يرى يوسف الشريف في كتابه (المنقذ في العملية التعليمية) أن إصلاحها يقتضي خلق الأرضية الضامنة لنجاحها وذلك لا يكون من وجهة نظره إلا إذا توافرت شروط منها أن يكون التلميذ مشاركا فيها وليس متلقيا لها، وهذا يعني أن مصادرة قدراته العقلية أو الاستهانة بتأثيرها في تنمية معارفه ووعيه لن تجعل منه رجلا يساهم في بناء مستقبل بلاده، وعندما نقول مشاركا فيها نعني التوقف نهائيا عن تكليفه بالواجبات البيتية كي يصبح الفصل هو البيئة الأولى التي يتفاعل فيها التلميذ مع الموجه ومع التلاميذ، كذلك الموجه يجب أن يكون خادما لأسئلة التلميذ بالشرح والتوجيه والتفسير دون أن يحدد مسارات معينة يقرر هو من أين تبدأ وأين تنتهي، هذه المسارات، وهذا يعني إفساح المجال أمامه للكشف عن اهتماماته ومهاراته التي تكشف عن نزعاته العلمية والأدبية؛ بل وحتى نزعاته وميوله الاجتماعية بجوانبها المتعددة وقبل كل شيء عن أسئلته لأن عقله في هذه المرحلة التعليمية يبدأ في مواجهة أسئلة كثيرة ويهمه أن يجد من يستمع إليها ويشاركه التفكير فيها.
العقل التعليمي
يقف الأديب الراحل في مسارات خطوطه البحثية عند السؤال الرئيس أين نجد العقل التعليمي..؟ ويجيب محللا أن هذا السؤال الإجباري هو المنتج لكل أسئلة القطاعات التعليمية، ومهما تنوعت واختلفت واتفقت أو تصادمت؛ لكنه مؤجل لغياب شرط وجوده «العقل الحر»، هذا الغياب تجسد في مصادرة عقل التلميذ عن كل مجريات العملية التعليمية حتى تحول إلى مجرد وعاء استقبال لكل ما نعتقد أنه يصنع منه إنسانا سويا ومواطنا صالحا، أقول هذا بعد مسيرة استهلكت سنين تعد بالعقود من عمري عبر طفولتها خاصة في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي. ويخلص إلى بُعد آخر مهم في ترقية خيال الطفل وهو أن ملكة التفكير لا ملكة الحفظ والتلقين هذه هي المادة الأولى في دستور العملية التعليمية وأي دفاع عن ما عداها إنما هو دفاع عن الجهل والظلام كما أن السنوات الثلاثة الأولى أهم أسس العملية التعليمية وترتكز على إطلاق عقل الطفل ليمارس البحث عن المعرفة وفق حاجة جسمه وعقله وفي فضاء لا يحد من حركته، هذا يعني أن الكتاب والكراسة والقلم التقليدي لا وجود لها، والبديل هو التعلم بواسطة المجسمات والأشكال الهندسية والمكعبات اللغوية بمختلف أحجامها وألوانها وألواح الكتابة لتعلم كتابة الحروف والكلمات والأرقام، كل هذا مع وسائل التعلم الأخرى ومنها التلفزيون لعرض البرامج الترفيهية والتعليمية، والنتيجة النهائية لهذه المرحلة أن الطفل ومع انتهاء السنة الثالثة يجب أن يكون قادرًا على الكتابة والقراءة والقيام بالعمليات الحسابية البسيطة، كل هذا مرتبط بمعلم هذه المرحلة وهو أقرب للموجه منه للمعلم وفق معايير ثقافية بالدرجة الأولى. وهي أن الطفل الذي لا يسأل هو طفل غير سوي، ذلك لأن مفردات المحيط الذي يعيش فيه ويتفاعل معه ويأخذ منه وتتكون فيه شخصيته لا بد وأن يثير في عقله ووجدانه أسئلة كثيرة لأن الإنسان لا يتآلف مع محيط لا يعرفه ولا يقبله، فهو يسأل عن الشمس والقمر ويسأل لماذا يأتي الليل وأين تذهب الشمس ولماذا لا يسقط القمر، يسأل لماذا الذي في جسده غير الذي في جسد أخته، يسأل من أين جاء ولماذا لا ينام في غرفة نوم أمه وأبيه، يسأل لماذا والد صديقه يملك سيارة كبيرة فيما والده هو يملك سيارة صغيرة، هكذا، وينتهي في خلاصته أن عقلنا عاجز عن تحقيق ثقافة متكاملة للطفل، تعليمية،بدنية، عقلية، نفسية، اجتماعية وتربوية، ومن هنا اعتقدنا بحرج أسئلة الأطفال واحتمينا بوسائل متعددة للهروب منها مثل: «لما تكبر تعرف» «عيب» «اسأل المعلم» أو «إياك أن تسأل هذا السؤال مرة ثانية.
محاولة للاكتشاف
يقف الكاتب رمضان سليم عند المضمون الفلسفي الذي يرسمه غلاف كتاب «الأيام الجنوبية» والتقسيم الزمني الذي يعكسه؛ حيث يمثل الجزء العلوي صورة الكاتب وهو يرتدي المعطف عندما كان طالبا، ثم صورته في مرحلة متقدمة من العمر بالجزء السفلي للغلاف، فهو يقدم لنا مقارنة بين زمنين، وعالمين في عالم، أو تجربة يوسف الصغير التي كونت وعي يوسف الكبير.
ويشير في ملاحظته إلى أن الرحلة هي محاولة للاكتشاف وفهم الحياة بصورة أعمق، لطفل كان يعيش في زنقة الباز بطرابلس، ليجد نفسه في نقلة فلكية بـ«ونزريك» سنة 1957. مضيفا أنه على المستوى النصي يمكن مقاربتها سرديا من أسلوب ما يمكن تسميته رواية الطريق في مرحلة أولى من السيرة، ثم تتجه لتقنيات رواية المكان في مرحلة لاحقة عند نقطة الوصول.
ويلمح الكاتب رضا بن موسى إلى أنه محاولة لقراءة سيرة الأيام الجنوبية، حيث مثلت ونزريك صيرورة الذات وتجربتها المبكرة، فنقرأ عن سيرة الفتى الواعد في مرحلة مفصلية يحتدم فيها الصراع بين واقع أليم، وآخر أراد أن يكون للوجود معنى.
ويخلص بن موسى إلى أنه في كل تلك الانفعالات والأفكار والأحلام، تتمظهر الصورة الأبرز لملامح السيرة، مصاغة في السؤال المسكون بالإجابة، كيف نغير العالم؟ ويضيف في ملاحظة أن الكتاب يخرج من كونه وثيقة تاريخية، وينحاز إلى ذاتية السيرة بحكم تكوينها الوجداني، وخلفياتها الاجتماعية.
اللغة والمضمون
في مقاربتها المتواضعة لجماليات اللغة والمضمون في مجموعة «حكايات العصافير» الصادرة عن مجلس الثقافة العام «2008»، حاولت الشاعرة حواء القمودي إلقاء الضوء على استغلال الكاتب يوسف الشريف لجماليات اللغة ليرسل من خلالها المعاني والمضامين التي يريد لعقل ذلك القارئ الصغير وتلك القارئة الصغيرة أن يتفتحا عليها ويكتشفا إمكاناتها في إثراء حياتهما، وأول مفتاح هو اختيار الكاتب لهذا الكائن المغرد الصغير القريب إلى النفس الطفلة، هذا العصفور الذي يُثري عشر حكايات، ومن خلاله يضيء الشريف معانيه المنتقاة ومضامينه الهادفة، إذا عشر حكايات، وفي اختيار مفردة «حكاية» انحياز لفعل الصداقة مع هؤلاء القراء والقارئات الصغار، فالحكاية التي تنبثق عن الفعل «حكى» تمنح دلالة الانفتاح على الواقع، فكأن هذا الحدث «المحكي» وقع فعلا، وكأن الكاتب/ هذا السارد، ماهو إلا أب أو جد تتكئ مخيلة الطفولة على ركبته وهو يحكي، وكأن الكاتب حين ابتعد عن كلمة «قصة» أراد أن يجعل من «الحكاية» فعل مشاركة يستطيع الطفل أن يضيف إليه ويرسم تفاصيل أخرى في الحكاية، وقد تنوعت أساليب الكاتب في اختيار مداخل الحكايات.
أول معجم لغوي
ويسلط الناقد يونس الفنادي الضوء على أحد أهم اصدرات الكاتب يوسف الشريف وهو «المُعجم الميسر للأطفال» الذي يعد أول معجم لغوي عربي مصور وموجه للأطفال على مستوى الوطن العربي، قام بإعداده وإصداره سنة 2001 بمدينة طرابلس.
موضحاً أن هذا المعجم التعليمي التربوي يقع في أربعمائة وثمانين «480» صفحة من الحجم الكبير مدعوماً ومعززاً بالعديد من الرسومات الملونة الجميلة الموضحة لكل حرف من حروف الأبجدية العربية «من الألف إلى الياء» وتوظيفها فنياً لتقريب المعاني لذهن الطفل العربي الذي يصر الأستاذ يوسف الشريف على مخاطبته من خلال الحرف والصورة معاً، لتأكيد أهمية أدوات التواصل الحرفي والبصري والسمعي مجتمعة في تعليم الفكر الطفولي والوصول به إلى درجة الاستيعاب والفهم المطلوبة، وبالتالي مساعدته على تحريك عقله ذاتياً والتفكير في دلالات الصور المرسومة لهذا الغرض وغيرها من الأشياء الأخرى.
وأشار الفنادي في إضاءته إلى إجادة الأستاذ يوسف الشريف استعمال لغة مخاطبة مبسطة وهادفة يمرر فيها بكل يسر وسهولة معلومات ومعارف متنوعة للطفل الذي يخاطبه في تقديمه للمعجم «هذا هو «المعجم الميسر للأطفال» لكَ أنتَ أيها الطفل ومن أجلك، كتبتُه لتستفيد منه كما يستفيدُ الكبارُ من معاجمهم، وليكونَ لك رفيقاً في بيتك ومدرستك. ويمكن أيضاً أن يكونَ أهم كتابٍ في مكتبتك، يساعدك ويعطيك المعرفة والمتعة، في أي وقت، وفي أي مكان. وقد حاولتُ فيه، قدر جهدي، أن أجعله بسيطاً في كلماته، واضحاً في معانيه، فشرحتُ لك كلَّ كلمةٍ في أكثر من جملة، ورتبته حسبَ الحروف الهجائية سواء في الحرفِ الأول أو في الحروف التي تأتي بعده، وهو في هذا لا يختلف كثيراً عن معاجم الكبار، وما عليك إلاَّ أن تعرف ترتيب الحروف لتجد الكلمة بكل يسر وبلا عناء».