رسائل مس توللى.. وثيقة اجتماعية وتاريخية
إنتصار بوراوى
كتاب «عشر سنوات في بلاط طرابلس « هو في مجمله عبارة عن رسائل كتبتها مس توللى شقيقة المستر ريتشارد توللي، القنصل البريطاني في ليبيا، طيلة عشرة سنوات أقامتها في طرابلس من سنة 1783 الى سنة1793، وفي عام 1816 نُشِرَت الرسائل في كتاب تحت عنوان «قصة عشر سنوات من الإقامة في طرابلس أفريقيا» وبين يدينا للقراءة والعرض نسخة الكتاب الصادرة عن دار الفرجانى التي قام بترجمتها المترجم عمر الديراوي أبو حجلة.
الكتاب وثيقة تاريخية عن مرحلة مهمة من مراحل حكم الأسرة فى ليبيا و القرمانلية بالإضافة لذلك هو وثيقة اجتماعية عن طريقة حياة الباشوات ،وأهل الحكم بالقلعة بأسلوب أدبى وسرد قصصي جميل، فالكاتبة لا تغفل أي تفصيل من تفاصيل الحياة الاجتماعية بالقلعة بدون أن تذكرها ولديها قدرة سردية بارعة فى التقاط تفاصيل الملابس التي يرتديها الباشوات والاميرات وعموم الناس داخل مدينة طرابلس بالإضافة إلى تفاصيل ، الأثاث والفرش والارائك والأواني المنزلية المطهمة بالذهب والفضة بالقلعة.
وباء الطاعون يجتاح مدينة طرابلس
تصف الكاتبة مرض الطاعون الذي اجتاح مدينة طرابلس فى شهر مايو 1785 فى إحدى رسائلها بقولها «قضى الطاعون الآن على سكان هذه البلاد، وأخلاها فكان أقسى عليها من وباء الطاعون الذى اصاب القسنطينة منذ قرون خلت، وظهر في نتيجة البرهان الإحصائي أنه أهلك ضعف النسبة لعدد أولئك الذين، ماتوا من نفس الوباء أخيرا في تونس حيث كانت تحمل جثة خمسمائة شخص، كل يوم منها وتجاوز اليوم عدد الموتى المائتين بطرابلس.
مقتل البك حسن على يد أخيه يوسف
تروى مس توللى تفاصيل مقتل البك حسن والى طرابلس على يد أخيه الأمير يوسف الذى كان يعد العدة لذلك منذ زمن وبيت النية على قتل أخيه كى يستولى على حكم طرابلس ونجح في تنفيذ خطته في يوم 2 أغسطس 1790م
كان الأمير يوسف يرى فى نفسه الأحقية ،فى حكم طرابلس والبلاد ويرى بأن وجود أخيه البيك حسن ، عثرة فى طريقه فدبر مكيدة واوهم والدته ،بأنه قادم للمصالحة مع أخيه وطلب من والدته استدعاء أخيه البيك كى يتصالح معه وعندما حضر أخيه وجلس معه أدعى مصالحته ثم نهض من مقعده ودعا خادمه لتقديم القرآن الكريم، وبداخله المسدس وأطلق النار على أخيه الجالس بجانب والدته وأرداه قتيلا ثم فر من القصر، وقتل في طريق هروبه الكيخيا ،واستمر الأمير يوسف هاربا من القلعة إلى أن التقاه أخيه البيك أحمد وتصالحا واعترف بأخيه كبيك على طرابلس خلفا لأخيه الأكبر المقتول البيك حسن.
زحف الأمير يوسف على طرابلس
فى شهر يونيو من عام 1791زحف الأمير يوسف، على طرابلس فى ثلاثمائة رجل وأصدر الباشا اوامره بالتصدي للأمير يوسف ،وقواته وأرسل إلى حكام المنشية يطلب إليهم القدوم برجالهم للدفاع عن المدينة ولكن الباشا يوسف هددهم بأنه سيقتل عائلاتهم ويحرق بساتينهم إذا تحركوا من مكانهم
دخول على بن زول إلى طرابلس
تذكر مس توللى بأنه فى يوم 29يوليو من عام 1793 وهم يتجهزون للخروج من طرابلس هربا من الحصار والحرب التي يقودها الأمير يوسف باشا عليها رأوا أسطول من المراكب التركية ترسو في الميناء، وسرعان ماوصل الخبر بأن رجلا تركيا اسمه على بن زول كان على ظهر أحد تلك المراكب ومعه فرمان من السلطان العثماني يأمر بعزل الباشا وتوليته مكانه على العرش ودخل الاتراك للمدينة وتم ترحيل عائلة القرمانلى واستبدلت ،جميع الرايات العربية بأخرى تركية ورفع الهلال القرمزي ذو الهلال وسطه في كل مكان بالمدينة
وتذكر مس توللى في أخر رسائلها بالكتاب، بأن أحد شيوخ القبائل أخبرها قبل ان تخرج من طرابلس بأن الباشا والبك والأمير يوسف موجودون فى أحد البساتين المحيطة بطرابلس ولقد تخالفوا مع البدو والمغاربة، واتفقوا على أن يجردوا التركي من كل خبرات المنشية ولكنهم تراجعوا إلى تونس، لاقناع التونسيين بالوقوف معهم فى قضيتهم وخاصة إن الفظائع التي ارتكبها ،على بن زول قد بلغت السلطان وعلم بأنه نصب نفسه باشا دون فرمان رسمي منه، فبعث لحكام الايالات الإفريقية يأمرهم بالحرب ضد الباشا المزيف الذى اغتصب طرابلس بالتدليس واستعدت تونس لأرسال 10 الاف رجل مسلح ،بقيادة البك احمد والأمير يوسف لطرد على بن زول من طرابلس وفعلا عاد البك احمد والامير يوسف ،من تونس بقوات كبيرة الى طرابلس وطردوا الغاصب التركى منها ،ولكن ما ان تم طرد الغاصب على بن زول وخضعت البلاد للعائلة القرناملية مجددا ،حتى نفذ الأمير يوسف مشروعا بإقصاء أخيه البك أحمد من ولاية طرابلس وعن حقه فى العرش ،حيث قام بأغلاق البوابات في وجه أخيه البك احمد والى طرابلس ،وطلب منه أن يتوجه إلى درنة حيث يمكنه أن يكون بيك على تلك المدينة، اما إذا رفض فسيقتله أمام اسوار المدينة وتوجه بيك ووالى طرابلس وولى العهد إلى مدينة درنة، وترك أخيه ليتولى حكم طرابلس والعرش وبذلك نال الأمير يوسف بالخديعة مالم يناله بالحرب وتولى عرش إيالة طرابلس كما تذكر المؤلفة مس توللى فى نهاية كتابها ورسائلها الرائعة التي سردت فيها بالتفصيل تاريخ حقبة عقد كامل من الحياة الاجتماعية والسياسية في طرابلس خلال عقد كامل من أواخر القرن الثامن عشر