رتوش

ثلاثة أصدقاء : ولــدوا وتـــوفوا مــــعـــــاً

فرج‭ ‬غيث

كُلما‭ ‬ضاقتْ‭ ‬بكَ‭ ‬الدّنيا‭ ‬أتسع‭ ‬قلبُك‭ ‬أكثر‭ ‬بأصدقائك،‭ ‬خاصة‭ ‬حينما‭ ‬نتأملُ‭ ‬صديقًا‭ ‬يتحلى‭ ‬بصفات‭ ‬راقية،‭ ‬ونجده‭ ‬مؤدبًا‭ ‬ومتعلمًا،‭ ‬ومثقفًا،‭ ‬وناجحًا‭. ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الأوفياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬خلّدتها‭ ‬الحكايات،‭ ‬والقصص‭ ‬التي‭ ‬مرّتْ‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬صداقة‭ ‬متميزة‭ ‬لثلاثة‭ ‬رجال‭ ‬أَخبرنا‭ ‬عنهم‭ ‬كبيرنا‭ ‬وقدوتنا‭ ‬الذي‭ ‬نعتز‭ ‬به‭ ‬ونفخر‭ ‬الباحث‭ ‬والمؤرخ‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬سالم‭ ‬الكبتي‮»‬،‭ ‬أقدّمها‭ ‬كعبرة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭. ‬الصداقة‭ ‬علاقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬المحبة‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أرقى‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تتقارب‭ ‬فيها‭ ‬القلوب‭ ‬والأرواح،‭ ‬ويتبادل‭ ‬فيها‭ ‬الأصدقاء‭ ‬العهودَ‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬والإخلاص،‭ ‬فالصداقة‭ ‬عالمٌ‭ ‬من‭ ‬الأُخوّة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تربطها‭ ‬علاقة‭ ‬الدم‭ ‬وإنما‭ ‬علاقة‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬تآلفتْ‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬بعض‭ ‬وقرّب‭ ‬بينها‭ ‬الحبُ‭ ‬الإنساني‭ ‬الصافي،‭ ‬ولهذا‭ ‬ليس‭ ‬غريبًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬علاقة‭ ‬الصداقة‭ ‬هي‭ ‬العلاقة‭ ‬البشرية‭ ‬الأكثر‭ ‬ديمومة،‭ ‬وهذا‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬عمقها‭ ‬والمعاني‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭.‬

الثلاثة‭ :‬

جمعتهم‭ ‬الدراسة‭..‬واحتوتهم‭ ‬المدينة‭..‬وحلقت‭ ‬أحلامهم‭ ‬إلى‭ ‬بعيد‭ ‬

ثلاثة‭ ‬اصدقاء‭ ‬جمعتهم‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬بالجامعة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تلتقي‭ ‬ببنغازي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المدن‭ ‬الليبية‭ ‬للدراسة،‭ ‬احتوتهم‭ ‬المدينة‭ ‬وضمتهم،‭ ‬وتعلموا‭ ‬في‭ ‬زواياها‭ ‬ومدارسها‭ ‬ومعاهدها‭ ‬وجامعتها،‭ ‬وانطلقت‭ ‬أحلامهم‭ ‬وخطواتهم‭ ‬ونظراتهم‭ ‬إلى‭ ‬البعيد،‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يقيم‭ ‬مع‭ ‬أقاربه،‭ ‬والآخر‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬القسم‭ ‬الداخلي‭ ‬التابع‭ ‬للمعارف‭ ‬في‭ ‬‮«‬التوريللي‮»‬‭ ‬بسيدي‭ ‬خريبيش‭ ‬قبالة‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬وهو‭ ‬حيّ‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬المرحابة‭ ‬مفتوحة‭ ‬الذراع‭ ‬والقلب،‭ ‬ومجتمع‭ ‬عملي‭ ‬مرن،‭ ‬وثقافة‭ ‬تستوعب‭ ‬الغريب‭ ‬والجديد‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬أو‭ ‬إقصاء،‭ ‬فسيفساء‭ ‬ونسيج‭ ‬اجتماعي‭ ‬متماسك‭ ‬حاكته‭ ‬أزقة‭ ‬سيدي‭ ‬خريبيش‭ ‬عبر‭ ‬المحن،‭ ‬تتمسك‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يمزق‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتميز،‭ ‬حيّ‭ ‬كل‭ ‬سكانه‭ ‬وافدين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الولي‭ ‬الصالح‭ ‬‮«‬نجم‭ ‬الدين‭ ‬ابن‭ ‬محمد‮»‬‭ ‬سيدي‭ ‬خريبيش‭ ‬الذي‭ ‬عُرفتْ‭ ‬المنطقة‭ ‬باسمه،‭ ‬والمدفون‭ ‬فيها،‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬المغرب،‭ ‬تزوج‭ ‬هناك‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬إلى‭ ‬بنغازي،‭ ‬أبناؤه‭ ‬سيدي‭ ‬يونس‭ ‬وسيدي‭ ‬سعيد،‭ ‬وسيدي‭ ‬خليفة،‭ ‬وسيدي‭ ‬منصور،‭ ‬وابنة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬فاطمة‭ ‬بعده‭ ‬جاء‭ ‬المرابط‭ ‬سيدي‭ ‬غازي‭ ‬من‭ ‬فاس‭ ‬بالمغرب‭ ‬أيضًا،‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وتوفي‭ ‬ودفن‭ ‬فيها‭ ‬بجانب‭ ‬سيدي‭ ‬خريبيش،‭ ‬وسميتْ‭ ‬عليه‭ ‬مدينة‭ )‬بني‭ ‬غازي‭(.‬

لقد‭ ‬انعقدت‭ ‬بين‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬صداقةٌ،‭ ‬وخيوطٌ‭ ‬ود‭ ‬دامتْ‭ ‬ولم‭ ‬تنقطع،‭ ‬كان‭ ‬للصداقة‭ ‬معنى‭ ‬كبيرٌ‭ ‬بينهم،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬يعد‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬فتح‭ ‬بصره‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الثابتة،‭ ‬والتعليمات‭ ‬الصارمة‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬الليبية،‭ ‬وفي‭ ‬الشارع‭ ‬والجامع‭ ‬والمدرسة،‭ ‬جيل‭ ‬متعدَّد‭ ‬ومتباين‭ ‬كان‭ ‬يعي‭ ‬معنى‭ ‬الصداقة،‭ ‬جيل‭ ‬ظل‭ ‬متميزًا‭ ‬يتحرك‭ ‬ويتطور‭ ‬ويقرأ‭ ‬ويهضم‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إليه،‭ ‬جيل‭ ‬مكون‭ ‬ومحطة‭ ‬مهمة‭ ‬استطاع‭ ‬النهوض‭ ‬بالبلاد‭ ‬وارساء‭ ‬قواعدها،‭ ‬جيل‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬ثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬التقوا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬الثلاثة‭ ‬كانوا‭ ‬أصدقاءً‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬جيرانًا‭ ‬في‭ ‬الآخرة،‭ ‬جمعتهم‭ ‬ظروف‭ ‬واحدة‭ ‬وأحلام‭ ‬واحدة‭ ‬وخطوات‭ ‬واحدة،‭ ‬الثلاثة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬أبناء‭ ‬جيل‭ ‬واحد،‭ ‬فقد‭ ‬ولدوا‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1937م،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬جمعتهم‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬جمعتهم‭ ‬الجامعة‭ ‬والكلية‭ ‬واختلفوا‭ ‬في‭ ‬التخصص،‭ ‬لكنهم‭ ‬عادوا‭ ‬واتفقوا‭ ‬في‭ ‬التذوق‭ ‬والقراءة‭ ‬والموهبة‭ ‬وصوت‭ ‬السيدة‭ ‬فيروز‭ ‬والخط‭ ‬العربي‭ ‬الجميل،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬كانوا‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬جيل‭ ‬أنجبته‭ ‬ليبيا‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬رغم‭ ‬الليالي‭ ‬الحالكات،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬وهم‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬القزيري‭ ‬والصادق‭ ‬رجب‭ ‬النيهوم،‭ ‬واسعد‭ ‬أحمد‭ ‬المسعودي،‭ ‬الثلاثة‭ ‬اصدقاء‭ ‬كانوا‭ ‬مواهب‭ ‬فخمة‭ ‬تسير‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع،‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭ ‬كانوا‭ ‬وجهًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬لصداقة‭ ‬طويلة،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬ابتعدت‭ ‬اماكن‭ ‬اقامتهم‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬برزت‭ ‬بينهم‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لـ«لإنترنت‮»‬‭ ‬وجود‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬رسائل‭ ‬ترسل‭ ‬عبر‭ ‬البريد‭ ‬الجوي،‭ ‬الثلاثة‭ ‬اصدقاء‭ ‬اتفقوا‭ ‬في‭ ‬الحلم‭ ‬والدراسة‭ ‬وتميزوا‭ ‬بالذكاء‭ ‬واجادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬واللغات‭ ‬الحيَّة‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالنيهوم‭ ‬مثلا‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬سبع‭ ‬لغات‭ ‬غير‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ )‬الانكليزية،‭ ‬والإيطالية،‭ ‬والفرنسية،‭ ‬والألمانية،‭ ‬والفنلندية،‭ ‬والعبرية،‭ ‬والأرمينية‭( .. ‬الثلاثة‭ ‬اصدقاء‭ ‬احبهم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تعرَّف‭ ‬عليهم،‭ ‬خاصة‭ ‬شريحة‭ ‬العلم‭ ‬والثقافة،‭ ‬الثلاثة‭ ‬اصدقاء‭ ‬صالوا‭ ‬وجالوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬بعلمهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬الواسعة،‭ ‬وقدموا‭ ‬لليبيا‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬مزاج‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬اختلفوا‭ ‬معه،‭ ‬فعاشوا‭ ‬خارج‭ ‬الوطن،‭ ‬وهم‭ ‬يحملون‭ ‬همومه‭.‬

ولد‭ ‬الكاتب‭ ‬الساخر‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬القزيري‭ ‬سنة‭ ‬1937م‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درنة‭ ‬ودرس‭ ‬مراحل‭ ‬تعليمه‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مدارسها،‭ ‬وكان‭ ‬ترتيبه‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المحافظات‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المراحل،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينيات‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬لإتمام‭ ‬الدراسة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ليلتحق‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بالجامعة‭ ‬الليبية‭ ‬للدراسة‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب،‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬32‭ ‬طالبًا‭ ‬وطالبة‭ ‬شكلوا‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬لكلية‭ ‬الآداب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬عامها‭ ‬الجامعي‭ ‬الأول‭ ‬سنة‭ ‬1955م‭ – ‬1956م،‭ ‬وتخرج‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬دفعته‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الخريجين‭ ‬الذين‭ ‬بلغ‭ ‬عددهم‭ ‬31‭ ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬الدراسي‭ ‬1958م‭ – ‬1959م،‭ ‬اختير‭ ‬معيدًا‭ ‬وأوفد‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الستينيات‭ ‬في‭ ‬بعثة‭ ‬دراسية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يحتمل‭ ‬الغربة‭ ‬وفراق‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬التي‭ ‬عشقها‭ ‬عشقاً‭ ‬لا‭ ‬يوصف‭ ‬وصار‭ ‬أحد‭ ‬شبابها‭ ‬المرموقين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬والفكر‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬منتصف‭ ‬الستينيات‭ ‬ومنتصف‭ ‬السبعينيات،‭ ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬أصدقاءه‭ ‬المقربين‭ ‬الصادق‭ ‬النيهوم،‭ ‬وخليفة‭ ‬الفاخري‭ ‬ورفيقه‭ ‬رشاد‭ ‬الهوني،‭ ‬الذين‭ ‬صارت‭ ‬لهم‭ ‬بصمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأدب‭ ‬والصحافة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬وفضَّل‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬الوظيفة،‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬Esso Standard Oil‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬سكرتيرًا‭ ‬عامًا‭ ‬للغرفة،‭ ‬ثم‭ ‬نقل‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭ ‬ليعمل‭ ‬كمستشار‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬حتى‭ ‬رحيله‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬1977م‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬كمترجم‭ ‬بالسفارة‭ ‬الليبية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬لمدة‭ ‬تقرب‭ ‬السنتين،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬1979م‭ ‬ليتزوج‭ ‬بأم‭ ‬ولديه،‭ ‬ويعود‭ ‬مجددًا‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬سنة‭ ‬1980م،‭ ‬وبقى‭ ‬بقية‭ ‬حياته‭ ‬هناك،‭ ‬وكان‭ ‬مثقفًا‭ ‬راقيًا،‭ ‬فهو‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬أغلب‭ ‬قصائد‭ ‬شاعر‭ ‬الحماسة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬‮«‬إبراهيم‭ ‬الأسطى‭ ‬عمر‮»‬‭ ‬ورسمها‭ ‬بقلمه‭ ‬الرّشيق،‭ ‬ترجم‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬عاهل‭ ‬ليبيا‭. ‬حياته‭ ‬وعصره‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬الإنجليزي‭ ‬Eric Armar Vully de Candole،‭ ‬وصدرت‭ ‬الترجمة‭ ‬في‭ ‬طبعتين‭ ‬سنة‭ ‬1989م‭ – ‬1990م،‭ ‬وظلت‭ ‬ترجماته‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭ ‬تتسم‭ ‬بروح‭ ‬تحمل‭ ‬نكهة‭ ‬خاصة‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الترجمات‭ ‬التقليدية‭ ‬الجامدة‭.. ‬تخرج‭ ‬ابن‭ ‬طرابلس‭ ‬أسعد‭ ‬أحمد‭ ‬المسعودي‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬الدفعة‭ ‬الثالثة‭ ‬منها‭ ‬عام‭ ‬1961م،‭ ‬وكان‭ ‬فنانًا‭ ‬ذواقًا‭ ‬يتسم‭ ‬بالخط‭ ‬الجميل‭ ‬والتعامل‭ ‬الراقي،‭ ‬وبحكم‭ ‬موهبته‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬عُين‭ ‬أثناء‭ ‬الدراسة‭ ‬الثانوية‭ ‬بمدرسة‭ ‬‮«‬التوريللي‮»‬‭ ‬خطاطاً‭ ‬بالديوان‭ ‬الملكي‭ ‬لكتابة‭ ‬البراءات،‭ ‬وبعض‭ ‬المراسيم‭ ‬الملكية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعاونه‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬كمؤسسة‭ ‬‮«‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬للمملكة‭ ‬الليبية‮»‬‭ ‬لكتابة‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬خطوط‭ ‬وشعارات،‭ ‬ونقش‭ ‬وكتب‭ ‬اللوحات‭ ‬التذكارية‭ ‬داخل‭ ‬ضريح‭ ‬عمر‭ ‬المختار‭ ‬في‭ ‬بنغازي،‭ ‬وصمم‭ ‬شعار‭ ‬الجامعة‭ ‬الليبية‭ ‬التي‭ ‬عمل‭ ‬مسجلاً‭ ‬عامًا‭ ‬لفرعها‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬عندما‭ ‬انتقل‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬السبعينيات،‭ ‬وصمَّم‭ ‬شعار‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الملكية‭ ‬الليبية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تولى‭ ‬كتابة‭ ‬خطوط‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى‭ ‬لبعض‭ ‬الصحف،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬شهادات‭ ‬التخرج‭ ‬والبراءة‭ ‬والمراسيم‭ ‬الملكية،‭ ‬وتقلَّد‭ ‬عدة‭ ‬مناصب‭ ‬مختلفة‭ ‬منها‭ ‬ممثلاً‭ ‬لليبيا‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلوم‭ ‬والثقافة‭ ‬UNESCO،‭ ‬ومثّل‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مؤتمرات‭ ‬دولية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُحال‭ ‬للتقاعد‭..!.‬تنقل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬درنة‭ ‬وبنغازي‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬وشبابه،‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬وهناك‭ ‬تزوج‭ ‬واستقر،‭ ‬أبناؤه‭ ‬الدكاترة‭ ‬أحمد،‭ ‬وأنيس،‭ ‬وأريج،‭ ‬وأروى‭ ‬وأرام‭ ‬وأصال،‭ ‬وشقيقه‭ ‬الأكبر‭ ‬الصحفي‭ ‬والكاتب‭ ‬الوطني‭ ‬فاضل‭ ‬المسعودي‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬معه‭ ‬النيهوم‭ ‬وقفات‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬صعبة‭ ‬جدًا،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الشهم‭ ‬لم‭ ‬ينسَ‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬قط‭. ‬

أما‭ ‬المفكر‭ ‬الصادق‭ ‬رجب‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬النيهوم‭ ‬فقد‭ ‬وُلِدَ‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬عام‭ ‬1937م،‭ ‬عاش‭ ‬وترعرع‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬‮«‬الحشيش»؛‭ ‬حيث‭ ‬مولد‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب،‭ ‬ومخاض‭ ‬السياسة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لبنغازي‭ ‬بمثابة‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬الجسد،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مهد‭ ‬الكلمة‭ ‬ووجود‭ ‬الكتَّاب‭ ‬والأدباء‭ ‬والصحفيين‭ ‬والمعلمين؛‭ ‬سوق‭ ‬الحشيش‭ ‬ميدان‭ ‬لبيع‭ ‬الخضراوات‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬ببنغازي،‭ ‬سميتْ‭ ‬تلك‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬به،‭ ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬بروز‭ ‬عديد‭ ‬المفكرين‭ ‬والكتَّاب‭ ‬والأدباء‭ ‬والمثقفين‭ ‬والمعلمين‭ ‬والساسة‭ ‬والفنانين،‭ ‬ورغم‭ ‬صغر‭ ‬سنه‭ ‬تجاوز‭ ‬بقراءاته‭ ‬وثقافته‭ ‬أفكار‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬اصطدموا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬عدم‭ ‬الفهم،‭ ‬لقد‭ ‬عاش‭ ‬روح‭ ‬سوق‭ ‬‮«‬الحشيش‮»‬،‭ ‬وهناك‭ ‬توجد‭ ‬أثاره‭ ‬حيث‭ ‬نقع‭ ‬‮«‬فرسان‭ ‬بلا‭ ‬معركة‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬يحلم‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬خبز‭ ‬هانئة،‭ ‬عن‭ ‬دفء‭ ‬واطمئنان،‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬عن‭ ‬أجوبة‭ ‬لأسئلة‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬عن‭ ‬قمر‭ ‬متوهج‭ ‬جنوب‭ ‬السماء،‭ ‬ودائمًا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬شوق‭ ‬للمعرفة‭ ‬والتحصيل،‭ ‬نشأ‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬ثقافة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الكتاب،‭ ‬وحمل‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬درسه‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفقهاء‭ ‬الجهابذة‭ ‬مناهل‭ ‬العلم‭ ‬والمصابيح‭ ‬المنيرة‭ ‬ببنغازي،‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفتوى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬الفقيه،‭ ‬والعلامة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬السوداني‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬سيدي‭ ‬علي‭ ‬الوحيشي‭ ‬صحبة‭ ‬صديقه‭ ‬الكاتب‭ ‬خليفة‭ ‬الفاخري‭ ‬‮«‬الجانقي‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬مجلسهم‭ ‬التعليمي‭ ‬أيضًا‭ ‬بمربوعة‭ ‬أحد‭ ‬أعيان‭ ‬المدينة‭ ‬وقبيلة‭ ‬الشويخات،‭ ‬وهو‭ ‬الحاج‭ ‬الأستاذ‭ ‬أبوبكر‭ ‬السوداني‭  ‬ابن‭ ‬الفقيه‭ ‬والعلامة‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬السوداني‭ ‬بشارع‭ ‬‮«‬البعجة‮»‬‭.‬

تعد‭ ‬هذه‭ ‬المربوعة‭ ‬أول‭ ‬مؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬مع‭ ‬مكتبة‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬الكثير،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬مفتوحة‭ ‬لروادها‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بمنطقة‭ ‬سيدي‭ ‬يونس‭ ‬بمدينة‭ ‬بنغازي‭. ‬تولدتْ‭ ‬لديه‭ ‬نقاط‭ ‬الاصطدام،‭ ‬وحدث‭ ‬التأثر‭ ‬بالقراءات‭ ‬والثقافات‭ ‬والأفكار‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يعتري‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬مختلفة،‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬انطلق‭ ‬النيهوم‭ ‬وجيله‭ ‬يقتحمون‭ ‬المجاهل،‭ ‬ويحاولون‭ ‬التنوير‭ ‬وتحكيم‭ ‬العقل‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬القويم،‭ ‬بأنه‭ ‬رسالة‭ ‬الحياة‭ ‬الرحبة،‭ ‬وأنه‭ ‬منهج‭ ‬ينظم‭ ‬سلوك‭ ‬البشر‭ ‬دون‭ ‬تعصب،‭ ‬أو‭ ‬انغلاق،‭ ‬ويهذب‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬ليبقى‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬مثلاً‭ ‬رائعًا‭ ‬لمعاني‭ ‬الخير‭ ‬والحرية‭ ‬والإنسانية‭.‬

درس‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتقل‭ ‬للجامعة‭ ‬الليبية،‭ ‬لكنه‭ ‬أختلف‭ ‬عن‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬التخصص،‭ ‬فقد‭ ‬درس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ ‬والتربية،‭ ‬في‭ ‬الدفعة‭ ‬الثالثة‭ ‬منها‭ ‬عام‭ ‬1961م،‭ ‬واختير‭ ‬معيدًا،‭ ‬ثم‭ ‬أُرسل‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬المانيا‭ ‬أولاً،‭ ‬درس‭ ‬العلوم‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬واعد‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأديان‭ ‬المقارنة‮»‬‭ ‬بإشراف‭ ‬الدكتوراه‭ ‬‮«‬بنت‭ ‬الشاطيء‮»‬،‭ ‬إلاَّ‭ ‬أن‭ ‬الجامعة‭ ‬ردَّتْ‭ ‬الأطروحة‭ ‬بحجّة‭ ‬أنها‭ ‬معادية‭ ‬للإسلام،‭ ‬انتقل‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وأتم‭ ‬أطروحته‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ميونيخ‭ ‬بإشراف‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المستشرقين‭ ‬الألمان،‭ ‬ونال‭ ‬الدكتوراه‭ ‬بامتياز،‭ ‬بعد‭ ‬ألمانيا‭ ‬تابع‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬Arizona‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سنتين‭.‬

كتب‭ ‬لصحيفة‭ )‬الحقيقة‭( ‬الليبية،‭ ‬ونشر‭ ‬أول‭ ‬مقالاته‭ )‬هذه‭ ‬تجربتي‭ ‬أنا‭( ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الصدور‭ ‬اليومي‭ ‬للصحيفة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬سبت‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مقالة،‭ ‬ووصلت‭ ‬شهرته‭ ‬ذروتها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1964م،‭ ‬وكان‭ ‬الكل‭ ‬يتلقف‭ ‬نسخته‭ ‬من‭ ‬الصحيفة‭ .. ‬تزوج‭ ‬عام‭ ‬1966م‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬الأولى‭ ‬الفنلندية‭ ‬ورُزق‭ ‬منها‭ ‬بولده‭ )‬كريم‭ ‬وابنته‭ ‬أمينة‭(‬،‭ ‬وكان‭ ‬وقتها‭ ‬مستقرًا‭ ‬في‭ ‬‮«‬هلسنكي‮»‬‭ ‬عاصمة‭ ‬فنلندا،‭ ‬ودرَّس‭ ‬مادة‭ )‬الأديان‭ ‬المقارنة‭( ‬كأستاذ‭ ‬مساعد‭ ‬بقسم‭ ‬الدراسات‭ ‬الشرقية‭ ‬بجامعة‭ ‬هلسنكي‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1968م‭ ‬إلى‭ ‬1972م؛‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬للإقامة‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬عام‭ ‬1976م،‭ ‬وتزوج‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬‮«‬أوديت‭ ‬حنا‮»‬‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأصل،‭ ‬وأسس‭ )‬دار‭ ‬التراث‭(‬،‭ ‬ثم‭ )‬دار‭ ‬المختار‭(‬،‭ ‬وأصدر‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الموسوعات‭ ‬العربية‭ ‬أهمها‭ )‬تاريخنا‭(‬،‭ ‬و‭)‬بهجة‭ ‬المعرفة‭(‬،‭ ‬و‭)‬السلاح‭(‬،‭ ‬عمل‭ ‬أستاذًا‭ ‬محاضرًا‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬المقارنة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬جنيف‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬1994م‭.‬

‭)‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭(‬‭ ‬اتفقوا‭ ‬في‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬دنياهم‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الوفاة‭ ‬أيضًا،‭ )‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭( ‬اجتمعوا‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬جمعهم‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الدار‭ ‬الآخرة،‭ ‬حيث‭ ‬رحلوا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬ذاته،‭ ‬وسخَّر‭ ‬الله‭ ‬لهم‭ ‬الرحيل‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭.‬

‭)‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء‭(‬‭ ‬اختارهم‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يرحلوا‭ ‬عنا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر،‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬تَشُقَهُ‭ ‬المحاريث،‭ ‬وتخترق‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬مع‭ ‬هطول‭ ‬الغيث‭ ‬النافع‭. ‬لقد‭ ‬اتفقوا‭ ‬في‭ ‬الرحيل‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر،‭ ‬حيث‭ ‬يرحل‭ ‬البجع،‭ ‬ويهاجر‭ ‬السنونو‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬قصية،‭ ‬وتخترق‭ ‬المحاريث‭ ‬الابعاد‭ ‬غب‭ ‬المطر‭ ‬وتسود‭ ‬السموات‭ ‬ثم‭ ‬ينشق‭ ‬بطنها‭ ‬ليحتضن‭ ‬الثلاثة‭ ‬أصدقاء،‭ ‬ويغمر‭ ‬الحزن‭ ‬العالم‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع‭.‬

كان‭ ‬أول‭ ‬المغادرين‭ ‬الصادق‭ ‬رجب‭ ‬النيهوم‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬جنيف‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬نوفمبر‭ ‬1994م،‭ ‬ودُفن‭ ‬بمسقط‭ ‬رأسه‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بنغازي‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬نوفمبر‭ ‬1994م‭.‬

الثاني‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬حسين‭ ‬القزيري‭ ‬توفي‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬نوفمبر،‭ ‬ودفن‭ ‬يوم‭ ‬21‭ ‬نوفمبر‭ ‬2007‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مانشستر‭. ‬

الثالث‭ ‬أسعد‭ ‬احمد‭ ‬المسعودِي‭ ‬توفى‭ ‬ودفن‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬12‭ ‬نوفمبر‭ ‬2010م‭ ‬بمدينة‭ ‬طرابلس‭.‬

رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬جميعًا‭ ‬في‭ ‬ذكراهم‭.‬

كامل‭ ‬حبي‭ ‬ومودتي‭ ‬لأستاذنا‭ ‬الفاضل‭ ‬سالم‭ ‬حسين‭ ‬الكبتي‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى