انشغلت الدول الكبرى بامتلاك الأسلحة والردع النووي وغزو الفضاء الخارجي حتى داهمت كورونا الكرة الأرضية وأدت إلى حدوث طفرة عالمية في الحركة الرقمية..حيث أكدت تقارير أن الفيديوهات عبر الإنترنت شكلت ثلثي التنقل داخل الشبكة العنكبوتية..كما حصل تزاحم على تنزيلات تطبيقات الأعمال والتعليم والصحة والتمويل..وجذبت منصات كثيرة مناشط مثل عقد الاجتماعات وإدارة الملفات عن بُعد..كما أدت الجائحة إلى تسريع وتيرة التعاملات المالية الرقمية والتسوق عبر الإنترنت..مما أحدث تحولاً كبيراً في قطاع التجارة..
يوجد اتجاهان يساهمان في تشكيل المستقبل وهما بنية الديجيتل التحتية واكتساح الذكاء الاصطناعي..حيث تعمل التكنولوجيا الرقمية والإصطناعية على إحداث تغيير متسارع..لكن لاتزال هناك فوارق رقمية بين البلدان والمؤسسات والأفراد..وهذا يقود إلى تفاقم الفجوة التنموية بين القارات والأقاليم وخاصة بين دول الجوار..ويؤثر ذلك مباشرة على أعضاء التجمعات والتكتلات..فتخلف دولة عن أخرى رقميا يعيقها عن اللحاق بالأجندة المشتركة ويظل تنفيذها حبيس الأدراج..لتبقى الاتفاقيات حبرا على ورق..ولا تشهد أية خطوة أولى بعد التوقيع والمصافحة أمام كاميرات المؤتمرات الصحافية..فلا يمكن في المستقبل القريب للمستشفيات والمدارس والمؤسسات والمجتمعات العمل بدون أدوات رقمية..
وهنا تمتلك بلادنا القدرة على تحمل التكاليف والحصول على الجودة..مثلما تعمل البلدان مرتفعة الدخل على دمج الحلول الرقمية لتبسيط الإجراءات ورفع الكفاءة..بالإستعانة بشركات الأعمال الصغيرة والمتوسطة..فقد حقق قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات مثل الاستشارات التقنية وتطوير البرمجيات نمواً عالميا سريعاً يعادل ضعفي سرعة النمو في بقية قطاعات الاقتصاد..مما أدى إلى خلق فرص عمل بمعدل ستة أضعاف..علما بأن الاقتصادات الأولى في العالم وهي الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة قد استحوذت على 70% من القيمة العالمية المضافة إلى الخدمات المعلوماتية..وقد دفعت تلك القدرة على إنشاء المحتوى وإدارته بإتجاه موازي لنمو الذكاء الاصطناعي..فهو لديه الإمكانية لتسريع وتيرة التنمية والكفاءة وإتاحة الفرص للبلدان النامية بما توفره تطبيقاته من وسائل للتعامل مع مختلف القطاعات..
قد لا تكون ليبيا دولة صناعية عملاقة وليس لديها من مصادر دخل إلا النفط والغاز..في ظل مطالبات دولية بالتقليل تدريجيا من الطاقة الإحفورية..واستبدالها بالطاقات البديلة نظرا لظاهرة الإحتباس الحراري التي تتمدد مع صعوبة السيطرة عليها..وبما أن هناك محاولات محلية جادة لتحقيق التنمية المستدامة فإن الفرصة مواتية بعد الاستغلال الأمثل لثرواتنا لتكون دولتنا من الدول التي تتسابق على التسلح الرقمي..وخاصة في ظل وجود تجارب جديدة لنا تتطلب البناء عليها..فالبشرية وقد عاشت عصورا متتالية من الإجتماع إلى السياسة إلى الاقتصاد..سوف تتولى جمع ثلاثتهم في عصر واحد جيوش من منظومات رقمية يقودها عقل إصطناعي..وختاما أيها السيدات والسادة فيروس الرقمنة الذكي قد وصل ولا مفر من استقباله..