
تملك ليبيا الساحل الأطول نسبيًا بين سواحل الدول العربية المطلِّة على شاطيء المتوسط، إذ تتمتع مدينة طرابلس لوحدها بمساحات شاسعة على طول ساحلٍ بِكر امتاز بجمال تضاريسه المسطحة ، والمنسابة ضمن تشكيلات طبيعية فتحتْ الآفاق أمام المستثمرين في مجال السياحة، وصناعة الترفيه البحري، والشاطيء، لاستغلاله وفق ما يسمح به القانون.
فإطلالة «عروس البحر» – كما يحلو للسكان المحليين بتسميتها – تُعَدُّ فرصة سانحة لمن أراد التوجه نحو إعمارها، لإحالة الرمال الصفراء إلى ذهبٍ حقيقي، وتغيير واجهة البحر التي تعاني الاهمال، من مكبٍ لمخلفات البناء والردم، إلى فضاء يحتضن كل مظاهر المتعة، والاستجمام البحري للزائر والمقيم، وذلك بالعمل على إنعاش المنطقة المَّمتدة من «سيدي بلال» ببلدية جنزور، وحتى جزيرة «الأندلسي» بتاجوراء، وما حولها.
من خلال تنفيذ عدة مشروعات تحتاجها المناطق المطلّة مباشرةً على البحر :
كـ)المصائف العامة، والمنتجعات السياحية(، والمراكز التجارية متمثلة في )الفنادق والمطاعم(، إلى جانب المنتزهات، والمسطحات الخضراء بما تحويه من ملاعب رياضية، وإستراحات، وفلل سياحية بمختلف مستوياتها(.
لكن صرنا نخشى أن يكون كل ذلك من الأماني التي لا طائل من رجائها في ظل التحذيرات المستمرة على منع السباحة بسبب ارتفاع درجات التلوث في مياه البحر ، الناجم عن توقف محطات الصرف الصحي عن معالجة مياه الصرف منذ سنوات.
وأمام المشاهد التي نراها مع مطلع كل موسم صيفي، وهي تكرَّر نفسها، وتخلق أذى بصريًا، وبيئيًا بالتشكيلات العشوائية من العرائش، والعشش التي تُقَوِّض المساحات الفاصلة ما بين الطريق الرئيس، والشط .
ضمن سلسلة مصائف عُرِفَت بمسميات مختلفة، وهي أبعد ما تكون عن مواصفات المصيف الصحية.
تلك الأماكن التي يُديرها أفرادٌ، ويتحكمون في تسييرها، ويفرضون رسومًا عالية أجرة دخولها، للإستنفاع من الشط الذي كان قبل سنواتٍ مضتْ مكانًاحُرَّاً متاحًا للجميع، فلا يلقى النَّاس صعوبةً في الوصول للبحر، وقضاء يوم جميل صحبة أسرهم.
حول ما نراه من استحواذ واضح لشواطئنا المفتوحة، وأمام شكوى المواطن الذي صار يخطط لـقضاء )زردة البحر ( كما لو أنه سيُقدم على تقديم تأشيرة لإجتياز السبعة بحور !!
توجهنا بأسئلتنا للسيد / خالد عبدالله معمر مدير إدارة الشؤون الاقتصادية، والاستثمار ببلدية تاجوراء ليفيدنا بالرّد في الأسطر التالية :
ما الإطار القانوني، أو البيئي الذي ينظم استغلال الشواطئ لأغراض تجارية، أو سياحية؟
وهل يتم احترامه؟
الإطار القانوني يتمثل في:
– القانون رقم )15( لسنة 2003 بشأن حماية وتحسين البيئة، الذي يُلزم أي نشاط سياحي، أو تجاري على السواحل بإجراء دراسة تقييم الأثر البيئي.
- القانون رقم )9( لسنة 2010 بشأن تشجيع الاستثمار الذي يشترط التقيد بالاشتراطات البيئية.
- قانون حماية الشواطئ رقم )3( لسنة 2001 بشأن التخطيط العمراني.
لكن من النَّاحية الواقعية، لا يُحترم هذا الإطار بشكل كامل، وغالبًا ما تقام مشروعات دون رقابة فعلية، أو دراسة أثر بيئي، خاصة في ظل ضعف الأجهزة الرقابية، وغياب التنسيق الفعلي بين الجهات.
مَنْ يمنح التراخيص للأفراد لإقامة عشائش أو منتجعات على شواطئ غير صالحة للسباحة؟
الجهة المختصة رسميًا هي:
البلديات بالتنسيق مع جهاز حماية البيئة ووزارتي السياحة، أو الاقتصاد.
أحيانًا تدخل الهيئة العامة للمناطق الساحلية )إنّ فعلتْ( في منح الموافقات الفنية.
ومع ذلك، يلاحظ أن بعض التراخيص تمنح دون دراسات جدوى، أو تقييم بيني دقيق، وفي أحيانٍ كثيرة يتم تجاوز الاختصاصات القانونية.
كيف تؤثر هذه المشروعات على البيئة الساحلية، والبحرية؟ وما تقييم الأثر الصحي لها؟
الأثر البيئي يشمل :
. تآكل التربة الساحلية نتيجة إزالة الغطاء النباتي.
. تلوث المياه البحرية من تصريفات الصرف الصحي غير المعالجة.
. اختلال النظام البيئي البحري نتيجة ردم الشواطئ، أو تشييد منشأت بشكل عشوائي.
الأثر الصحي:
. قد تتسبَّب في انتقال الأمراض الجلدية والمعوية بسبب التلوث.
. ارتفاع معدلات التسمَّمات في المناطق المحاذية بسبَّب استهلاك منتجات بحرية ملوثة.
هل يشترط على أصحاب المشروعات السياحية أنظمة صرف صحي، وعدم تلويث البحر؟
نعم، قانونيًا :
. يلزم القانون رقم )15( لسنة 2003 المستثمرين بوجود نظام صرف صحي بيئي آمن.
. كما يشترط في الترخيص أنّ تعرض المخططات على جهات مختصة بالصحة العامة والبيئة.
لكن في الممارسة
. الكثير من المشروعات تتجاهل هذه الاشتراطات.
. ولا تفرض عليهم غرامات كافية، أو سحب الرخص، مما يفاقم التلوث.
برأيكم هل هناك جهات تستنفع من تلوث الشواطئ؟، وهل تمرّر التراخيص مقابل السكوت؟
وفقًا لشهادات وتقارير إعلامية، وملاحظات ميدانية:
. نعم، توجد شُبهات بوجود تواطؤ بين مستثمرين، وبعض موظفي البلديات، أو جهات محلية.
. تمرّر بعض المشروعات دون دراسات مقابل رشاوى، أو عمولات غير مشروعة.
. بعض الجهات تستفيد ماليًا من استمرار هذا الوضع.
وإن وجدتْ حقًا، هل تتم محاسبة أفرادها؟
رغم وجود تقارير ديوان المحاسبة الليبي التي ترصد هذه التجاوزات، فإنّ عدد القضايا المرفوعة قليلٌ جدًا مقارنةً بحجم الانتهاكات.
. في حالات نادرة فقط تمت إحالة بعض مسؤولي البلديات، أو الإدارات للتحقيق.
. هناك ضعفٌ في آليات الرقابة، والمحاسبة القضائية والإدارية، ولا توجد متابعة فاعلة.
ما قولكم في إشاعة وجود تواطؤ من البلديات للسماح باستغلال الشواطئ رغم مخاطرها؟
ليست إشاعة بالكامل، بل هناك توثيق لحالات تواطؤ واضحة سواء في الإعلام، أو تقارير الرقابة.
. بعض البلديات تمنح موافقات دون دراسة فنية، أو بيئية.
. ضعف الدولة المركزية أدى إلى تنامي سلطة محلية توظف صلاحياتها بطريقة خاطئة أحيانًا بسبَّب الجهل، وأحيانًا بمقابل مادي.
هل هناك علاقة بين توسع الاستثمارات السياحية العشوائية، والتدهور البيئي في ساحل طرابلس؟
نعم علاقة مباشرة
. طرابلس شهدتْ في السنوات الأخيرة إنشاءات عشوائية على الشواطئ دون بنية تحتية بيئية.
. العديد من المصارف الرملية تآكلتْ، وأصبح الساحل أكثر تلوثًا.
. تم طمر أجزاء من البحر، وحرمان السكان من الوصول لشواطئهم، مما فاقم الأزمة البيئية والاجتماعية.
هل لشبكات النفوذ والفساد دور في حماية مشروعات على حساب صحة المواطن والبيئة؟
بكل وضوح، نعم.
. بعض المشروعات محمية سياسيًا، أو عبر النفوذ المالي، مما يمنع حتى الجهات الرقابية من التدخل.
الفساد الإداري والمالي يلعبان دورًا رئيسًا في استمرار مشروعات غير مستوفية للشروط.
. ما يحدث يُعد شكلاً من أشكال الكسب غير المشروع على حساب المصلحة العامة.
كلمة أخيرة ..
- الشواطئ ثروة وطنية، وملكية عامة، واستغلالها يجب أن يكون مسؤولاً، متوازنًا، وخاضعًا لرقابة بيئية صارمة.
- إنّ استمرار الفوضى في منح التراخيص والانتهاك البيئي الممنهج سيفضي إلى كارثة صحية، وبيئية يصعب تداركها.
- يجب تفعيل القانون، ومحاسبة المخالفين، وتعزيز وعي المواطنين، لأن حماية البيئة الساحلية مسؤولية الجميع.