رأي

تغيّر أسلوب الحياة وتفكّك المجتمع..

فائزة صالح

يواجه‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬مصاعب‭ ‬جمة‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬أسلوب‭ ‬التربية‭ ‬الأنجح،‭ ‬والأكثر‭ ‬ملائمةً‭ ‬لأبنائهم،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطور‭ ‬التقني‭ ‬والمعلوماتي‭ ‬المذهل،‭ ‬وكذلك‭ ‬تغير‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭..‬

وتزداد‭ ‬الصعوبات‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬النشء‭ ‬الجديد،‭ ‬نتيجة‭ ‬عوامل‭ ‬متعدَّدة،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬التطور‭ ‬التقني‭ ‬والمعلوماتي‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬متداخلاً‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬فرد،‭ ‬وفرض‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬الحياة،‭ ‬يتميز‭ ‬بالانطوائية‭ ‬والانفراد،‭ ‬وكل‭ ‬إنسان‭ ‬زاد‭ ‬انفصاله‭ ‬عن‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيطين‭ ‬به‭ ‬سواء‭ ‬أسرته‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭..‬

فسيطرة‭ ‬النمط‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬الانسان‭ ‬نحو‭ ‬الماديات،‭ ‬والابتعاد‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬عن‭ ‬الروحانيات،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتعاليم‭ ‬الدينية،‭ ‬والعادات‭ ‬والعرف‭ ‬والتقاليد‭ ‬أمراً‭ ‬لافتًا‭ ‬للنظر،‭ ‬وغريباً‭ ‬وسط‭ ‬المجتمع‭..‬

كما‭ ‬أن‭ ‬سيطرة‭ ‬المظاهر‭ ‬في‭ ‬المأكل‭ ‬والملبس‭ ‬والمركوب‭ ‬والسكن،‭ ‬وتفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬كافة،‭ ‬جعل‭ ‬الهدف‭ ‬الأساس‭ ‬لدى‭ ‬الغالبية‭ ‬هو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المادة،‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬كانت،‭ ‬حتى‭ ‬يجاري‭ ‬المواطن‭ ‬باقي‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيطين‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬تمظهرهم،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بينهم‭ ‬بالنقص،‭ ‬والاغتراب‭..‬

وهذا‭ ‬الامر‭ ‬ادى‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬روابط‭ ‬اجتماعية‭ ‬كانت‭ ‬متينة‭ ‬قوية‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬الازمنة‭ ‬والعصور‭ ‬عليها،‭ ‬فصار‭ ‬المجتمع‭ ‬متفككًا،‭ ‬متباعداً،‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السوية،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬صلة‭ ‬الرحم،‭ ‬ومرورًا‭ ‬بالصداقة،‭ ‬وحتى‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الزوجين‭ ‬والأبناء‭..‬

وصارت‭ ‬المصلحة‭ ‬والاستفادة‭ ‬الشخصية‭ ‬هي‭ ‬العنوان‭ ‬الرئيس‭ ‬لأغلب‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬السؤال‭: ‬ماذ‭ ‬ستضيف‭ ‬ليّ‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة؟‭ ‬أو‭:‬‭ ‬ماذا‭ ‬سأستفيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة؟

وهنا‭ ‬الإضافة‭ ‬أو‭ ‬الاستفادة‭ ‬المقصودة‭ ‬هي‭ ‬الاستفادة‭ ‬المادية‭ ‬وليست‭ ‬المعنوية‭..‬

وإذا‭ ‬لم‭ ‬يتدارك‭ ‬المجتمع‭ ‬هذا‭  ‬الانفصام‭ ‬الخطير‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬أفراده‭ ‬بعضهم‭ ‬ببعض،‭ ‬ووضع‭ ‬الحلول‭ ‬السليمة‭ ‬لإعادة‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬إلى‭ ‬توازنه‭ ‬المعهود،‭ ‬فإن‭ ‬الكارثة‭ ‬ستحل‭ ‬به‭ ‬عاجلاً‭ ‬أم‭ ‬آجلاً،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الانحلال‭ ‬والتفسخ‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالتحارب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المادة‭ ‬والمصالح،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بتفكك‭ ‬وضياع‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬تركيبتها‭ ‬السوية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬بناء‭ ‬المجتمع‭ ‬السليم‭..‬

فهل‭ ‬نعي‭ ‬ما‭ ‬يحدق‭ ‬بمجتمعنا‭ ‬من‭ ‬مخاطر،‭ ‬ونعمل‭ ‬على‭ ‬مكافحتها،‭ ‬وسلامته‭..‬؟‭!.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى