محطة
وقف الطالب أمام زملاؤه وبدأ في شرح الدرس..حدث ذلك في مدرسة ثانوية تضم نخبة الأوائل من الشهادة الإعدادية باليابان..فالعصر الحديث فرض مفهوم إنه ليس الأستاذ دائمًا يعلم والطالب يتلقى..ولا المعلم يعرف كل شيء والطلاب يجهلون كل شيء..وهو وحده من يفكر والطالب لا يفكر..ويتكلم هو والطلاب يسمعون..فهذا عصر هيمنة الإنترنت و انتشار المعلومة وسيطرة الصورة..ولا مكان لما يسمى بالتعليم البنكي..حيث الطالب يسحب فقط من رصيد المعلومات التي وضعها له المعلمون والمعلمات استنادا على المنهج الدراسي النظري..والمطلوب منه في كل فصل دراسي أو غرفة منزل ترداد بعض الكلمات والأصوات والجمل..وإن كان غير قادر على فهمها واستيعابها..فذلك أسلوب تعليم انشائي وبالتالي تكون نتيجة الدرجات النهائية لا تقيس التفكير..وإنما تقيس القدرة على الاستذكار والحفظ ليس إلا..وهكذا يتم إلغاء الطاقة الإبداعية في الطالب..ويكون الناتج فرد من المجتمع لا يعرف إلا التقليد والمحاكاة..أما أن يبدع أو يبتكر فذلك صعب المنال..بسبب غياب الاستفسار وبالتالي البحث..حيث يأتي الجواب النهائي جاهزا والمسلمات في ثوب نظري دون تجربة عملية تلامس المحيط وتتسق مع البيئة وتنسجم مع الواقع المعاش..
المجتمع المعاصر لايريد شخصا ناقلا للعلوم..وإنما يريد طالبا مبتكرا للعلوم..ومشاركا في صنعها..ولديه القدرة على اكتشاف ماحوله من تطور وحداثة..وذلك لا يتأتى إلا بتفعيل النشاط الذهني عمليا..
إذن.. لابد من تخصيص حيز للكلام بين الطلاب..وتبادل الأفكار والإستفهام فيما بينهم بحضور المعلم..أي تطوير ثقافة السؤال في المدرسة من خلال الانطلاق غالبا من أسئلة الطلاب نفسها..وذلك بعد وضع الفصل في مواقف حياتية تدفعهم للتفكير والتعامل مع الواقع..وليست
عناوين ومضامين نظرية..ينساها الطالب في العام الذي يليه..
صادفتني واقعة وأنا اتصفح إحدى صفحات الفيسبوك..مفادها أن أحد اباطرة الصين القديمة..طلب من فنان رسم لوحة نهر..ليعلقها على جدار غرفة نومه..وبعد أيام طلب نزعها..مبررا ذلك بأنه أصابه الأرق نتيجة صوت خرير المياه في الصورة..وهذه ربما تجسد الاكتفاء بتناول المعلومات نظريا لتقود حتما إلى سيطرة التخيل..دونما ممارسة واقعية حياتية تنمي ملكة الخيال وتجذر التطبيق..فالقرن الحالي ومستقبلا..هو زمن تنظير وعمل الإنسان في خطين متوازيين..وإلا الإستسلام وتسليم الجمل بما حمل للروبوت والذكاء الاصطناعي..