبدالرؤوف،‭ ‬25‭ ‬سنة‭ -‬حرفي‭:‬

نشتغل‭ ‬بشرفي،‭ ‬بس‭ ‬نشوف‭ ‬ناس‭ ‬تاخذ‭ ‬عقود‭ ‬مشاريع‭ ‬بملايين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يشتغلوا‭ ‬أحبطنا‭ ‬من‭ ‬الظلم،‭ ‬وين‭ ‬الدولة؟‭                                ‬‭                أ‭.‬شرف‭ ‬ولدي‭ ‬مات‭ ‬مافيش‭ ‬علاج،‭ ‬والجماعة‭ ‬اللي‭ ‬فوق‭ ‬يسافروا‭ ‬يعالجوا‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬نحس‭ ‬الدنيا‭ ‬مش‭ ‬عادلة‭.‬

‭- ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬يمر‭ ‬بمرحلة‭ ‬انقسام‭ ‬طبقي‭ ‬حاد‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الموارد،‭ ‬وانتشار‭ ‬الواسطة‭ ‬والفساد،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬شعور‭ ‬بالغبن‭ ‬الاجتماعي‭.‬

‭- ‬الشباب‭ ‬فقدوا‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬وفي‭ ‬مفهوم‭ ‬التكافؤ،‭ ‬وهذا‭ ‬يولّد‭ ‬مشكلات‭ ‬نفسية‭ ‬مثل‭ ‬الاكتئاب،‭ ‬الإحباط،‭ ‬والعنف‭.‬

‭- ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعالجتش‭ ‬هالمفارقات‭ ‬من‭ ‬جذورها،‭ ‬فاحتمال‭ ‬نواجه‭ ‬اضطرابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الجاية‭.‬

النتيجة‭ ‬

الفقر‭ ‬ليس‭ ‬قلة‭ ‬مال،‭ ‬والغنى‭ ‬ليس‭ ‬توفر‭ ‬مال،‭ ‬بل‭ ‬هما‭ ‬انعكاس‭ ‬لعدالة‭ ‬النظام‭ ‬وفعالية‭ ‬الدولة‭.‬

في‭ ‬ليبيا‭ ‬اليوم،‭ ‬تبرز‭ ‬حاجة‭ ‬ماسّة‭ ‬لسياسات‭ ‬إصلاح‭ ‬اجتماعي‭ ‬واقتصادي‭ ‬تضمن‭ ‬توزيعاً‭ ‬عادلاً‭ ‬للثروات،‭ ‬وتوفر‭ ‬فرصاً‭ ‬متكافئة،‭ ‬وتعزَّز‭ ‬من‭ ‬التماسك‭ ‬الوطني‭.‬

الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الغني‭ ‬والفقير،‭ ‬إن‭ ‬تُركتْ‭ ‬تتسع،‭ ‬ستتحوَّل‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬اجتماعية‭ ‬تمزّق‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭.‬

السؤال‭ ‬

هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬مازالتْ‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬عدالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية؟،‭ ‬وكيف؟

تقول‭  ‬أ‭. ‬خديجة‭ ‬عبد‭ ‬الله‭  -‬باحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ -:‬

الهوةُ‭ ‬الطبقية‭ ‬اليوم‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬مال،‭ ‬بل‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬كامل‭ ‬الفقير‭ ‬محاصر‭ ‬نفسياً،‭ ‬اجتماعياً،‭ ‬وإعلامياً‭.‬

الأغنياء‭ ‬يفرضون‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الآخرون‭ ‬مجاراته،‭ ‬وهنا‭ ‬تولد‭ ‬الغيرة،‭ ‬الغضب،‭ ‬والانكسار‭.‬

‭- ‬لازم‭ ‬برامج‭ ‬دعم‭ ‬حقيقية‭: ‬سكن،‭ ‬قروض‭ ‬دون‭ ‬فائدة،‭ ‬تمكين‭ ‬الشباب‭ ‬والفتيات،‭ ‬وتكافؤ‭ ‬فرص،‭ ‬وإلا‭ ‬المجتمع‭ ‬يتحوَّل‭ ‬لطبقتين‭ ‬منفصلتين‭.‬

‭ ‬رأي‭ ‬الدين

الإسلام‭ ‬أقرّ‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعدالة،‭ ‬قال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬ما‭ ‬آمن‭ ‬بي‭ ‬من‭ ‬بات‭ ‬شبعان،‭ ‬وجاره‭ ‬جائع‭ ‬وهو‭ ‬يعلم‭.‬

من‭ ‬واجب‭ ‬الأغنياء‭ ‬إخراج‭ ‬الزكاة‭ ‬والصدقات،‭ ‬لكن‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬توزيع‭ ‬الموارد‭ ‬بعدل‭.‬

‭- ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التباهي‭ ‬بالمال‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬يعاني‭ ‬هذا‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬الرياء‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬لفتنة‭ ‬اجتماعية‭.‬

‭- ‬إذا‭ ‬تركنا‭ ‬الظلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ينتشر،‭ ‬نكون‭ ‬ساهمنا‭ ‬في‭ ‬فتنة‭ ‬وخراب،‭ ‬والعياذ‭ ‬بالله‭.‬

هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬تعكس‭ ‬واقعاً‭ ‬مشحوناً‭ ‬بالأسى،‭ ‬وعدم‭ ‬الرضا،‭ ‬والشعور‭ ‬بالتمييز‭.‬

ولعل‭ ‬أخطر‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُولد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التفاوت،‭ ‬هو‭ ‬تفكك‭ ‬الثقة‭ ‬الوطنية‭.‬

شعور‭ ‬الناس‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬سواسية،‭ ‬وأن‭ ‬العدل‭ ‬أصبح‭ ‬رفاهية‭ ‬لا‭ ‬تُطال‭.‬

بين‭ ‬صوت‭ ‬فتاة‭ ‬منهارة‭ ‬من‭ ‬القهر،‭ ‬وشاب‭ ‬حالم‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬فرصة،‭ ‬وسيدة‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬الإنصاف‮…‬‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭:‬

هل‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭ ‬مستعدٌ‭ ‬ليبدأ‭ ‬مصالحة‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية؟

  ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية

على‭ ‬المحك‭: ‬ليبيا‭ ‬بين‭ ‬غنى‭ ‬فاحش‭ ‬وفقر‭ ‬موجع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى