الاولىقانون

دسترة اللغة

 

 

من الموضوعات الهامة التي أثارت جدلاً كبيراً في الساحة الليبية (دسترة اللغات الوطنية)، أي تضمين اللغات الوطنية في مشروع دستور الدولة المرتقب، على الرغم من أن الخلاف لا يفسد للود قضية، فمسألة دسترة اللغات الوطنيات من عدمه لا يشكل مشكلة أساسية في الدولة، سيما أن أغلب دول العالم تتضمن دساتيرها اللغات المتنوعة كنوع من الدعم للثقافة التي تعبر عن هوية الشعب وأصالته وعرقه وانتماءه، فلا بأس من تضمينها بالدستور لحماية حقوق وحريات الأمازيغ والتوارق والتبو المنتهكة سابقاً، لا أن تعلن لغة رسمية للدولة، فاللغة العربية هي اللغة الأم، اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، في قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(1) من سورة العلق، و قوله عز وجل (إِنَّا جَعَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا)(2) من سورة الزخرف، فقد حثنا القرآن الكريم على القراءة والكتابة والفهم والتدبر، ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة قواعد اللغة العربية والغوص في مكامن اللغة لإخراج الدر ولقراءة ما بين السطور كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم (أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي).

 

 

ومن هذا المنطلق نشير إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية لا مجرد إضافتها بالدستور فقط، فغالبية الشعب يتحدث بالعامية مقارنة بدول العالم فهم يتقنون فن الخطابة والبلاغة. فالاهتمام باللغة مهم جداً وذلك يكون بإقامة الندوات والمؤتمرات  وإحياء اليوم العالمي للغة العربية في كل المؤسسات التعليمية وخاصة في كليات القانون التي بدأ فيها مستوى اللغة يتدنى، وتدريسها في كل المراحل التعليمية، فلا يقتصر على التعليم الأساسي والثانوي فقط، فاللغة العربية تعبر عن ثقافة شعب وهويته وانتماءه الديني.

ونقترح إقامة دورات منهجية في اللغة العربية لكل الأعمار.. فالعلم بحر ليس له حدود. وفائدة ذلك يعود على المجتمع بأكمله، وخاصة في مجال العمل فتضمينها يستوجب ايلائها اهتماماً خاصاً للرقي بالدولة.

مع منح الحق في استعمال اللغات الأخرى دون قيود ومنها الأمازيغية والتباوية والتارقية وخاصة فيما يتعلق بتسمية الأطفال الذي كان يثير في السابق العديد من الإشكاليات.

ومن هنا قام أعضاء الهيئة التأسيسية لإعداد وصياغة مشروع الدستور الليبي الدائم بحل الخلاف، وذلك بتضمين اللغة الأمازيغية والتارقية والتباوية بنصوص الدستور و التي تتضمن فحواها حماية اللغات من الاندثار والتلاشي، كنوع من التعبير عن التراث الثقافي، والأصالة، والهوية، وبهذا أصبحت اللغات محمية بنصوص مدسترة، بانتظار استفتاء الشعب ودخولها حيز النفاذ.

ونستعرض في هذا السياق النصوص التي ضمنت حقوق استعمال اللغات الوطنية وألزمت الدولة بضرورة العمل على تطويرها واستمرارها وذلك عقب أول دورة انتخابية:

فقد نصت المادة (2) من مشروع الدستور الليبي المعنونة ب(الهوية واللغة)

تقوم الهوية الليبية على ثوابت جامعة، ومتنوعة، ويعتز الليبيون بكل مكوناتهم الاجتماعية، والثقافية، واللغوية، وتعد ليبيا جزءاً من الوطن العربي، وأفريقيا، والعالم الإسلامي، ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

تعد اللغات التي يتحدث بها الليبيون، أو جزء منهم ومن بينها العربية، والأمازيغية، والتارقية، والتباوية، تراثاً ثقافياً، ولغوياً، ورصيداً مشتركاً لكل الليبيين، وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة؛ لحمايتها، وضمان المحافظة على أصالتها، وتنمية تعليمها، واستخدامها.

اللغة العربية لغة الدولة.

وينظم القانون في أول دورة انتخابية تفاصيل إدماج اللغات الليبية الأخرى في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي، ومستوى الدولة.

ونصت المادة (55) على (اللغات والثقافات الليبية)

للأشخاص؛ أفراداً وجماعات الحق في استخدام لغاتهم، وتعلمها، والمشاركة في الحياة الثقافية، وتضمن الدولة حماية اللغات الليبية، وتوفر الوسائل اللازمة؛ لتنمية تعليمها، واستخدامها في وسائل الإعلام العامة، كما تضمن حماية الثقافات المحلية، والتراث، والمعاف التقليدية، والآداب والفنون، والنهوض بها، ونشر الخدمات الثقافية.

ولحماية وضمان استخدام اللغات فقد نصت المادة (160) على المجلس الذي سيعمل جاهداً على حماية الموروث الثقافي واللغوي وهذا ما تبين من خلال النص الآتي:

يتولى المجلس تنمية اللغات الليبية وحمايتها، كالعربية، والأمازيغية، والتارقية، والتباوية، والمحافظة على الموروث الثقافي، واللغوي المتنوع للشعب الليبي، وتوثيقه، والاهتمام به؛ بما يكفل المحافظة على أصالته في إطار الهوية الليبية الجامعة.

ويدير المجلس تسعة أعضاء، يراعى فيه تمثيل المكونات الثقافية، واللغوية للشعب الليبي، وتنتخب السلطة التشريعية رئيساً من بينهم مدة ست سنوات لمرة واحدة.

وختاماً لهذا العرض الموجز لموضوع دسترة اللغة لا يسعني إلا شكر أعضاء الهيئة التأسيسية لإعداد وصياغة مشروع الدستور الليبي الدائم على ما بذلوه من جهد نظير إخراج هذا العمل، للوصول إلى توافقات تسعى إلى إرضاء الجميع.

والذي من بينهم أساتذتي الأجلاء بكلية القانون_جامعة طرابلس، الدكتور الهادي أبو حمرة والدكتور محمد الجيلاني المندوب عن جبل نفوسة.

نسأل الله أن يجازيهم خير جزاء، وأن يلقى قبولاً من المواطنين عامة، ويكون الاستفتاء عليه في القريب العاجل، فهو يتضمن نصوصاً تحفظ الحقوق و الحريات بعيداً عن أي سلطات وقيود.

بقلم أ. وفاء ميلود ساسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى