الرئيسيةحوار

حين تحولت المدرجات إلى حلبة (كولوسيوم )!!

فايزة العجيلي

  ‬الشغب‭ ‬الرياضي‭ .. ‬ظاهرة‭ ‬نفسية‭ ‬أم

أزمة‭ ‬اجتماعية؟‭!‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬الملاعب‭ ‬فضاءً‭ ‬للفرح،‭ ‬والتنافس‭ ‬الشريف،‭ ‬وتفريغ‭ ‬الطاقات‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي،‭ ‬تحولت‭ ‬بعض‭ ‬مباريات‭ ‬القمة‭ ‬بين‭ ‬الأهلي‭ ‬والاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬لفوضى‭ ‬عارمة،‭ ‬وصدامات‭ ‬جماهيرية‭ ‬مؤسفة‭. ‬مشاهد‭ ‬العنف،‭ ‬والصراخ،‭ ‬والاعتداءات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرد‭ ‬حوادث‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬باتت‭ ‬ظاهرة‭ ‬مقلقة‭ ‬تهدد‭ ‬القيم‭ ‬الرياضية،‭ ‬وأمن‭ ‬المجتمع،‭ ‬وسلامة‭ ‬أفراده‭.‬

هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬انفعال‭ ‬لحظي‭ ‬أو‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬رياضية،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬خلفها‭ ‬أبعادًا‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬معقدة،‭ ‬ترتبط‭ ‬بتركيبة‭ ‬المجتمع،‭ ‬وضغوطه،‭ ‬ومشاكله‭ ‬اليومية‭. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الجماهير‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬مشجعين‭ ‬إلى‭ ‬مثيري‭ ‬شغب؟‭ ‬وما‭ ‬حجم‭ ‬التأثير‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لهذا‭ ‬السلوك؟‭ ‬والأهم‭… ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬للملاعب‭ ‬رسالتها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬والتعصب؟

هذا‭ ‬ما‭ ‬سنحاول‭ ‬الوقوف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع،‭ ‬لفهم‭ ‬الظاهرة،‭ ‬وتحليل‭ ‬أسبابها،‭ ‬ووضع‭ ‬حلول‭ ‬حقيقية‭ ‬لها‭.                              

صحيفة‭ )‬فبراير‭( ‬التقتْ‭ ‬بالدكتور‭  ‬والخبير‭ ‬الاجتماعي‭  ‬علي‭ ‬عمر‭  ‬المبروك‭ ‬‭ ‬أ‭. ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬حدثنا‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشغب‭ ‬الجماهيري‭ ‬في‭ ‬المباريات‭.‬

بدايةً‭ ‬نرحب‭ ‬بكَ،‭ ‬ونود‭ ‬أن‭ ‬نعرف،‭ ‬كيف‭ ‬تنظرون‭ ‬كخبراء‭ ‬اجتماعيين‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشغب‭ ‬الجماهيري‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تثير‭ ‬القلق‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬الليبية‭.‬

شكرًا‭ ‬لكم‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشغب‭ ‬الجماهيري‭ ‬ليستْ‭ ‬مسألة‭ ‬رياضية‭ ‬بحتة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬معقدة‭. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬هو‭ ‬انعكاسٌ‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والنفسية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬قطاعٌ‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الشباب‭. ‬الملعبُ‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬ساحة‭ ‬لتفريغ‭ ‬الإحباط،‭ ‬والغضب‭ ‬المتراكم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬نظركم،‭ ‬ما‭ ‬الأسباب‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬؟

هناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب،‭ ‬أهمها‭:‬

‭ ‬ضعف‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة،‭ ‬عدم‭ ‬غرس‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬وقبول‭ ‬الآخر‭.‬

‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬وشعور‭ ‬الشباب‭ ‬بالتهميش،‭ ‬مما‭ ‬يولد‭ ‬لديهم‭ ‬رغبةً‭ ‬في‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬سلطة،‭ ‬أو‭ ‬نظام،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭.‬

‭ ‬انتشار‭ ‬الخطاب‭ ‬المتعصب‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وصفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬يغذي‭ ‬العداوات‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬الروح‭ ‬الرياضية‭.‬

‭ ‬غياب‭ ‬القدوات‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الرياضي،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ ‬أو‭ ‬الإداريين‭.‬

هل‭ ‬يمكنَّنا‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬الأمرَ‭ ‬مرتبطٌ‭ ‬بعوامل‭ ‬نفسية‭ ‬أيضًا؟

بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬فالعامل‭ ‬النفسي‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا،‭ ‬نحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬شباب‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ )‬اقتصادية،‭ ‬اجتماعية،‭ ‬نفسية‭(‬،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬وفقدان‭ ‬الأمل‭ ‬الملاعب‭ ‬تصبح‭ ‬متنفسًا‭ ‬لهم،‭ ‬لكن‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬متنفسًا‭ ‬إيجابيًا،‭ ‬تتحوَّل‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬الضبط‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬للفوضى‭ ‬والعنف‭.‬

دكتور‭ .. ‬ما‭ ‬الآثار‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد؟

الآثار‭ ‬خطيرة‭ ‬جدًا‭ ‬نحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬ترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف‭ ‬بين‭ ‬الأجيال،‭ ‬وعن‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬جماهير‭ ‬‮«‬الأهلي‭ ‬والاتحاد‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬أي‭ ‬مجموعتين‭ ‬تختلفان‭ ‬في‭ ‬الرأي،‭ ‬أو‭ ‬الانتماء‭ .. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬يفقد‭ ‬الرياضة‭ ‬دورها‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

برأيكم،‭ ‬ما‭ ‬الحلول‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬استفحال‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة؟

الحلول‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ : ‬

‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭.‬

‭ ‬إطلاق‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬نبذ‭ ‬التعصب‭ ‬والعنف‭.‬

‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬الأندية‭ ‬الرياضية‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬أنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬رياضية‭.‬

‭ ‬إدخال‭ ‬برامج‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬داخل‭ ‬الأندية،‭ ‬لمساعدة‭ ‬المشجعين‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الغضب‭ ‬والانفعالات‭.‬

‭ ‬فرض‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬المحرضين‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الملاعب،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام‭.‬

‭ ‬تدريب‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والمعلقين‭ ‬الرياضيين‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬خطاب‭ ‬معتدل‭ ‬وبنّاء‭.‬

في‭ ‬الختام‭ .. ‬ما‭ ‬رسالتكم‭ ‬للجماهير‭ ‬الرياضية‭.‬

رسالتي‭ ‬واضحة‭:‬‭ ‬أنتم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬مشجعين‭ ‬لأندية،‭ ‬أنتم‭ ‬أبناء‭ ‬وطن‭ ‬واحد‭ ‬الرياضة‭ ‬وسيلة‭ ‬للفرح،‭ ‬للترابط،‭ ‬للتنافس‭ ‬الشريف،‭ ‬لا‭ ‬للفوضى،‭ ‬أو‭ ‬التناحر،‭ ‬حب‭ ‬ناديك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬كراهية‭ ‬الآخر،‭ ‬لنتذكر‭ ‬دائمًا‭ ‬أنَّ‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الرياضة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تجمعنا،‭ ‬لا‭ ‬أنَّ‭ ‬تفرقنا‭.‬

الخبير‭ ‬النفسي‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬أشرف‭  ‭ ‬اختصاصي‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬‭ ‬حدثنا‭ ‬حول‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشغب‭.‬

د‭. ‬محمد،‭ ‬نرحب‭ ‬بكَ،‭ ‬ونود‭ ‬أنّ‭ ‬نسألك،‭ ‬كيف‭ ‬تفسرون‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النفسية‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشغب‭ ‬الجماهيري،‭ ‬ومباراة‭ ‬‮«‬الأهلي‭ ‬والاتحاد‮»‬‭ ‬أنموذج؟

‭ ‬الحقيقة‭ ‬إنّ‭ ‬الشغب‭ ‬الجماهيري‭ ‬ليس‭ ‬سلوكًا‭ ‬عفويًا،‭ ‬أو‭ ‬لحظيًا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاسٌ‭ ‬لحالة‭ ‬نفسية‭ ‬جماعية،‭ ‬المشجع‭ ‬في‭ ‬الملعب‭ ‬لا‭ ‬يتصرف‭ ‬كفرد‭ ‬مستقل،‭ ‬بل‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬‮«‬عقل‭ ‬جماعي‮»‬؛‭ ‬حيث‭ ‬تتراجع‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬وترتفع‭ ‬المشاعر‭ ‬الانفعالية‭ ‬مثل‭ : ‬

‭)‬الحماس،‭ ‬والغضب،‭ ‬والتعصب‭( ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬يتغذى‭ ‬على‭ ‬ضغوط‭ ‬نفسية‭ ‬سابقة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬اليومية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭.‬

دكتور،‭ ‬ما‭ ‬أبرز‭ ‬الدوافع‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬الجماهير‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الشغب؟

هناك‭ ‬عدة‭ ‬دوافع‭ ‬نفسية،‭ ‬منها‭:‬

‭. ‬تفريغ‭ ‬الضغوط‭ :‬‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬بالإحباط‭ ‬أو‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬اليومية،‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬التشجيع‭ ‬وسيلة‭ ‬للتنفيس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭.‬

‭. ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ :‬‭ ‬الانتماء‭ ‬للنادي‭ ‬يمنح‭ ‬المشجع‭ ‬إحساسًا‭ ‬بالهوية‭ ‬والانتماء،‭ ‬ومع‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬لهذه‭ ‬الهوية‭ ‬كـ‭)‬الخسارة،‭ ‬أو‭ ‬الاستفزاز‭( ‬قد‭ ‬يتحوَّل‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬عدوانية‭.‬

‭. ‬تأثير‭ ‬الحشد‭ ‬‭:‬‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة،‭ ‬تنخفض‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬ويصبح‭ ‬الفرد‭ ‬أكثر‭ ‬عرضةً‭ ‬لسلوكيات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليفعلها‭ ‬بمفرده‭.‬

‭. ‬الإثارة‭ ‬النفسية‭ ‬‭:‬‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬يسعون‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬إلى‭ ‬الإثارة‭ ‬والتحدي،‭ ‬والشعور‭ ‬بالقوة‭ ‬وسط‭ ‬الجماعة‭.‬

‭. ‬نقص‭ ‬مهارات‭ ‬ضبط‭ ‬الانفعال‭ :‬‭ ‬كثيرون‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬أدوات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مشاعر‭ ‬الغضب،‭ ‬أو‭ ‬الإحباط،‭ ‬فيتجهون‭ ‬إلى‭ ‬السلوك‭ ‬العدواني‭.‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬ترتبط‭ ‬بأمراض‭ ‬نفسية،‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬سلوكيات‭ ‬ظرفية؟

هي‭ ‬ليستْ‭ ‬أمراضًا‭ ‬نفسية‭ ‬بالمعنى‭ ‬المرضي،‭ ‬لكنها‭ ‬سلوكيات‭ ‬نفسية‭ ‬اجتماعية‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬ضغوط،‭ ‬ونقص‭ ‬مهارات‭ ‬التكيف‭ ‬النفسي‭. ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬استمرتْ‭ ‬وتكرَّرتْ‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر،‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬أنماط‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬العدواني‭ ‬المزمن،‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشرٌ‭ ‬خطيرٌ‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭.‬

ما‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬للمجتمع؟

الخطورة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العنف‭ ‬يصبح‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬مقبولًا،‭ ‬ومبرّرًا‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬بعض‭ ‬الفئات،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭:‬

‭- ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق‭ ‬المجتمعي‭.‬

‭- ‬انتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الغضب،‭ ‬أو‭ ‬الاحتجاج‭.‬

‭- ‬تعزيز‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الرياضة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭.‬

‭- ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬الذين‭ ‬يشاهدون‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬ويظنون‭ ‬أنها‭ ‬طبيعية،‭ ‬أو‭ ‬مقبولة‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬العلاجية‭ ‬والوقائية،‭ ‬ما‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬تقترحونها‭ ‬كخبير‭ ‬نفسي؟

الحل‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الردع‭ ‬الأمني،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭:‬

‭. ‬تعليم‭ ‬مهارات‭ ‬إدارة‭ ‬الغضب،‭ ‬والانفعال‭ ‬داخل‭ ‬المدارس‭ ‬والأندية‭.‬

‭. ‬برامج‭ ‬الدعم‭ ‬النفسي‭ ‬الجماعي‭ ‬للمشجعين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المباريات‭ ‬الكبرى،‭ ‬عبر‭ ‬ورش‭ ‬توعية‭ ‬وتنمية‭ ‬نفسية‭.‬

‭. ‬تعزيز‭ ‬خطاب‭ ‬التسامح‭ ‬والروح‭ ‬الرياضية‭ ‬عبر‭ ‬الإعلام‭ ‬واللاعبين‭ ‬أنفسهم‭.‬

‭. ‬توفير‭ ‬بيئة‭ ‬نفسية‭ ‬صحية‭ ‬داخل‭ ‬الأندية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للاعبين،‭ ‬بل‭ ‬للجماهير‭ ‬أيضًا‭.‬

‭. ‬إشراك‭ ‬الإختصاصيين‭ ‬النفسيين‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬الفعاليات‭ ‬الرياضية،‭ ‬لمتابعة‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬العامة‭ ‬وتقديم‭ ‬تدخلات‭ ‬فورية‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭.‬

‭. ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬شعور‭ ‬الانتماء‭ ‬الإيجابي،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حب‭ ‬النادي‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬كراهية‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭.‬

دكتور‭ .. ‬ما‭ ‬رسالتكم‭ ‬الأخيرة‭ ‬للجماهير‭ ‬الرياضية؟

رسالتي‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬جوهرية‭:‬‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬ليستْ‭ ‬معركة،‭ ‬بل‭ ‬لعبة‭ ‬تُفرِح،‭ ‬تُقرِّب،‭ ‬وتُسعِد‭. ‬الخسارة‭ ‬جزءٌ‭ ‬من‭ ‬الرياضة،‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الفوز‭. ‬الوطن‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مباراة،‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نادٍ‭. ‬فلنكن‭ ‬جماهير‭ ‬راقية‭ ‬تفرح‭ ‬بالفوز،‭ ‬وتتقبل‭ ‬الخسارة،‭ ‬وتترك‭ ‬الملاعب‭ ‬مساحة‭ ‬للفرح‭ ‬لا‭ ‬للفوضى‭.‬

في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬تبقى‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬مباراة،‭ ‬وأعمق‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬فوز‭ ‬أو‭ ‬خسارة‭. ‬هي‭ ‬شغف‭.‬‭ ‬هي‭ ‬انتماء‭. ‬لكنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬الأجمل‭: ‬إطار‭ ‬الفرح،‭ ‬والروح‭ ‬الرياضية،‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬ملاعبنا‭ ‬من‭ ‬شغب‭ ‬وفوضى‭ ‬لا‭ ‬يشوه‭ ‬صورة‭ ‬الرياضة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يجرّ‭ ‬خلفه‭ ‬جراحًا‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬عميقة‭ ‬قد‭ ‬تدوم‭ ‬طويلاً‭. ‬لهذا،‭ ‬أصبح‭ ‬لزامًا‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬‭ ‬جماهير،‭ ‬إدارات،‭ ‬إعلام،‭ ‬خبراء،‭ ‬وأسر‭ ‬‭ ‬أن‭ ‬نقف‭ ‬وقفة‭ ‬حقيقية‭ ‬وشجاعة،‭ ‬نُعيد‭ ‬فيها‭ ‬تعريف‭ ‬معنى‭ ‬التشجيع،‭ ‬ومعنى‭ ‬الانتماء،‭ ‬ومعنى‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أبناء‭ ‬وطن‭ ‬واحد‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬ألوان‭ ‬قمصاننا‭.‬

لنجعل‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬الهتاف‭ ‬ألحانًا‭ ‬للفرح،‭ ‬لا‭ ‬صرخات‭ ‬للغضب،‭ ‬ومن‭ ‬الملاعب‭ ‬ساحات‭ ‬للتسامح‭ ‬والتلاقي،‭ ‬لا‭ ‬ميادين‭ ‬للفوضى‭ ‬والانقسام‭. ‬فالوطن‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مباراة،‭ ‬وأجمل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭… ‬والرياضة،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لا‭ ‬تُبنى‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬الحب،‭ ‬والاحترام،

   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى