رأي

جنون الأسعار ومعنى الدولة

معمر الزايدي

نحن‭ ‬نستقبل‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بفكر‭ ‬إحتفائي‭ ‬يخصه‭ ‬ويميزه‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭ ‬بكل‭ ‬مافيه‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬متنوعة‭ ‬بدأً‭ ‬من‭ ‬سفر‭ ‬الفطور‭ ‬التي‭ ‬نتفنن‭ ‬في‭ ‬إخراجها‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬يليق‭ ‬بإشتهاءات‭ ‬تتعدد‭ ‬وتتجدد‭ ‬تبرز‭ ‬فيها‭ ‬امكانيات‭ ‬ومواهبةمطموسة‭ ‬طيلة‭ ‬العام‭ ‬لتكرس‭ ‬لإرتباط‭ ‬شرطي‭ ‬بين‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬وموائده‭ ‬الرمضانية‭ ‬تحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسميات‭ ‬الخيرة‭ ‬والطيبة‭ . ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لايقتصر‭ ‬على‭ ‬المائدة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬للسهر‭ ‬وممارسة‭ ‬العبادات‭ ‬والتراويح‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬روحانية‭ ‬الشهر‭ ‬تعبق‭ ‬بالأجواء‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬حميمي‭ ‬متحانس‭ ‬وجميل‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المسابقات‭ ‬الرمضانية‭ ‬والمواسم‭ ‬الثقافية‭ ‬والأمسيات‭ ‬الشعرية‭ ‬ومختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬مميزا‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الشهور‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬التصبر‭ ‬والتجلد‭ ‬ومزاملة‭ ‬الفقراء‭ ‬في‭ ‬الشعور‭ ‬بالحاجة‭ ‬والجوع‭ ‬والعطش‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنبهات‭ ‬المعنوية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتهذيب‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ .‬

ونعلم‭ ‬ايضأ‭ ‬أنه‭ ‬يسبقه‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬الذي‭ ‬ترفع‭ ‬فيه‭ ‬الأعمال‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة‭ ‬استعدادا‭ ‬لبدء‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عبادة‭ ‬أجرها‭ ‬لله‭ (‬الا‭ ‬الصوم‭ ‬فهو‭ ‬لي‭ ‬وأنا‭ ‬أجزي‭ ‬به‭) ‬حديث‭ ‬قدسي‭ .‬

لكن‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الامر‭ ‬أن‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬هو‭ ‬إرتفاع‭ ‬للأسعار‭ ‬في‭ ‬شعبان‭ ‬وليس‭ ‬للاعمال‭ ‬استعداداً‭ ‬من‭ ‬المتاجرين‭ ‬بإجتياجات‭ ‬الناس‭ ‬لذبحهم‭ ‬دونما‭ ‬رحمة‭ ‬ولا‭ ‬أعتبار‭ ‬لآدميتهم‭ ‬ودونما‭ ‬إعتبار‭ ‬أيضا‭ ‬لمقدم‭ ‬هذه‭ ‬الشهور‭ ‬الفضيلة‭ . ‬

ولايعني‭ ‬هذا‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬الرخاء‭ ‬طيلة‭ ‬العام‭ ‬فالأعمى‭ ‬يرى‭ ‬بوضوح‭ ‬حال‭ ‬الضنك‭ ‬الذي‭ ‬يرزح‭ ‬تحته‭ ‬الشعب‭ ‬إبتداء‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬ثمن‭ ‬الخبز‭ ‬الى‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬الإحترام‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭  ‬ولنكن‭ ‬واضحين‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬يستيقظ‭ ‬المواطن‭ ‬وهو‭ ‬يجري‭ ‬ويلهث‭ ‬وراء‭ ‬لقمة‭ ‬عيشه‭ ‬من‭ ‬طابور‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬ومن‭ ‬زحمة‭ ‬الى‭ ‬أخرى‭ ‬ومن‭ ‬مصرف‭ ‬الى‭ ‬آلات‭ ‬السحب‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬وإتكأ‭ ‬عليها‭ ‬موظفو‭ ‬المصارف‭ ‬لتقدم‭ ‬الخدمات‭ ‬للناس‭ ‬بدلا‭ ‬عنهم‭ .‬

وفي‭ ‬السوق‭ ‬وعلى‭ ‬قولة‭ ‬ذاك‭ ‬الرجل‭ ( ‬نظم‭ ‬أمورك‭) ..‬

وتحقها‭ ‬ولا‭ ‬تطقها‭ ‬وتحط‭ ‬إيدك‭ ‬عالجمر‭ ‬وماتلمسهاش‭  .. ‬وحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ .‬

أنا‭ ‬أتحدث‭ ‬لاعن‭ ‬أولئك‭ ‬الذي‭ ‬حطبت‭ ‬لهم‭ ‬الريح‭ ‬ونودوا‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬لتناول‭ ‬الترف‭ ‬والبذخ‭ ‬والترندات‭ ‬والمطاعم‭ ‬التي‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬استحدثت‭ ‬لا‭ ‬للمواطن‭ ‬البسيط‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬روادها‭ ‬أحيانا‭ ‬ليذبح‭ ‬من‭ (‬زنقرته‭) ‬حتى‭ ( ‬لايعاود‭ ‬صنعته‭ ) ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬الغلبان‭ ‬صاحب‭ ‬المصلحة‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الموظف‭ ‬والعامل‭ ‬والأب‭ ‬والمعيل‭ ‬الصفة‭ ‬الادبية‭ ‬للوطن‭ ‬هو‭ ‬المواطن‭ ‬وليس‭ ‬الفترينا‭ ‬ولا‭ ‬الدولة‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬ضروريان‭ ‬فمن‭ ‬أجل‭ ‬المواطن‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬دولة‭ ‬بدون‭ ‬شعب‭ ‬ولا‭ ‬سوق‭ ‬بدون‭ ‬مشترين‭ .. ‬

لقد‭ ‬انقلب‭ ‬المعادلة‭ ‬وانعكست‭ ‬الأمور‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬المحور‭ ‬هامشا‭ ‬والهامش‭ ‬محوراً‭ ‬مهما‭ ‬أيضا‭ .‬

لانطيل‭ ‬فالغلاء‭ ‬الجنوني‭ ‬لايوصف‭ ‬وإنفلات‭ ‬السوق‭ ‬كارثي‭ ‬وليس‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬رادع‭ ‬ولا‭ ‬وجود‭ ‬حقيقي‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تزجر‭ ‬هذا‭ ‬التغول‭ ‬وتمنع‭ ‬هذا‭ ‬الاستغلال‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقي‭ ‬لإحتياجات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مسارب‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ . ‬

لنشعر‭ ‬بطعم‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬ونستشعر‭ ‬روحانية‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬ونسير‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬والتقرب‭ ‬الى‭ ‬الله‭ ‬وتعديل‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نتضور‭ ‬جوعا‭ ‬ولا‭ (‬صايرلنا‭ ‬هبوط‭) .‬

تأخر‭ ‬المرتبات‭ ‬،‭ ‬ضعفها،‭ ‬ارتفاع‭ ‬الاسعار،جودة‭ ‬السلع،‭ ‬الانفتاح‭ ‬الانشكاحي‭ ‬للسوق‭ ‬وتجارة‭ ‬الانترنت،‭ ‬غياب‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيدية‭ ‬،موازنة‭ ‬الاسعار،‭ ‬إحترام‭ ‬المواطن‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأهميته‭ ‬وأنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬وطن‭ ‬يحبه‭ ‬سيجعل‭ ‬منه‭ ‬مصدرا‭ ‬لغرس‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬ابنائه‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬موارد‭ ‬البلد‭ ‬وثروته‭ ‬الحقيقية‭ .‬

إن‭ ‬مايحدث‭ ‬يكرس‭ ‬للنقمة‭ ‬وتغييب‭ ‬الأخلاق‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شيم‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬مواطنيها‭ ‬أقدس‭ ‬إهتماماتها‭ .‬

وعلى‭ ‬قولة‭ ‬شكسبير‭ (‬ماضنيش‭ ‬غلاك‭ ‬يطول‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى