
بينما يعيش بعض المواطنين في ليبيا حياةً مترفةً داخل الفلل الفخمة، ويتنقلون بين العواصم العالمية، يكافح آخرون لتوفير ثمن الخبز اليومي، أو علاج بسيط لأطفالهم.. فجوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمع الليبي أصبحت أكثر وضوحًا، ما يثير تساؤلات عن العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، ومستقبل الأجيال القادمة.
في هذا الاستطلاع، استمعنا إلى آراء شباب وفتيات، ومواطنين من مختلف الأعمار، إضافة إلى رؤية خبيرة اجتماعية لتحليل الظاهرة من منظور علمي، ونفسي وديني:
سناء 24 عامًا - خريجة كلية الآداب:
الفرق بيني وبين صديقتي اللي نقرأ معاها مش في الكفاءة، بل في الظروف هي تسوق سيارة، تلبس ماركات، وأنا نشتغل بالساعة باش نغطي مصاريفي نحس مرات بالتحطيم، كأني نعيش في مجتمعين مش واحد.
️ تاجر سيارات: يقول :
النَّاس تلوم في الأغنياء، بس مش كل غني فاسد فيه ناس تعبت واشتغلت. المشكلة في غياب العدالة، مش في الغني بحد ذاته.
مجدولين 26 سنة – ناشطة مجتمعية:
المشكلة مش بس اقتصادية، بل نفسية، واجتماعية، فيه كره طبقي بدأ يظهر، وهذا خطر كبير على الاستقرار. شاب يبيع على الرصيف في سوق الجمعة:
أنا مش حاقد على الغني، لكن نطلب نعيش بكرامة ما نبيش نمد إيدي، بس عطونا فرصة.
شيماء 30 سنة -موظفة قطاع عام:
مرتبنا يوقف في نص الشهر، والغني ما يحسش بهالشي. يعيش في عالم ثاني. ما يحسش بمعاناة المرأة اللي تعول في صغار بروحها.
️ عبدالرؤوف، 25 سنة -حرفي:
نشتغل بشرفي، بس نشوف ناس تاخذ عقود مشاريع بملايين من غير ما يشتغلوا أحبطنا من الظلم، وين الدولة؟ أ.شرف ولدي مات مافيش علاج، والجماعة اللي فوق يسافروا يعالجوا في أوروبا، نحس الدنيا مش عادلة.
- المجتمع الليبي يمر بمرحلة انقسام طبقي حاد غياب العدالة في توزيع الموارد، وانتشار الواسطة والفساد، كلها عوامل أسهمت في خلق شعور بالغبن الاجتماعي.
- الشباب فقدوا الثقة في الدولة وفي مفهوم التكافؤ، وهذا يولّد مشكلات نفسية مثل الاكتئاب، الإحباط، والعنف.
- إذا ما تعالجتش هالمفارقات من جذورها، فاحتمال نواجه اضطرابات اجتماعية خطيرة في السنوات الجاية.
النتيجة
الفقر ليس قلة مال، والغنى ليس توفر مال، بل هما انعكاس لعدالة النظام وفعالية الدولة.
في ليبيا اليوم، تبرز حاجة ماسّة لسياسات إصلاح اجتماعي واقتصادي تضمن توزيعاً عادلاً للثروات، وتوفر فرصاً متكافئة، وتعزَّز من التماسك الوطني.
الفجوة بين الغني والفقير، إن تُركتْ تتسع، ستتحوَّل من أزمة اقتصادية إلى كارثة اجتماعية تمزّق نسيج المجتمع.
السؤال
هل تعتقد أن ليبيا مازالتْ قادرة على تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية؟، وكيف؟
تقول أ. خديجة عبد الله -باحثة في علم الاجتماع -:
الهوةُ الطبقية اليوم مش بس مال، بل نمط حياة كامل الفقير محاصر نفسياً، اجتماعياً، وإعلامياً.
الأغنياء يفرضون نمط حياة لا يستطيع الآخرون مجاراته، وهنا تولد الغيرة، الغضب، والانكسار.
- لازم برامج دعم حقيقية: سكن، قروض دون فائدة، تمكين الشباب والفتيات، وتكافؤ فرص، وإلا المجتمع يتحوَّل لطبقتين منفصلتين.
رأي الدين
الإسلام أقرّ التكافل الاجتماعي والعدالة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع وهو يعلم.
من واجب الأغنياء إخراج الزكاة والصدقات، لكن أيضاً من واجب الدولة توزيع الموارد بعدل.
- لا يجوز التباهي بالمال في مجتمع يعاني هذا يدخل في الرياء وقد يؤدي لفتنة اجتماعية.
- إذا تركنا الظلم الاجتماعي ينتشر، نكون ساهمنا في فتنة وخراب، والعياذ بالله.
هذه الأصوات تعكس واقعاً مشحوناً بالأسى، وعدم الرضا، والشعور بالتمييز.
ولعل أخطر ما يمكن أن يُولد من هذا التفاوت، هو تفكك الثقة الوطنية.
شعور الناس أنهم ليسوا سواسية، وأن العدل أصبح رفاهية لا تُطال.
بين صوت فتاة منهارة من القهر، وشاب حالم لا يجد فرصة، وسيدة تسأل عن الإنصاف… يبقى السؤال:
هل المجتمع الليبي مستعدٌ ليبدأ مصالحة مع نفسه تبدأ من تحقيق العدالة الاجتماعية؟
العدالة الاجتماعية
على المحك: ليبيا بين غنى فاحش وفقر موجع