لم يعد الشارع الليبي وحده مرتعًا للألفاظ النابية والسباب المقزز المصيبة الأكبر أنّ هذه اللغة صارت ضيفًا دائمًا في البيوت. نعم، البيوت التي من المفترض أن تكون مدارس للتربية، أصبحتْ للأسف ساحات شتم وتحقير.
طفل يسمع والده يناديه: «يا حيوان!» … وآخر يسمع أمّه تصرخ في وجهه بألفاظ سوقية، وكأن الإهانة صارتْ وسيلة تربية! أي جريمةٍ نفسية نرتكبها بحق أبنائنا؟
إنها ليستْ كلمات عابرة. هذه الألفاظ تزرع عقدًا في نفوس الأطفال، تشوّه شخصياتهم، وتعلّمهم أن الإهانة أسلوب حياة. يكبر الابن وهو لا يعرف لغة الاحترام، وتكبر الابنة وهي تعتقد أنّ قيمتها أقل من قيمة كلمة جارحة أُلقيت في وجهها.
والأدهى من ذلك؟ أنّ أبناءنا يسمعون ما هو أفظع في الشارعألفاظ تخجل الأذن من سماعها، لدرجة أنّك تضطر أن تغلق نوافذ سيارتك حتى لا يتلوث سمع أطفالك.
نحن أمام كارثة تربوية. وإذا لم نتداركها، فلن نلوم إلا أنفسنا حين نجد جيلاً لا يعرف إلا لغة الشتائم.
التربية ليست صراخًا ولا إهانة… التربية هي قدوة، هي كلمة طيبة، هي احترام متبادل.
آن الأوان أن نعيد النظر: كيف نخاطب أبناءنا؟ كيف نعلّمهم لغة نظيفة في زمن امتلأ بالقبح؟
البيت هو اللبنة الأولى، فإذا كان مليئًا بالسب والشتم، فلا تنتظر أن يخرج منه جيلٌ سويّ.
إن استمرار هذا النزيف اللغوي داخل بيوتنا أخطر مما نتصور. فالبيت الذي يعلّم أبناءه لغة الشتائم يخرّج للمجتمع قنابل موقوتة؛ شبابًا لا يعرفون الحوار إلا بالصراخ، ورجالًا يعتقدون أن الرجولة تقاس بحدة لسانهم، ونساءً يربين أطفالهن على ما تجرّعنه من جراح لفظية. وإذا لم نوقف هذا السيل الآن، فسنجد أنفسنا أمام جيلٍ ناقم، هشّ، لا يجيد سوى تبادل الإهانات بدل تبادل الاحترام.