الرئيسية

ذكريات التحرير بلسان اصحابها

سميرة البوزيدي

تحل‭ ‬علينا‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة‭ ‬فبراير‭  ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الشجون‭ ‬والذكريات‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬بلادنا‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬البراح‭ ‬نستطلع‭ ‬آراء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬والمثقفين؛‭ ‬حيث‭ ‬وجهنا‭ ‬لهم‭ ‬السؤال‭ ‬التالي

ما‭ ‬ذكرياتكَ‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬وأمنياتك‭ ‬بحلول‭ ‬العام‭ ‬الرابع‭ ‬عشر؟

عبدالله‭ ‬مليطان

كاتب‭ ‬ودكتور‭ ‬جامعي

عندما‭ ‬يلوحُ‭ ‬ضياءُ‭ ‬هذا‭ ‬اليوم،‭ ‬أتذكر‮ ‬‭ ‬الأحداثَ‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجها‭ ‬سريعًا؛‭ ‬لأن‭ ‬صفة‭ ‬العظمة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبتها‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬بيسر،‭ ‬وسهولة‭ ‬إنما‭ ‬كانت‭ ‬نتاج‭ ‬تضحيات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬حصرها،‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأحداث‭ ‬العظيمة‭ ‬قد‭ ‬يتوقف‭ ‬بإرادته‭ ‬عن‭ ‬المضي‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬تاركًا‭ ‬الأمرَ‭ ‬لمن‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يواصل،‭ ‬وربما‭ ‬يُقصى‭ ‬نتيجة‭ ‬بروز‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مَنْ‭ ‬كانوا‭ ‬دون‭ ‬دوره،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستغل‭ ‬الفرصة‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الأحداث‭ ‬مدعيًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سيحصل‭ ‬لولا‭ ‬مساهمته،‭ ‬بل‭ ‬يقفز‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭ ‬ليقود‭ ‬المسيرة‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬فبراير‭ ‬التي‭ ‬تأخرتْ‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬فيه‭.‬

فبراير‭ ‬بأدق‭ ‬المقاييس‭ ‬حدثٌ‭ ‬عظيم،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬كأي‭ ‬حدث‭ ‬عظيم‭ ‬أن‭ ‬تتأخر‭ ‬نتائجها؛‭ ‬لأنها‭ ‬ولدتْ‭ ‬بعد‭ ‬حمل‭ ‬عسير‭ ‬استمر‭ ‬لسنوات‭ ‬مثقلاً‭ ‬بمرارة‭ ‬المعاناة،‭ ‬وقسوة‭ ‬الظروف،‭ ‬وعندما‭ ‬أوشك‭ ‬الحدث‭ ‬على‭ ‬نهايته‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬ممن‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬صنعه‭ ‬قد‭ ‬غادر‭ ‬عالمنا‭ ‬شهيداً‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬آثر‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬حيث‭ ‬كان؛‭ ‬لأنه‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬مهمته‭ ‬قد‭ ‬انتهتْ،‭ ‬وهو‭ ‬يعي‭ ‬تمامًا‭ ‬بأنه‭ ‬كما‭ ‬للثورة‭ ‬رجال‭ ‬للدولة‭ – ‬أيضًا‭ -‬رجالها،‭ ‬وبعض‭ ‬منهم‭ ‬بسبب‭ ‬خلفية‭ ‬بروز‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬تم‭ ‬اقصاؤه‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬فعن‭ ‬المشهد‭.‬

لذلك‭ ‬لو‭ ‬اتجهتَ‭ ‬يمنةً‭ ‬أو‭ ‬يسرى‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث‭ ‬العظيم،‭ ‬كائنات‭ ‬تجيد‭ ‬القفز‭ ‬من‭ ‬مركب‭ ‬لآخر،‭ ‬قفزت‭ ‬على‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬صناعته‭ ‬بشيء،‭ ‬بل‭ ‬تُسهم‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تعطيل‭ ‬ظهور‭ ‬نتائجه،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بفبراير‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬أقولها‭ ‬وباختصار‭ )‬مع‭ ‬الفارق‭(: ‬الإسلامُ‭ ‬عظيم،‭ ‬لكن‭ ‬أئمة‭ ‬السوء‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬يمثله‭.‬

كلمة‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬فبراير‭ ‬

‭- ‬يوسف‭ ‬الغزال‭ / ‬كاتب‭ ‬

قبل‮ ‬17‭ ‬فبراير‮ ‬‭ ‬قام‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ورأيتُ‭ ‬الشوارع‭ ‬تعج‭ ‬بالمتظاهرين،‭ ‬وسمعتُ‭ ‬الهتافات‭ ‬الحماسية،‭ ‬تذكرتُ‭ ‬أبو‭ ‬القاسم‭ ‬الشابي‭ ‬وهو‭ ‬يتغنى‭ ‬بقصيدته‭ :‬

إذا‭ ‬الشعب‭ ‬يومًا‭ ‬أراد‭ ‬الحياة‭ ‬

فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يستجيب‭ ‬القدر

ولا‭ ‬بد‭ ‬لليل‭ ‬أن‭ ‬ينجلي

ولا‭ ‬بد‭ ‬للقيد‭ ‬أن‭ ‬ينكسر

خاف‭ ‬المستبد‭ ‬القذافي‭ ‬من‭ ‬الزحف‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يبشر‭ ‬به‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬عبر‭ ‬إذاعة‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬،‭ ‬وهدَّد‭ ‬ثوار‭ ‬تونس،‭ ‬ووعد‭ ‬بتدمير‭ ‬تونس‭ ‬‭.‬

اتسع‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬انتقل‭ ‬وهج‭ ‬الثورة‭ ‬وفرحة‭ ‬الربيع‭ ‬لمصر‭ ‬،‭ ‬رأيتُ‭ ‬ليبيا‭ ‬مقبرةً‭ ‬مظلمة‭ ‬مليئة‭ ‬بقبور‭ ‬الموتى‭.‬

بعد‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬نهضت‭ ‬الجماهير،‭ ‬واجهت‭ ‬الكتائب‭ ‬المسلحة‭ ‬بالسلاح‭ ‬وسجلت‭ ‬ملحمة‭ ‬خالدة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬ليبيا،‭ ‬تحولت‭ ‬ثورة‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬كتائب‭ ‬مسلحة‭ ‬إلى‭ ‬عقول‭ ‬مسلحة‭ ‬ضد‭ ‬الدكتاتور‭ ‬والحاكم‭ ‬الفرد،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الديموقراطية،‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬سائدة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬أصبح‭ ‬النَّاس‭ ‬أحرارًا‭…‬

ألف‭ ‬مبارك‭ ‬لنا‭ ‬بهذا‭ ‬التحوَّل‭ ‬التاريخي‭ ‬العظيم‭.‬

‭- ‬طاهر‭ ‬بن‭ ‬طاهر‭ / ‬كاتب‭ ‬ودكتور‭ ‬جامعي‭ ‬

في‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬يُخنق‭ ‬الصوت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُولد،‭ ‬وتصبح‭ ‬الكلمات‭ ‬قيدًا‭ ‬على‭ ‬صاحبها‭. ‬تُراقب‭ ‬العيون‭ ‬كل‭ ‬همسة،‭ ‬ويتحوَّل‭ ‬الرأي‭ ‬إلى‭ ‬وشاية،‭ ‬ثم‭ ‬تهبّ‭ ‬الثورة،‭ ‬تُكسر‭ ‬القيود،‭ ‬وتُولد‭ ‬الأحلام،‭ ‬لكن‭ ‬إن‭ ‬خانت‭ ‬وعودها،‭ ‬تصبح‭ ‬الحرية‭ ‬سرابًا‭. ‬يعود‭ ‬الخوف‭ ‬برداء‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬القامع‭ ‬لم‭ ‬يتغير،‭ ‬بل‭ ‬تبدلت‭ ‬أقنعته‭.‬

‭- ‬إدريس‭ ‬القائد‭ / ‬دكتور‭ ‬وكاتب

قد‭ ‬تبدو‭ ‬فبراير‭ ‬بعيدة‭ ‬بعد‭ ‬14‭ ‬عامًا‭ .. ‬ورقم‭ )‬14‭( ‬رقمًا‭ ‬له‭ ‬عدة‭ ‬دلالات‭ ‬بالنسبة‭ ‬ليّ‭ .. ‬فعندما‭ ‬بدأ‭ ‬‮«‬النيتو‮»‬‭ ‬يقصف‭ ‬بلادي‭ ‬وكانت‭ ‬كتائب‭ ‬القذافي‭ ‬تقتل‭ ‬النَّاس‭ ‬وكانت‭ ‬‮«‬الجزيرة‮»‬‭ ‬تصور‭ ‬لنا‭ ‬موت‭ ‬الليبيين‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬14‭ ‬أبريل‭ ‬أُصبتُ‭ ‬بنوبة‭ ‬قلبية‭ ‬احتجتُ‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬دعامة‭ .. ‬وأصبتُ‭ ‬بالسكري‭ .. ‬كانت‭ ‬صور‭ ‬النازحين‭ ‬وخاصة‭ ‬الأطفال‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬الليبيين‭ ‬تملأ‭ ‬شاشات‭ ‬‮«‬الجزيرة‮»‬‭.. ‬لذا‭ ‬قرّرتُ‭ ‬أن‭ ‬اتطوع‭ ‬واذهب‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬التونسية‭ ‬عند‭ ‬مدينة‭ ‬تطاوين،‭ ‬ومنطقة‭ ‬رمادة‭ .. ‬و‭ ‬افتتحتُ‭ ‬عيادة‭ ‬مع‭ ‬زميل‭ ‬ليّ‭ ‬في‭ ‬ميدون‭ ‬نديرها‭ ‬من‭ ‬مالنا‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬التحرير‭ .. ‬وعدتُ‭ ! ‬لأجد‭ ‬أن‭  ‬إحدى‭ ‬الكتائب‭ ‬قد‭ ‬اقتحمتْ‭ ‬عيادتي‭ ‬بطرابلس،‭ ‬وحطمتها‭ ‬وأن‭ ‬مجموعة‭ ‬مسلحة‭ ‬استحوذتْ‭ ‬على‭ ‬مقهى‭ ‬كبير‭ ‬كان‭ ‬لابني‭ ‬وتم‭ ‬تهديده‭ ‬بالقتل‭ ‬إذا‭ ‬طالب‭ ‬بحقوقه‭ .. ‬ثم‭ ‬جاءتْ‭ ‬2014‭ .. ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬14‭ .. ‬خلالها‭ ‬تسببتْ‭ ‬حرب‭ ‬المطار‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬بيتي‭ ‬الذي‭ ‬عشتُ‭ ‬اكافح‭ ‬لبنائه‭ ‬وحرق‭ ‬سياراتي‭ ‬وسرقة‭ ‬وإفساد‭ ‬محتوياته‭ ‬وكل‭ ‬مقتنياتنا‭  .. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنفقتُ‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أملك‭ ‬على‭ ‬صيانته‭ ‬جاءت‭ ‬حرب‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬2019‭ ‬لتحطمه‭ ‬مجددًا‭ ‬وبصورة‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭.. ‬لم‭ ‬تنقضِ‭ ‬مفاجآت‭ ‬فبراير‭ ‬فقد‭ ‬استحوذ‭ ‬مسلحون‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬أملكها‭ ‬على‭ ‬شط‭ ‬البحر‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬ويشغلونها‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ .. ‬وإذا‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يكفِ‭ ‬فقد‭ ‬هاجر‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتي‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرَّض‭ ‬أحد‭ ‬ابنائي‭ ‬إلى‭ ‬الرصاص‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭.. ‬

هذه‭ ‬ذكرياتي‭ ‬بمناسبة‭ ‬الذكرى‭ ‬14‭ ‬لثورة‭ ‬فبراير‭ .. ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬اكره‭ ‬وطني‭ ! .. ‬فحب‭ ‬الوطن‭ ‬زرعه‭ ‬فينا‭ ‬أهلنا‭ ‬ولا‭ ‬يهمنا‭ ‬من‭ ‬يحكم‭ ‬الوطن‭ !! .‬

قالتْ‭ ‬ليّ‭ ‬أمي‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬التسعين‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬إننا‭ ‬نحن‭ ‬الليبيين‭ ‬دائمًا‭ ‬ننتظر‭ ‬في‭ ‬الخير‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ..!.‬

ها‭ ‬أنا‭ ‬انتظر‭ ‬مثلها‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭.‬

‭- ‬مفتاح‭ ‬قناو‭ / ‬كاتب‭ ‬وقانوني‭ ‬

الحقيقة‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬استطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬بإن‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬أحداث‭ ‬ثورة‭ ‬فبراير‭ ‬هو‭ ‬قليل‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬الإحباط‮ ‬‭ ‬التي‭ ‬نتجتْ‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬فبراير،‭ ‬وانتجتْ‭ ‬فوضى‭ ‬السلاح‭ ‬ضياع‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬للحكم؛‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬مَنْ‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬مجرد‭ ‬واجهة‭ ‬لحكام‭ ‬آخرين‭ ‬لا‭ ‬يظهرون‭ ‬في‭ ‬العلن‭ .. ‬لكن‭ ‬استطيع‭ ‬أن‭  ‬أقول‭ ‬بإن‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬هو‭ ‬اعتصام‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الخارجية‭ ‬لمجمع‭ ‬المحاكم‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬فبراير،‭ ‬وتنديدهم‭ ‬العلني‭ ‬بقمع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬وإطلاق‭ ‬الرصاص‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ .‬

حيث‭ ‬سارع‭ ‬رئيس‭ ‬النظام‭ ‬بإرسال‭ ‬أمين‭ ‬مؤتمر‭ ‬الشعب‭ ‬العام‭ ‬محمد‭ ‬الزوي‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬المعتصمين‭ ‬والنظر‭ ‬في‭ ‬طلباتهم‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النَّار‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المحامين‭ ‬المقبوض‭ ‬عليهما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬وهما‭ ‬المحامي‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬غوقة،‭ ‬والمحامي‭ ‬فتحي‭ ‬تربل‭.‬

وبالفعل‭ ‬لم‭ ‬ينفض‭ ‬الاعتصام‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اتصل‭ ‬عبدالحفيظ‭ ‬غوقة‭ ‬بالمعتصمين‭ ‬وذكر‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬أصبح‭ ‬حرًا‭ ‬طليقًا‭.‬

هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬عندي‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ .‬

‭- ‬الناشر‭ ‬الأستاذ‭ / ‬غسان‭ ‬الفرجاني‭ ‬

ذكرياتي‭ ‬تبدو‭ ‬بعيدة‭ ‬بعد‭ ‬حياة‭ ‬أخرى،‭ ‬لما‭ ‬جتنا‭ ‬فبراير‭ ‬كنتُ‮ ‬‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬وكنا‭ ‬فرحين،‭ ‬وواكبنا‭ ‬وشاركنا‭ ‬وتابعنا‭ ‬الأخبار‭ ‬واتصلنا‭ ‬بالأحباب‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬عدتُ‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬2021ب‭ ‬عد‭ ‬غياب‭ ‬طويل‭ ‬جدًا‭ ‬مليء‭ ‬بالأمل‭ ‬الحذر‭ ‬قلق‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬بخصوص‭ ‬المستقبل‭ ‬احساس‭ ‬مشوب‭ ‬‮«‬بالديجاڤو‮»‬‭ ‬خوف‭ ‬على‭ ‬الحريات‭ ‬وخوف‭ ‬من‭ ‬الفساد‭.‬

تعرفي‭ ‬أنني‭ ‬اشتغل‭ ‬بالكتب‭ ‬نشرًا‭ ‬وتوزيعًا،‭ ‬كنتُ‭ ‬دائمًا‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬المهجر،‭ ‬اؤمن‭ ‬بأننا‭ ‬نفتقد‭ ‬بلدنا‭ ‬ليبيا‭ ‬كعمود‭ ‬فقري‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهذه‭ ‬الصناعة،‭ ‬أثناء‭ ‬عصر‭ ‬القذافي‭ ‬أممتْ‭ ‬مكتباتنا‭ ‬ودار‭ ‬النشر‭ ‬وحتى‭ ‬الكتب‭ ‬استولى‭ ‬عليها،‭ ‬جاءتْ‭ ‬فبراير،‭ ‬وتعلقنا‭ ‬بالأمل‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬المساحة‭ ‬مازالت‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬واجد‭ ‬نفسي‭ ‬مضطر‭ ‬إلى‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬وطني‭.‬

ولن‭ ‬استرسل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الآن‭ ‬لأنه‭ ‬اعتقد‭ ‬غير‭ ‬مجدٍ،‭ ‬والحال‭ ‬من‭ ‬بعضه‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأشياء‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالثقافة،‭ ‬لكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سردته‭ ‬احب‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬ومازلت‭ ‬مشتاق‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬وأنا‭ ‬صغير‭ ‬السن،‭ ‬ومازلتُ‭ ‬اكتشف‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬أماكنها‭ ‬القديمة‭.. ‬خوفي‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬لدينا‭. ‬

‭- ‬عبدالله‭ ‬الماي‭ ‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬يئس‭ ‬الناس‭ ‬وظنوا‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬الا‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬يتحكم‭ ‬بالمصائر،‭ ‬واصبحت‭ ‬التورة‭ ‬والتغيير‭ ‬حلما‭ ‬مستبعدا،‭ ‬جاء‭ ‬فبراير‭ ‬الأغر‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬ورسم‭ ‬الابتسام‭ ‬على‭ ‬الشفاه‭ ‬اليابسة‭ ‬وعشنا‭ ‬انطلاق‭ ‬ثورته‭ ‬الشبابية‭ ‬بابتهاج‭ ‬وتتبعنا‭ ‬على‭ ‬قلق‭ ‬احداثها‭ ‬وتطوراتها‭ ‬المتضاربة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬امل‭ ‬في‭ ‬النصر‭ ‬ويأس‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬قوات‭ ‬النظام‭ ‬الضاربة،‭ ‬لكن‭ ‬الشبيبة‭ ‬بعزيمتهم‭ ‬الصلبة‭ ‬بذلوا‭ ‬الدماء‭ ‬والأرواح‭ ‬رخيصة‭ ‬لتحقيق‭ ‬النصر‭ ‬المأمول،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬القت‭ ‬فيه‭ ‬قوات‭ ‬النظام‭ ‬باسلحتها‭ ‬وهي‭ ‬راضية‭ ‬والتزم‭ ‬اغلبهم‭ ‬بيوتهم‭ ‬ربما‭ ‬خجلا‭ ‬من‭ ‬الموقف‭ ‬الخاطئ‭ ‬الذي‭ ‬وجدوا‭ ‬انفسهم‭ ‬فيه،‭ ‬وانتصرت‭ ‬الثورة‭ ‬المباركة،‭ ‬لكن‭ ‬الثورة‭ ‬الحقة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬فساد‭ ‬ضارب،‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يأتي‭ ‬اول‭ ‬عهدها‭ ‬امتدادا‭ ‬لما‭ ‬قبله‭ ‬،‭ ‬عكس‭ ‬الثورة‭ ‬المزيفة‭ ‬كالانقلابات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬ببداية‭ ‬حسنة‭ ‬مبشرة‭ ‬لمخادعة‭ ‬شعبها‭ ‬والتماس‭ ‬تأييده،‭ ‬وفي‭ ‬العاقبة‭ ‬تظهر‭ ‬حقيقتها‭ ‬الكارثية‭..‬

‭- ‬انتصار‭ ‬بوراوي‭ . ‬كاتبة

نستقبل‭ ‬ذكرى‭  ‬ثورة‭  ‬17‭  ‬فبراير‭  ‬فى‭ ‬عامها‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭  ‬ومعها‭ ‬تهطل‭ ‬ذكريات‭ ‬الفرح‭ ‬الغامر‭  ‬والأحلام‭ ‬الكبيرة‭ ‬التى‭ ‬اعتقدنا‭ ‬بأنها‭ ‬ستتحقق‭ ‬بمجرد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬القذافي‭  ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬جاثم‭ ‬فوق‭ ‬صدر‭ ‬الوطن‭ ‬طيلة‭ ‬42‭  ‬عام‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الحريات‭ ‬وإلغاء‭ ‬الدستور‭ ‬وتحريم‭ ‬الأحزاب‭ ‬وتجريمها‭ ‬ومنع‭ ‬الانتخابات‭ ‬

حلمنا‭ ‬وبعض‭ ‬الأحلام‭ ‬خطيئة‭ ‬بأن‭ ‬الأمور‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬ستكون‭ ‬بخير‭ ‬وستسير‭  ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬التقدم‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادى‭  ‬ولكن‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬انقلبت‭ ‬ودخلت‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬سياسى‭ ‬واقتصادى‭  ‬وتمسكت‭ ‬التشكيلات‭ ‬المسلحة‭ ‬بمراكز‭ ‬نفوذها‭ ‬وفشل‭ ‬الساسة‭ ‬فى‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وتشريعية‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬ولكن‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬العوائق‭ ‬والاحباطات‭ ‬لازال‭ ‬هناك‭ ‬أمل‭ ‬كبير‭ ‬بأن‭ ‬تتحقق‭ ‬أهداف‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬فبراير‭ ‬فى‭ ‬الانتقال‭ ‬السلمى‭ ‬للسلطة‭ ‬وتكوين‭ ‬حكومة‭ ‬واحدة‭ ‬للبلاد‭ ‬وإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وتشريعية‭ ‬و‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬يرتضيه‭ ‬أغلب‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب‭  ‬وحلول‭ ‬ذكرى‭ ‬ثورة17‭ ‬فبراير‭  ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬دونا‭ ‬عن‭  ‬كل‭ ‬الأعوام‭ ‬السابقة‭   ‬يجدد‭ ‬الآمال‭ ‬بأن‭ ‬تتحقق‭ ‬أهدافها‭ ‬الكبيرة‭ ‬ويلتم‭ ‬شمل‭ ‬الوطن‭ ‬وتتحقق‭ ‬الآمال‭ ‬العريضة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التحديات‭ ‬ومهما‭ ‬طال‭ ‬المشوار‭ ‬فى‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيقها‭.‬

‭- ‬الاستاذ‭ ‬عماد‭ ‬الهصك‭ ‬دكتور‭ ‬جامعي‭ ‬وناقد‭ ‬

على‭ ‬فكرة‭ ‬قد‭ ‬تنتقل‭ ‬الشعوب‭ ‬المتعطشة‭ ‬للحرية‭ ‬من‭ ‬دكتاتورية‭ ‬الكره‭ ‬إلى‭ ‬دكتاتورية‭ ‬الحب؛‭ ‬لتأتي‭ ‬الثانية‭ ‬ردةَ‭ ‬فعلٍ‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عنيفة‭ ‬على‭ ‬الأولى،‭ ‬وقد‭ ‬تتناسى‭ ‬معها‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬مناديةً‭ ‬فيها‭ ‬بالقيم‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تتلاشى‭ ‬فيها‭ ‬فردانية‭ ‬الشخص‭ ‬لصالح‭ ‬مبدأ‭ ‬المؤسساتية،‭ ‬فتلك‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لم‭ ‬تصنع‭ ‬شيئًا،‭ ‬سوى‭ ‬أنها‮ ‬‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬دكتاتور‭ ‬تبغضه‭ ‬وأتت‭ ‬بآخر‭ ‬تحبه‭ ‬قد‭ ‬صنعته‭ ‬على‭ ‬عينها،‭ ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬عقودًا‭ ‬طويلة‭ ‬تقدس‭ ‬فردًا‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬شعوب‭ ‬تؤمن‭ ‬بمبدأ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تنظيرًا‭ ‬وممارسةً،‭ ‬فالانتقال‭ ‬بين‭ ‬الحالتين‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬مجتمعي‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلًا،‭ ‬وجهود‭ ‬مضنية،‭ ‬تأسيس‭ ‬تشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬تثقيفًا‭ ‬وتعليمًا‭ ‬وإعلامًا،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬للشعوب‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تحولًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬جذريًا،‭ ‬وهو‭ ‬العائق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬أكثر‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭.‬

كل‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬السنوات‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى‭ ‬والموجة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الثورة،‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتح‭ ‬لغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تشظت‭ ‬إلى‭ ‬نموذجين‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬فالأول‭ ‬ثورات‭ ‬تلاشت‭ ‬إلى‭ ‬العدم‭ ‬واستدار‭ ‬بها‭ ‬الزمن‭ ‬لترجع‭ ‬إلى‭ ‬مربعها‭ ‬الأول،‭ ‬والثاني‭ ‬ثورات‭ ‬تاهت‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭.‬

الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬يمكن‭ ‬تعميمه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اجتاحتها‭ ‬موجة‭ ‬الثورات‭ ‬العارمة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬أيًا‭ ‬منها‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬كل‭ ‬أهدافها‭ ‬مادامت‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬لاتزال‭ ‬واقعة‭ ‬في‭ ‬شراك‭ ‬الفردية‭ ‬الضيقة‭ ‬ولم‭ ‬تتجاوز‭ ‬تلك‭ ‬العقبة‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬الدولة‭ ‬كنظام‭ ‬شمولي‭ ‬يتساوى‭ ‬فيه‭ ‬الجميع،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬المنازعة‭ ‬والمغالبة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬كذلك‭ ‬دون‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬مرجعية‭ ‬سياسية‭ ‬سواء‭.‬

إنه‭ ‬النجم‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬لفبراير‭ ‬فى‭ ‬سماء‭ ‬الوطن‭ ..‬

‭- ‬محمد‭ ‬عبدالسلام‭ ‬أبوالطويرات‭ :‬

الذكريات‭ ‬كثيرة‭ ‬وما‭ ‬علق‭ ‬منها‭ ‬ليس‭ ‬بالقليل‭ .. ‬فالآمال‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬وكثيرة‭ ‬جدا‭ ‬،‭ ‬والأحلام‭ ‬كانت‭ ‬أكبر‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬نعبر‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ .‬

لكن‭ .. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬حسابات‭ ‬الكثيرين‭ ‬وليس‭ ‬البعض‭ ‬،‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬كنا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬معنا‭ ‬ومن‭ ‬بيننا‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬أعينهم‭ ‬وتفكيرهم‭ ‬وأمانيه‭ ‬كانت‭ ‬تختلف‭ ‬عنا‭ ‬كثيرا‭ ..  ‬ونحن‭ ‬لم‭ ‬ننتبه‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬نشوة‭ ‬النصر‭ ‬قد‭ ‬أغرقتنا‭ ‬وضجيج‭ ‬الأحداث‭ ‬المتسارعة‭ ‬جرف‭ ‬كل‭ ‬شىء‭ .‬

أذكر‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نكثرث‭ ‬بما‭ ‬يجرى‭ ‬فى‭ ‬كواليس‭ ‬وسراديب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطنى‭ ‬وكغيرى‭ ‬كثيرون‭ ‬لم‭ ‬يتعبوا‭ ‬أنفيسهم‭ ‬حتى‭ ‬بالذهاب‭ ‬لرؤية‭  ‬وإستطلاع‭ ‬ما‭ ‬يجرى‭ ‬،‭ ‬عاد‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬الشرفاء‭ ‬إلى‭ ‬أعمالهم‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬وتراجع‭ ‬الخيرون‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬لأنهم‭ ‬رأوا‭ ‬تجاذب‭ ‬المنتفعين‭ ‬وتسلق‭ ‬المزيفين‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬الأحداث‭ ‬،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطأ‭ ‬الذى‭ ‬إقترفه‭ ‬الكثيرون‭ ‬منا‭ … ‬فأولئك‭ ‬وجدوها‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬وغنيمة‭ ‬سهلة‭ ‬فعادوا‭ ‬كما‭ ‬كاوا‭ ‬،‭ ‬فعلا‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ … ‬لأنه‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬فوجىء‭ ‬الكثيرون‭ ‬منا‭ ‬أنهم‭ ‬عادوا‭ ‬لنفس‭ ‬وظائفهم‭ ‬وأماكنهم‭ ‬ومارسوا‭ ‬علانية‭ ‬وسرا‭ ‬حربا‭ ‬ضروسا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬إلى‭ ‬الأحسن‭ ‬،‭ ‬فغرقت‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الظلام‭ ‬الذى‭ ‬عم‭ ‬كل‭ ‬طرق‭ ‬المستقبل‭ .‬

لازلنا‭ ‬حتى‭ ‬الساعة‭ ‬ندور‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الحلقة‭ ‬المفرغة‭ ‬،‭ ‬فتلك‭ ‬الأجسام‭ ‬البالية‭ ‬المهترئة‭ ‬لم‭ ‬تسقط‭ ‬بل‭ ‬عاودت‭ ‬الظهور‭ ‬وتمسكت‭ ‬بتلك‭ ‬الأماكن‭ ‬وتمترست‭ ‬خلفها‭ ‬،‭ ‬وتلك‭ ‬الوجوه‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬الظهور‭ ‬بل‭ ‬وتكررت‭ ‬تلك‭ ‬الاشارات‭ ‬المنذرة‭ ‬بسؤ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ !!!!‬

لا‭ ‬يبدو‭ ‬الحرف‭ ‬أو‭ ‬الكلمة‭ ‬قادرة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تقيس‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬محددة‭ ‬لتشير‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جيد‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬سيىء‭ ‬فعلا‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العيب‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬بل‭ ‬بنا‭ ‬نحن‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أجدى‭ ‬وأنفع‭ .. ‬

يبدو‭ ‬السؤال‭ ‬كبيرا‭ ‬عندما‭ ‬نقول‭ ..‬هل‭ ‬سرقت‭ ‬فبراير‭ ‬؟‭!!! ‬ستكون‭ ‬الإجابة‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬أن‭ ‬قلنا‭ ‬نعم‭ ‬ولا‭ !!! ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬فبراير‭ ‬التى‭ ‬حلمنا‭ ‬بها‭ ‬،‭ ‬وليست‭ ‬فبراير‭ ‬التى‭ ‬ملئت‭ ‬قلوبنا‭ ‬فرحا‭ ‬عندما‭ ‬خرجنا‭ ‬نساءا‭ ‬ورجالا‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬فى‭ ‬مشهد‭ ‬عفوى‭ ‬تجدد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ … ‬كلنا‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬ويشعر‭ ‬به‭ ‬وأن‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬علنا‭ ‬لكن‭ ‬لنفسه‭ ‬واضحة‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ …‬

مرة‭ ‬أخرى‭ .. ‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬إستعادتها‭ .. ‬أعنى‭ ‬فبراير‭ .. ‬نعم‭ .. ‬يمكن‭ ‬ذلك‭ ‬يحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬لثلة‭ ‬من‭ ‬الإنقياء‭ ‬وثلة‭ ‬من‭ ‬الشرفاء‭ ‬والقليل‭ ‬ممن‭ ‬ينتمون‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬وبعضا‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنفيذ‭ .. ‬

أخيرا‭ ‬وليس‭ ‬بآخر‭ .. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬نؤمن‭ ‬بها‭ ‬،‭ ‬ونعتبرها‭ ‬مرحلة‭ ‬هامة‭ ‬فى‭ ‬عمر‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أو‭ ‬يمكننى‭ ‬شخصيا‭ ‬الحياد‭ ‬عنها‭ ‬،‭ ‬لأننى‭ ‬أنتمى‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬بلا‭ ‬جهوية‭ ‬أو‭ ‬قبلية‭ ‬أو‭ ‬حزبية‭ ‬أو‭ ‬توجه‭ ‬سياسى‭ . ‬

كل‭ ‬ما‭ ‬يمككنى‭ ‬قوله‭ ‬أنها‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ .. ‬قد‭ ‬يراها‭ ‬البعض‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬الفارق‭ .. ‬لكنها‭ ‬تبقى‭ ‬نجما‭ ‬آخر‭ ‬أراه‭ ‬فى‭ ‬سماء‭ ‬الوطن‭ .. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى