ثقافة

حين تنكسر العشرة .. حكايـــات طلاق !!

شهد عبد الحفيظ

في‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم؛‭ ‬حيث‭ ‬تختلط‭ ‬الوجوه‭ ‬بين‭ ‬باحثٍ‭ ‬عن‭ ‬حق،‭ ‬ومقهورٍ‭ ‬من‭ ‬ظلم،‭ ‬وامرأةٍ‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬يديها‭ ‬أوراق‭ ‬الدعوى‭ ‬كأنها‭ ‬تحمل‭ ‬نهاية‭ ‬قصة‭ ‬عمر،‭ ‬تدور‭ ‬حكايات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭…‬

تبدأ‭ ‬بزغاريد‭ ‬الزفاف،‭ ‬ثم‭ ‬تنتهي‭ ‬بتوقيعٍ‭ ‬على‭ ‬ورقة‭ ‬الطلاق‭.‬

تبدو‭ ‬جدران‭ ‬المحكمة‭ ‬صامتة،‭ ‬لكنها‭ ‬تحفظ‭ ‬أسرارًا‭ ‬كثيرة‭… ‬أصوات‭ ‬الجدال،‭ ‬دموع‭ ‬الانكسار،‭ ‬همسات‭ ‬المحامين،‭ ‬والعيون‭ ‬التي‭ ‬تروي‭ ‬آلاف‭ ‬الحكايات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنبس‭ ‬بحرف‭.‬

تعدَّدتْ‭ ‬الأسبابُ‭ ‬والنتيجة‭ ‬واحدة‭ : ‬طلاق‭.‬

بين‭ ‬خيانةٍ‭ ‬تفتّت‭ ‬القلوب،‭ ‬وغيرةٍ‭ ‬تجاوزتْ‭ ‬حدود‭ ‬الحب،‭ ‬وواقعٍ‭ ‬اقتصادي‭ ‬خانق،‭ ‬يقف‭ ‬الزواجُ‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬اختبارات‭ ‬قاسية‭ ‬تُهدَّد‭ ‬كيانه‭.‬

من‭ ‬داخل‭ ‬إحدى‭ ‬أروقة‭ ‬محكمة‭ ‬الأسرة‭ ‬الابتدائية،‭ ‬كانتْ‭ ‬لنا‭ ‬جولة‭ ‬لرصد‭ ‬بعض‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬واقعًا‭ ‬مؤلمًا‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬كان‭ ‬يُفترض‭ ‬أنّ‭ ‬تكون‭ ‬سكنًا،‭ ‬ومودةً،‭ ‬ورحمةً،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬صراع،‭ ‬وكشف‭ ‬حساب‭.‬

خيانة‭ ‬على‭ ‬الهاتف

تجلس‭ ‬‮«‬إسراء‮» ‬‭ ‬الثلاثينية‭ ‬وهي‭ ‬تخفي‭ ‬دموعها‭ ‬خلف‭ ‬وشاحها‭ ‬الأسود،‭ ‬تقول‭ ‬بصوت‭ ‬متهدّج‭ :‬

ما‭ ‬كنتُ‭ ‬أتخيل‭ ‬أنَّ‭ ‬نهاية‭ ‬بيتي‭ ‬تكون‭ ‬بسبب‭ ‬هاتف‭. ‬كنتُ‭ ‬أظنه‭ ‬يلعب‭ ‬فقط،‭ ‬حتى‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬‮«‬رسائل‭ ‬حب‮»‬‭ ‬متبادلة‭ ‬مع‭ ‬امرأة‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬سوى‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬واجهته،‭ ‬فاتهمني‭ ‬بالجنون‭. ‬واليوم‭ ‬أنا‭ ‬هنا‭ ‬أطالب‭ ‬بالطلاق‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الصبر‭.‬

تحكي‭ ‬‮«‬إسراء‮»‬‭ ‬عن‭ ‬خيانة‭ ‬افتراضية‭ ‬تحولتْ‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬حقيقي،‭ ‬مؤكدةً‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬الثقة‭ ‬حين‭ ‬تُكسر‭ ‬لا‭ ‬تُرمّم‮»‬‭.‬

الطلاق‭ ‬بسبب‭ ‬الأهل

بينما‭ ‬كانتْ‭ ‬‮«‬هناء‮»‬‮ ‬‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬خجلاً،‭ ‬قالتْ‭ :‬

زوجي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سيئًا،‭ ‬لكن‭ ‬أمه‭ ‬كانتْ‭ ‬ترى‭ ‬أنني‭ ‬دخيلة‭ ‬على‭ ‬ابنها‭. ‬كل‭ ‬خلاف‭ ‬بسيط‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬حرب،‭ ‬والبيتُ‭ ‬أصبح‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭.‬

حاولتُ‭ ‬أن‭ ‬أتحمل،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أحتمل‭ ‬الإهانة‭.‬

هذى‭ ‬ليستْ‭ ‬وحدها؛‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬تتحطم‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬تدخل‭ ‬الأهل،‭ ‬وتضيع‭ ‬المودة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬نصائح‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تُطلب،‭ ‬وقرارات‭ ‬تُتخذ‭ ‬باسم‭ ‬المحبة،‭ ‬والعنف‭ ‬الزوجي‭.‬

أما‭ ‬‮«‬مريم‮»‬،‭ ‬فتقف‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬وهي‭ ‬ترفع‭ ‬كمَّها‭ ‬لتُظهر‭ ‬آثار‭ ‬كدمات‭ ‬قديمة،‭ ‬وتقول‭:‬

كل‭ ‬مرة‭ ‬كان‭ ‬يعدني‭ ‬أنها‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لكن‭ ‬العنف‭ ‬أصبح‭ ‬عادته‭. ‬لم‭ ‬أعدْ‭ ‬أرى‭ ‬فيه‭ ‬رجل‭ ‬البيت‭ ‬بل‭ ‬سجّانًا‭.‬

قضية‭ ‬مريم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬طلاق،‭ ‬بل‭ ‬صرخة‭ ‬ضد‭ ‬العنف‭ ‬المبرَّر‭ ‬باسم‭ ‬القوامة،‭ ‬وضد‭ ‬صمت‭ ‬نساء‭ ‬كثيرات‭ ‬يعشن‭ ‬الألم‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭.‬

الطلاق‭ ‬الصامت

‮«‬منال‮»‬‭ ‬لم‭ ‬تتعرض‭ ‬للعنف‭ ‬ولا‭ ‬للخيانة،‭ ‬لكنها‭ ‬قالتْ‭ ‬بهدوء‭ ‬مؤلم‭:‬

لم‭ ‬نعد‭ ‬نتحدث‭. ‬جلساتنا‭ ‬يسودها‭ ‬الصمت‭. ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عالمه‭. ‬الطلاق‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قرارًا‭ ‬مفاجئًا‭… ‬كنا‭ ‬مطلقين‭ ‬منذ‭ ‬زمن،‭ ‬ونحن‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭.‬

هذا‭ ‬النَّوع‭ ‬من‭ ‬الطلاق‭ ‬‮«‬النفسي‮»‬‭ ‬ينتشر‭ ‬بصمت‭ ‬بين‭ ‬الأزواج‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬معًا‭ ‬جسدًا‭ ‬بلا‭ ‬طلاق‭ ‬بسبب‭ ‬المال

بين‭ ‬دفاتر‭ ‬الديون‭ ‬والالتزامات،‭ ‬حكتْ‭ ‬أماني‭ :‬

كل‭ ‬مشكلاتنا‭ ‬كانتْ‭ ‬عن‭ ‬المال‭ ‬راتبي‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬وهو‭ ‬بلا‭ ‬عمل،‭ ‬وكل‭ ‬نقاش‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬شجار‭. ‬وصلنا‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نستطيع‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬نحيا‭ ‬بكرامة‭.‬

الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬اليوم‭ ‬ليستْ‭ ‬مجرد‭ ‬أرقام‭ ‬في‭ ‬البنوك،‭ ‬بل‭ ‬أسباب‭ ‬حقيقية‭ ‬تفتت‭ ‬البيوت‭ ‬وتقتل‭ ‬الاستقرار‭ ‬العاطفي‭.‬

طلاق‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الزفاف

في‭ ‬قصة‭ ‬لا‭ ‬تُصدق،‭ ‬قالت‭ ‬‮«‬ر‭.‬م‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تمسح‭ ‬دموعها‭ ‬أمام‭ ‬قاعة‭ ‬الجلسات‭ :‬

لم‭ ‬أُكمل‭ ‬يومي‭ ‬الأول‭ ‬كعروس،‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬أن‭ ‬زوجي‭ ‬أخفى‭ ‬عليّ‭ ‬زواجه‭ ‬السابق‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمرُ‭ ‬أنه‭ ‬متزوج‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬لديه‭ ‬طفلان‭! ‬حين‭ ‬واجهته،‭ ‬انفجر‭ ‬غاضبًا‭ ‬وقال‭: ‬كنتُ‭ ‬ناوي‭ ‬نقوللك‭ ‬بعدين،‭ ‬تركتُ‭ ‬فستاني‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬وعدتُ‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬أهلي‭.‬

قضية‭ ‬استغرقتْ‭ ‬أسبوعًا‭ ‬واحدًا‭ ‬فقط،‭ ‬كانت‭ ‬أسرع‭ ‬حالة‭ ‬طلاق‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬خلال‭ ‬العام،‭ ‬وسُميت‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭ ‬بـ‭ )‬طلاق‭ ‬الليلة‭ ‬البيضاء‭(.‬

تسلية‭ ‬أنهتْ‭ ‬الزواج

قالتْ‭ ‬‮«‬ليلى‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تلوّح‭ ‬بنسخ‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬مطبوعة‭:‬

اكتشفتُ‭ ‬أنه‭ ‬يعلّق‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬نساء‭ ‬غريبات‭ ‬بكلمات‭ ‬غزلية‭!!‬،‭ ‬وعندما‭ ‬طلبتُ‭ ‬منه‭ ‬التوقف،‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬مجرد‭ ‬تسلية‭. ‬لكن‭ ‬التسلية‭ ‬هذه‭ ‬أنهتْ‭ ‬زواجنا‭.‬

أصبحت‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬اليوم‭ ‬طرفًا‭ ‬خفيًا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدعاوى،‭ ‬و«زر‭ ‬الإعجاب‮»‬‭ ‬صار‭ ‬أحيانًا‭ ‬شرارة‭ ‬حرب‭ ‬زوجية‭.‬

الطلاق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السفر

يروي‭ ‬أحد‭ ‬المحامين‭:‬

قدَّم‭ ‬رجل‭ ‬دعوى‭ ‬تطليق‭ ‬زوجته‭ ‬لأنها‭ ‬رفضتْ‭ ‬السفر‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬وقال‭ ‬إنها‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ ‬مستقبله،‭ ‬بينما‭ ‬ردتْ‭ ‬الزوجة‭ ‬بأنها‭ ‬لن‭ ‬تترك‭ ‬والدتها‭ ‬المريضة‭. ‬انتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بطلاق‭ ‬مؤلم،‭ ‬وهاجر‭ ‬وحده‭.‬

قصة‭ ‬تختصر‭ ‬صراعًا‭ ‬بين‭ ‬الطموح‭ ‬الإنساني‭ ‬والواجب‭ ‬العائلي،‭ ‬بين‭ ‬حلم‭ ‬الهجرة‭ ‬ودفء‭ ‬الانتماء‭.‬

قالت‭ ‬مبروكة في‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ :‬

كبر‭ ‬أولادي،‭ ‬فقرَّرتُ‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬بكرامة‭.. ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الإهانة‭ ‬وسكوتي‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أتحمل‭.‬

هي‭ ‬ليست‭ ‬مراهقة‭ ‬غاضبة،‭ ‬بل‭ ‬امرأة‭ ‬ناضجة‭ ‬قررتْ‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العمر‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬اليوم‭ ‬تُرفع‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬تجاوزن‭ ‬الأربعين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الصمت‭ ‬يومًا‭ ‬خيارًا‭ ‬وحيدًا‭.‬

بسبب‭ ‬السحر‭ ‬والشعوذة

قال‭ ‬الزوج‭ ‬‮«‬م‭.‬ع‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬بصوت‭ ‬مرتجف‭:‬

اكتشفتُ‭ ‬أنها‭ ‬تذهب‭ ‬لعرافة‭ ‬لتجعلني‭ ‬أحبها‭ ‬أكثر‭. ‬وبعدها‭ ‬تغيّرتْ‭ ‬حياتي‭ ‬تمامًا‭!.‬

الزوجة‭ ‬أنكرتْ،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬تفسير‭ ‬الرسائل‭ ‬الصوتية‭ ‬والمبالغ‭ ‬المالية‭ ‬المحوّلة‭.‬

النتيجة‭ : ‬طلاق‭ ‬غريب‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الخوف‭ ‬والجهل‭ ‬والخرافة‭.‬

الطلاق‭ ‬بسبب‭ ‬كلب

تبدو‭ ‬القصة‭ ‬مضحكة‭ ‬لكنها‭ ‬حقيقية‭.‬

قالتْ‭ ‬‮«‬س‭ – ‬م‮» ‬‭ ‬بابتسامة‭ ‬حزينة‭:‬

كان‭ ‬يكره‭ ‬الكلاب،‭ ‬وأنا‭ ‬أعتبر‭ ‬كلبي‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬عائلتي‭. ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬التخلص‭ ‬منه،‭ ‬أو‭ ‬الطلاق،‭ ‬فاخترتُ‭ ‬الطلاق‭.‬

هذه‭ ‬القصة‭ ‬نُوقشتْ‭ ‬مطولًا‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬قضية‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬تطرح‭ ‬سؤالًا‭ ‬عن‭ ‬الاختلافات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تهدم‭ ‬حياة‭ ‬كاملة‭.‬

تحكي‭ ‬سميرة‭ :‬

زوجي‭ ‬كان‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬أشتري‭ ‬شيئًا‭ ‬لنفسي‭. ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المكياج‭ ‬تافه‭ ‬والملابس‭ ‬رفاهية،‭ ‬وبينما‭ ‬أنا‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالنفس‭ ‬حق‭. ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عنده‭ ‬حرام،‭ ‬أو‭ ‬إسراف‭. ‬كنتُ‭ ‬أختنق‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬

حين‭ ‬غادرتُ‭ ‬المنزل،‭ ‬قلتُ‭ ‬له‭: ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬نفسها‭ ‬جميلة‭ ‬في‭ ‬بيتها،‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬بالأمان‭ ‬فيه‭.‬

وهي‭ ‬جملة‭ ‬ظلتْ‭ ‬تتردّد‭ ‬بين‭ ‬الحاضرين‭ ‬طويلاً‭ ‬بعد‭ ‬الجلسة‭.‬

بسبب‭ ‬‮«‬تيك‭ ‬توك‮»‬

قالت‭ ‬الزوجة‭ ‬‮«‬أ‭.‬س‮»‬‭:‬

بدأتْ‭ ‬القصة‭ ‬بفيديوهات‭ ‬قصيرة‭ ‬كنتُ‭ ‬أنشرها‭ ‬في‭ ‬المطبخ،‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أتوقف‭ ‬لأن‭ ‬الجيران‭ ‬يتكلمون‭. ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬أصبح‭ ‬يشكّ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مَنْ‭ ‬يعلق‭! ‬تحولتْ‭ ‬الغيرة‭ ‬إلى‭ ‬عنف،‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭ ‬بالطلاق‭.‬

قصة‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬تصادم‭ ‬الأجيال‭ ‬بين‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬الجديدة،‭ ‬وحدود‭ ‬التقاليد‭ ‬القديمة‭.‬

يقول‭ ‬الزوج‭ ‬‮«‬ف‮»‬‭ :‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬تتكلم‭. ‬لا‭ ‬تجادل،‭ ‬لا‭ ‬تبتسم،‭ ‬لا‭ ‬تشارك‭ ‬بشيء‭. ‬كأنها‭ ‬غادرتني‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬زالتْ‭ ‬في‭ ‬البيت‭.‬

بين‭ ‬الصمت‭ ‬والغياب‭ ‬العاطفي‭ ‬ضاع‭ ‬زواج‭ ‬استمر‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬انتهى‭ ‬دون‭ ‬خيانة،‭ ‬أو‭ ‬عنف‭. ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬الحديث‭ ‬توقف‭. ‬

وبين‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم‭ ‬عشرات‭ ‬القصص‭ ‬يوميًا،‭ ‬لكن‭ ‬القاضي‮«‬م‭. ‬الكيلاني‮»‬‭ ‬يرى‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬يتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬خلافات‭ ‬أسرية‭ ‬بسيطة‭ :‬

الطلاق‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬فردية،‭ ‬بل‭ ‬مشكلة‭ ‬اجتماعية‭ ‬متصاعدة‭. ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كنا‭ ‬نستقبل‭ ‬خمس‭ ‬قضايا‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فالقضايا‭ ‬تتضاعف‭ ‬بشكل‭ ‬مقلق‭. ‬الأسباب‭ ‬تتنوع،‭ ‬من‭ ‬الخيانة‭ ‬إلى‭ ‬الضغوط‭ ‬المعيشية،‭ ‬لكن‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬الحوار‭ ‬الحقيقي‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭.‬

ويؤكد‭ ‬أحد‭ ‬المحامين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأحوال‭ ‬المدنية،‭ ‬أ‭. ‬عبدالله‮ ‬‭ ‬القماطي،‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تجنبها‭ ‬لو‭ ‬وُجد‭ ‬تدخل‭ ‬مبكر‭:‬

نحن‭ ‬نرى‭ ‬أزواجًا‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬بسبب‭ ‬أمور‭ ‬صغيرة‭ ‬جدًا‮ ‬‭ ‬مثل‭ ‬سوء‭ ‬تفاهم،‭ ‬أو‭ ‬تدخل‭ ‬من‭ ‬الأهل‭  ‬لكنها‭ ‬تتضخم‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭. ‬غياب‭ ‬مراكز‭ ‬الإرشاد‭ ‬الأسري‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬جعل‭ ‬المحكمة‭ ‬هي‭ ‬الخيار‭ ‬الأول‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأخير‭.‬

أما‭ ‬الاختصاصية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬سعاد‭ ‬الورفلي‭ ‬فتربط‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الطلاق‭ ‬بتغيّر‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الليبي‭:‬

جيل‭ ‬اليوم‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭ ‬مختلفين؛‭ ‬عالم‭ ‬رقمي‭ ‬مفتوح‭ ‬يروّج‭ ‬لصورة‭ ‬مثالية‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية،‭ ‬وواقع‭ ‬صعب‭ ‬مليء‭ ‬بالتحديات‭. ‬بين‭ ‬الصورتين،‭ ‬يحدث‭ ‬الصدام‭. ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأزواج‭ ‬يدخلون‭ ‬الزواج‭ ‬دون‭ ‬وعي،‭ ‬أو‭ ‬استعداد‭ ‬نفسي‭ ‬حقيقي‭.‬

وتضيف‭:‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬الزواج‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬مشروع‭ ‬حياة،‭ ‬بل‭ ‬تجربة‭ ‬سريعة‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يختار‭ ‬شريكًا‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مظهر،‭ ‬أو‭ ‬انطباع‭ ‬عابر،‭ ‬ثم‭ ‬يُفاجأ‭ ‬بحقائق‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التعايش‭ ‬معها‭.‬

من‭ ‬جهتها،‭ ‬ترى‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬زينب‭ ‬سعد‮ ‬‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬لمعالجة‭ ‬الظاهرة‭:‬

القانون‭ ‬يُنصف‭ ‬المتضرَّر‭ ‬قانونيًا،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يُرمم‭ ‬الشرخ‭ ‬الاجتماعي‭. ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬تثقيف‭ ‬مجتمعي،‭ ‬وتدريب‭ ‬الأزواج‭ ‬على‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬وحل‭ ‬الخلافات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭.‬

الطلاق‭ ‬كجرح‭ ‬صامت

الخبير‭ ‬النفسي‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬الفيتوري‮ ‬‭ ‬يصف‭ ‬الطلاق‭ ‬بأنه‭ ‬عملية‭ ‬فقد‭ ‬مزدوجة‭ :‬

ليس‭ ‬فقد‭ ‬شريك‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬فقد‭ ‬صورة‭ ‬الذات،‭ ‬والمكانة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والأمان‭ ‬النفسي‭. ‬النساء‭ ‬غالبًا‭ ‬يعانين‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬الطلاق‭ ‬أكثر‭ ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬المطلقة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كثيرات‭ ‬هنّ‭ ‬الضحايا‭ ‬الحقيقيات‭.‬

ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬هم‭ ‬‮«‬ضحايا‭ ‬الظل‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭:‬

الأثر‭ ‬النفسي‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬لا‭ ‬يظهر‭ ‬فورًا،‭ ‬لكنه‭ ‬يتراكم‭. ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬صراخًا‭ ‬وخصامًا‭ ‬يوميًا،‭ ‬ينشأ‭ ‬على‭ ‬خوفٍ‭ ‬من‭ ‬الحب،‭ ‬وعدم‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭.‬‮                    ‬‭ ‬تغلق‭ ‬المحكمة‭ ‬أبوابها‭ ‬كل‭ ‬مساء،‭ ‬لكن‭ ‬الحكايات‭ ‬تبقى‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬الممرات‭.‬

كل‭ ‬قضية‭ ‬تحمل‭ ‬وجهًا‭ ‬من‭ ‬وجوه‭ ‬المجتمع‭: ‬امرأة‭ ‬تعبتْ،‭ ‬رجل‭ ‬انهار،‭ ‬وأطفال‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬باب‭ ‬البيت‭ ‬تغيّر‮»‬‭.‬

الطلاق‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حدثًا‭ ‬نادرًا،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬مرآة‭ ‬لزمن‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬المفاهيم‭ ‬والأدوار‭.‬

وبين‭ ‬الحب‭ ‬والخسارة،‭ ‬تبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬مؤلمة‭:‬

أن‭ ‬بعض‭ ‬العلاقات‭ ‬تموت‭ ‬بصمت‭. ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تُعلن‭ ‬وفاتها‭ ‬رسميًا‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬المحكمة‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬الملفات‭ ‬المكدّسة‭ ‬في‭ ‬محاكم‭ ‬الأسرة،‭ ‬تتكرر‭ ‬ذات‭ ‬المأساة‭ ‬بأسماء‭ ‬ووجوه‭ ‬مختلفة‭.‬

كل‭ ‬ورقة‭ ‬طلاق‭ ‬تحمل‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬ماتت،‭ ‬وأحلامًا‭ ‬انكسرت،‭ ‬وأطفالًا‭ ‬سيدفعون‭ ‬الثمن‭.‬

لكن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الجدران‭ ‬أيضًا،‭ ‬يولد‭ ‬وعي‭ ‬جديد‭:‬

وعي‭ ‬بضرورة‭ ‬الاختيار‭ ‬الصحيح،‭ ‬والحوار،‭ ‬والمساواة،‭ ‬واحترام‭ ‬الذات‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

فالزواج‭ ‬ليس‭ ‬سجنًا،‭ ‬ولا‭ ‬معركة،‭ ‬بل‭ ‬شراكة‭ ‬إنسانية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬المودة‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬السيطرة،‭ ‬وعلى‭ ‬الاحترام‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الخوف‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬مفتوحًا‭:‬

هل‭ ‬أصبح‭ ‬الطلاق‭ ‬اليوم‭ ‬حلًّا‭ ‬سهلًا‭. ‬أم‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لعلاقات‭ ‬لم‭ ‬تُبنَ‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬متين؟

طلقها‭  ‬وقال‭ ‬

إنها‭ ‬عقبة‭ ‬

أمام‭ ‬

مستقبلي‭ !!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى