إجتماعي

تعدد الزوجات في القانون الليبي

المحامي / أحمد بن نعمة

الزوجة‭ ‬والمستشار

التعدد‭ ‬يشترط‭ ‬فيه‭ ‬العدل‭ ‬والقدرة

لا‭ ‬شك‭ ‬أنّ‭ ‬التعدَّد‭ ‬شرعًا‭ ‬الأصل‭ ‬فيه‭ ‬الاباحة،‭ ‬وإنّ‭ ‬هناك‭ ‬جملةً‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬وجب‭ ‬توافرها‭ ‬للرجل‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬بأكثر‮ ‬‭ ‬من‭ ‬واحدة‭.‬

إلا‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬فإن‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬يوفر‭ ‬حلولاً‭ ‬لمشكلات‭ ‬مثل‭ )‬العنوسة‭ ‬وقلة‭ ‬فرص‭ ‬الزواج‭(. ‬بالنسبة‭ ‬للرجل‭ ‬يمنحه‭ ‬التعدد‭ ‬فرصة‭ ‬لتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وبناء‭ ‬أسرة‭ ‬ممتدة،‭ ‬مما‭ ‬يعزَّز‭ ‬التكافل‭ ‬والترابط‭ .. ‬أما‭ ‬للمرأة،‭ ‬فهو‭ ‬يوفر‭ ‬فرصاً‭ ‬للزواج‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬حياة‭ ‬مستقرة،‭ ‬وأماناً‭ ‬أسرياً‭ .. ‬التعدد،‭ ‬إذا‭ ‬طُبّق‭ ‬وفق‭ ‬الشريعة‭ ‬بحكمة‭ ‬وعدل،‭ ‬يحقق‭ ‬مصلحة‭ ‬للطرفين‭ ‬وللمجتمع‭ ‬ككل‭. ‬

سينصبُ‭ ‬حديثنا‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬المنظمة‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة،‭ ‬ونطرح‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬الواقعية‭ ‬لبعض‭ ‬الاشكاليات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬

ففي‭ ‬إحدى‭ ‬الدعاوى‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬نظرها‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الاأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬اقامتْ‭ ‬

‮«‬ن‭ .‬ا‭.‬م‮»‬‭ ‬دعوى‭ ‬تطليق‭ ‬للضرَّر؛‭ ‬حيث‭ ‬ادعتْ‭ ‬فيها‭ ‬بالتضرر‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬كونه‭ ‬تزوج‭ ‬عليها‭ ‬بزوجة‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬علمها،‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يعدل‭ ‬بينهما‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬انتهت‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬تطليقها‭ ‬للضرر‭ ‬الواقع‭ ‬منه‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬إلزامه‭ ‬بدفع‭ ‬كامل‭ ‬حقوقها‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الطلاق،‭ ‬والمحكمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نظرتْ‭ ‬الدعوى‭ ‬لم‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬زواج‭ ‬المدعي‭ ‬عليه‭ ‬سرًا‭ ‬بزوجة‭ ‬أخرى‭ ‬سببًا‭ ‬للضرر،‭ ‬وأنها‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬اثبات‭ ‬دعواها‭ ‬بشأن‭ ‬تضررها‭ ‬فقضت‭ ‬بتطليقها‭ ‬لاستحالة‭ ‬العشرة‭ ‬مع‭ ‬اسقاط‭ ‬كافة‭ ‬حقوقها‭ ‬المالية‭. ‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬وفي‭ ‬قضية‭ ‬أخرى‭ ‬اقام‭ )‬م‭.‬م‭.‬ا‭( ‬دعوى‭ ‬رجوع‭ ‬لبيت‭ ‬الزوجية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غادرته‭ ‬زوجته‭ ‬لأن‭ ‬زواها‭ ‬قد‭ ‬تزوج‭ ‬بأخرى‭.‬

المحكمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نظرتْ‭ ‬الدعوى‭ ‬رفضت‭ ‬الدعوى؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الزوجة‭ ‬اثبتت‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬ان‭ ‬زوجها‭ ‬منذ‭ ‬تاريخ‭ ‬زواجه‭ ‬بالزوجة‭ ‬الأخرى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ينفق‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أبنائه‭ ‬كما‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يخصص‭ ‬إلا‭ ‬يومًا‭ ‬واحدًا‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬للمبيت‭ ‬معها‭ ..‬

الرأي‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ :‬

إنّ‭ ‬المشرع‭ ‬الليبي‭ ‬وبموجب‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬10/84‭ ‬السابق‭ ‬وضع‭ ‬شروطًا‭ ‬للتعدد،‭ ‬وقيد‭ ‬حق‭ ‬الزوج‭ ‬فيه؛‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للزوج‭ ‬إن‭ ‬راد‭ ‬الزواج‭ ‬بأخرى‭ ‬أن‭ ‬يتحصل‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الزوجة‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬لها‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬زواجه‭ ‬بزوجة‭ ‬ثانية‭ !!‬؛‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الازواج‭ ‬اضطر‭ ‬لايقاع‭ ‬طلاقه‭ ‬على‭ ‬زوجته‭ ‬الاولى‭ ‬حتى‭ ‬يتزوج‭ ‬باخرى‭ ..‬

واستمر‭ ‬الوضع‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬صدر‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬14‭ ‬لسنة‭ ‬2015‭ ‬المعدل‭ ‬لاحكام‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬10‭/‬84‭ ‬بشأن‭ ‬احكام‭ ‬الزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬وآثارهما‮ ‬‭ ‬الذي‭ ‬الغى‭ ‬هذا‭ ‬القيد‮ ‬‭ ‬فصار‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الزوج‭ ‬الزواج‭ ‬باكثر‭ ‬من‭ ‬زوجة،‭ ‬وهذا‭ ‬الاصل‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬الشريعة‭ ‬الاسلامية‭ ‬كاساس‭ ‬للتشريع‭ ..‬

الا‭ ‬ان‭ ‬المشرع‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬المذكور‭ ‬احال‭ ‬الى‭ ‬احكام‭ ‬الشريعة‭ ‬الاسلامية‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬به‭ ‬نص‭ ‬صريح‭ ..‬

ولما‭ ‬كان‭ ‬شرط‭ ‬التعدد‭ ‬الشريعة‭ ‬الاسلامية‭ ‬هو‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الزوجات‭ ‬فان‭ ‬الزوجة‭ ‬الاولى‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬بان‭ ‬زوجها‭ ‬قد‭ ‬عدل‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬زوجته‭ ‬الاخرى‭ ‬فانه‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬طلب‭ ‬تطليقها‭ ‬للضرر‭ ‬فالمقصود‭ ‬بالعدل‭ ‬بين‭ ‬الزوجات‭ ‬هو‭ ‬العدل‭ ‬بمفهومه‭ ‬الواسع؛‭ ‬فيشمل‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المبيت،‭ ‬والعدل‭ ‬في‭ ‬الانفاق،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ..‬‭ ‬كما‭ ‬اشترط‭ ‬على‭ ‬الزوج‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬البدنية،‭ ‬والمالية‭..‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬ادعاء‭ ‬الزوجة‭ ‬بالضرر‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬بمجرد‭ ‬زواج‭ ‬زوجها‭ ‬بغيرها‭ ‬لا‭ ‬يسعفها‭ ‬قانونً،ا‭ ‬وبالتالي‭ ‬فان‭ ‬الضرر‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتصل‭ ‬بمسألة‭ ‬العدل‭ ‬والانفاق‭ ‬مثلاً‭  .‬

شروط‭ ‬التعدّد‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تشمل‭: ‬

‭- ‬القدرة‭ ‬المالية‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الزوجات‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬المأكل،‭ ‬والملبس،‭ ‬والسكن‭. ‬

‭- ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الزوجات‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الزوج‭ ‬أن‭ ‬يعامل‭ ‬زوجاته‭ ‬بالعدل،‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭. ‬

‭- ‬الإجماع‭:‬‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬توافقٌ‭ ‬ورضا‭ ‬من‭ ‬الزوجات‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬التعدد‭. ‬

‭- ‬القدرة‭ ‬الجسدية‭ ‬والنفسية‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرجل‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬النفسية،‭ ‬والجسدية‭ ‬للزواج‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬واحدة‭. ‬

‭- ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬مانع‭ ‬شرعي‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬مانع‭ ‬شرعي‭ ‬من‭ ‬الزواج‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬واحدة‭. ‬

هذه‭ ‬الشروط‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬حقوق‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية،‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى