رأي

حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وأقل‭ ‬القليل

امين مازن

أسفر‭ ‬لقاء‭ ‬نيويورك،‭ ‬الذي‭ ‬التأم‭ ‬أخيرًا‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬بجهدٍ‭ ‬مشهودٍ‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬السعودية‭ ‬وفرنسا،‭ ‬وشاركت‭ ‬فيه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول؛‭ ‬عن‭ ‬نجاحٍ‭ ‬شهد‭ ‬به‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مراقبٍ‭ ‬واطمأن‭ ‬له‭ ‬كذلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طرفٍ‭ ‬دولي،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬مؤتمرٍ‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعاً‭ ‬حُدد‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬من‭ ‬الإجماعِ‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬الاعترافِ‭ ‬ومزيد‭ ‬الرعاية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الموقف‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬باعتراف‭ ‬فرنسا‭ ‬وتضمّن‭ ‬الوعد‭ ‬بحذو‭ ‬ذات‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬البريطاني‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يخفِ‭ ‬اعترافه‭ ‬بأن‭ ‬موقفه‭ ‬هذا‭ ‬ينشد‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬التاريخي‭ ‬غير‭ ‬المُشرِّف‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬بشأن‭ ‬عطف‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬سعي‭ ‬اليهود‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وطن‭ ‬تمت‭ ‬بلورته‭ ‬بقرار‭ ‬التقسيم‭ ‬للقطر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المنتدب‭ ‬يومئذ‭ ‬دولياً‭ ‬تحت‭ ‬بريطانيا‭.‬

‭ ‬إنه‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬أفلح‭ ‬الصه‭/‬يونيون‭ ‬الأكثر‭ ‬تنظيماً‭ ‬ودهاءً‭ ‬ومعرفةً‭ -‬في‭ ‬النهاية‭- ‬بما‭ ‬كنا‭ ‬عليه‭ ‬رسمياً‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬التشتت،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬أول‭ ‬حرب‭ ‬لم‭ ‬تستمر‭ ‬طويلاً‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لنهر‭ ‬الأردن‭ ‬بسكانها‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الأردن‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أُعلِنَ‭ ‬إمارةً،‭ ‬أُنيطت‭ ‬بعبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬الحسين‭ ‬الهاشمي‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬شريف‭ ‬مكة‭ ‬الموعود‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬بريطانيا‭ ‬بحكم‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬فور‭ ‬إخراج‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬الكبير،‭ ‬فيما‭ ‬أُسنِدَت‭ ‬غزة‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬تحت‭ ‬مصطلح‭ ‬القطاع،‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬مصر‭ ‬ليضفي‭ ‬عليها‭ ‬وضعها‭ ‬الدولي‭ ‬ما‭ ‬شكّلَ‭ ‬مُتنفساً‭ ‬للمصريين‭ ‬حتى‭ ‬قيام‭ ‬حرب‭ ‬السابع‭ ‬والستين‭ ‬عندما‭ ‬أدت‭ ‬خسارتها‭ ‬باضطرار‭ ‬الملك‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬مع‭ ‬الضفة‭ ‬وترك‭ ‬القطاع‭ ‬للفلسطينيين؛‭ ‬فتبدأ‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مرحلة‭ ‬العودة‭ ‬لأبنائها‭ ‬والفوز‭ ‬بما‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬لها‭ ‬التطور‭ ‬غير‭ ‬المسبوق،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المقام‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬هنا‭ ‬لسرد‭ ‬الكثير‭  ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬وأن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحق‭ ‬الدولتين‭ ‬يعود‭ ‬تاريخياً‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬تلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وأملى‭ ‬ما‭ ‬أُهدِر‭ ‬من‭ ‬غزير‭ ‬الدماء،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬التوجه‭ ‬إليه‭ ‬حقاً‭ ‬هو‭ ‬مراجعة‭ ‬الوقائع‭ ‬بموضوعية‭  ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬قد‭ ‬تقول‭ ‬بالا‭ ‬جديد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أُهدر‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬وما‭ ‬اختلف‭ ‬في‭ ‬الموازين‭ ‬يوجب‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تُحسن‭ ‬المراجعة‭ ‬وتُحسن‭ ‬تقدير‭ ‬المتغيرات‭ ‬وأخيراً‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬فيه‭ ‬لكل‭ ‬صراع‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬وأن‭ ‬الاحتكام‭ ‬للقوة‭ ‬ليس‭ ‬دائماً‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬الخيارات‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬ما‭ ‬تجاوز‭ ‬محيطها‭. ‬وأخيراً‭ ‬فقد‭ ‬قيل‭ ‬قديماً‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬متأخراً‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وكم‭ ‬يحتاج‭ ‬المؤرخ‭ ‬المنصف‭ ‬أن‭ ‬يذكِّر‭ ‬بالذين‭ ‬قبلوا‭ ‬التقسيم‭ ‬واعتُبروا‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬الخونة‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬اعتبروا‭ ‬التقسيم‭ ‬خيانة‭ ‬كانوا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اعتبره‭ ‬حكمةً‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لاحق،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لو‭ ‬تمت‭ ‬وأُحسِن‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬ستخلص‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬مما‭ ‬علق‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬الخسائر‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬لو‭ ‬تجنبت‭ ‬أكثر‭ ‬القيادات‭ ‬العربية‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬الجماهير‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬التذبذب‭ ‬حين‭ ‬سوقت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سياساتها‭ ‬غير‭ ‬المحسوبة‭ ‬تحت‭ ‬صوت‭ ‬الإعلام‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الحناجر‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬نعت‭ ‬مخالفيه‭ ‬بأسوأ‭ ‬النعوت‭ ‬فيما‭ ‬نجده‭ ‬يصف‭ ‬تراجعه‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أخذ‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬بالواقعية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتكلف‭ ‬مجرد‭ ‬التلميح‭ ‬عمّا‭ ‬ارتكبه‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬غيره‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ولو‭ ‬بأقل‭ ‬القليل‭ ‬سيبقى‭ ‬التفكير‭ ‬السياسي‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى