رأي

حينما تتحول البيوت إلى ساحات شتم

فائزة صالح

لم‭ ‬يعد‭ ‬الشارع‭ ‬الليبي‭ ‬وحده‭ ‬مرتعًا‭ ‬للألفاظ‭ ‬النابية‭ ‬والسباب‭ ‬المقزز‭ ‬المصيبة‭ ‬الأكبر‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬صارت‭ ‬ضيفًا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬البيوت‭. ‬نعم،‭ ‬البيوت‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدارس‭ ‬للتربية،‭ ‬أصبحتْ‭ ‬للأسف‭ ‬ساحات‭ ‬شتم‭ ‬وتحقير‭.‬

طفل‭ ‬يسمع‭ ‬والده‭ ‬يناديه‭: ‬‮«‬يا‭ ‬حيوان‭!‬‮»‬‭ ‬‮…‬‭ ‬وآخر‭ ‬يسمع‭ ‬أمّه‭ ‬تصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬بألفاظ‭ ‬سوقية،‭ ‬وكأن‭ ‬الإهانة‭ ‬صارتْ‭ ‬وسيلة‭ ‬تربية‭! ‬أي‭ ‬جريمةٍ‭ ‬نفسية‭ ‬نرتكبها‭ ‬بحق‭ ‬أبنائنا؟

إنها‭ ‬ليستْ‭ ‬كلمات‭ ‬عابرة‭. ‬هذه‭ ‬الألفاظ‭ ‬تزرع‭ ‬عقدًا‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأطفال،‭ ‬تشوّه‭ ‬شخصياتهم،‭ ‬وتعلّمهم‭ ‬أن‭ ‬الإهانة‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭. ‬يكبر‭ ‬الابن‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬لغة‭ ‬الاحترام،‭ ‬وتكبر‭ ‬الابنة‭ ‬وهي‭ ‬تعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬قيمتها‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬كلمة‭ ‬جارحة‭ ‬أُلقيت‭ ‬في‭ ‬وجهها‭.‬

والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬أنّ‭ ‬أبناءنا‭ ‬يسمعون‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أفظع‭ ‬في‭ ‬الشارعألفاظ‭ ‬تخجل‭ ‬الأذن‭ ‬من‭ ‬سماعها،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنّك‭ ‬تضطر‭ ‬أن‭ ‬تغلق‭ ‬نوافذ‭ ‬سيارتك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتلوث‭ ‬سمع‭ ‬أطفالك‭.‬

نحن‭ ‬أمام‭ ‬كارثة‭ ‬تربوية‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نتداركها،‭ ‬فلن‭ ‬نلوم‭ ‬إلا‭ ‬أنفسنا‭ ‬حين‭ ‬نجد‭ ‬جيلاً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬إلا‭ ‬لغة‭ ‬الشتائم‭.‬

التربية‭ ‬ليست‭ ‬صراخًا‭ ‬ولا‭ ‬إهانة‮…‬‭ ‬التربية‭ ‬هي‭ ‬قدوة،‭ ‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة،‭ ‬هي‭ ‬احترام‭ ‬متبادل‭.‬

آن‭ ‬الأوان‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬النظر‭: ‬كيف‭ ‬نخاطب‭ ‬أبناءنا؟‭ ‬كيف‭ ‬نعلّمهم‭ ‬لغة‭ ‬نظيفة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬امتلأ‭ ‬بالقبح؟

البيت‭ ‬هو‭ ‬اللبنة‭ ‬الأولى،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬مليئًا‭ ‬بالسب‭ ‬والشتم،‭ ‬فلا‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬منه‭ ‬جيلٌ‭ ‬سويّ‭.                                          ‬‭   

‭ ‬إن‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭ ‬اللغوي‭ ‬داخل‭ ‬بيوتنا‭ ‬أخطر‭ ‬مما‭ ‬نتصور‭. ‬فالبيت‭ ‬الذي‭ ‬يعلّم‭ ‬أبناءه‭ ‬لغة‭ ‬الشتائم‭ ‬يخرّج‭ ‬للمجتمع‭ ‬قنابل‭ ‬موقوتة؛‭ ‬شبابًا‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الحوار‭ ‬إلا‭ ‬بالصراخ،‭ ‬ورجالًا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الرجولة‭ ‬تقاس‭ ‬بحدة‭ ‬لسانهم،‭ ‬ونساءً‭ ‬يربين‭ ‬أطفالهن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تجرّعنه‭ ‬من‭ ‬جراح‭ ‬لفظية‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نوقف‭ ‬هذا‭ ‬السيل‭ ‬الآن،‭ ‬فسنجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬جيلٍ‭ ‬ناقم،‭ ‬هشّ،‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬سوى‭ ‬تبادل‭ ‬الإهانات‭ ‬بدل‭ ‬تبادل‭ ‬الاحترام‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى