رأي

شَمَّهَا الشَّيْطَان!!! د. رضا محمد جبران

 

لَمْ تَكن البَراءةُ وَحْدَها سِمةَ الطُّفولةِ فِي مُحِيطنا الأُسَريِّ وَالمدرسيِّ الذي نَعيشُ فيه، وَفِي عَلاقاتِنَا المُتناغمةِ بَينَ أقراني فِي المَدرسةِ وَفي الشَّارعِ، وَفِي سَاعاتِ الَّلهوِ الطَّويلةِ، التي لا نَمَلُّها، بَل كانَ يَتخَلَّلُ تِلك الطُّفولةَ شَيءٌ مِن الذَّكاءِ الفِطري، الذي يتمثلُ في الحَذْلَقةِ، وَالمهارةِ، والحِيلِ المُتنوِّعةِ، لِلحُصولِ عَلى أشياءَ صَغيرة، تُناسبُ أَعمارَنا، وَتَفكيرَنا، وَلا تُفسدُ من الوِدِّ قَضيةً بَعد تَواصلنا، إِلا بَقَدرٍ يَسيرٍ، مِن المُشَهِّياتِ وَالأَغراضِ المُلفتةِ لانتِبَاهِنَا، وَالتي تَعكسُ مَدى رَغْبَتِنَا المُلحَّةِ في احتوائها وَاكتسابها من الآخرين بِعَقلِ بريء، وَدُونَ أَيِّ مَجهودٍ بَدَني، وَتكونُ بِدَغْدغةِ المَشاعرِ، وَالتَّشايخِ الطُّفولي الذي يُحقِّقُ سُلطةَ العِلمِ بِمَا لا يَعلمهُ الآخرون، فَمُجْتمعنَا الذي ظَهرتْ فِيهِ عَدالةُ المُساواةِ بَين كُلِّ النَّاسِ، بَدأتْ تَفْضحُهُ بَعضُ حَقائبِ أَصحابِنا فِي المَدرسةِ، فَمَا كُنَّا  نَحْمِلُهُ فِي حَقائبنا مِن طَعامِ الفَطورِ لا يَسُدُّ رَمَقنا، فَنُحاولُ السَّطو عَلى الأَصدقاءِ بِالكَلامِ الجَميلِ المُهذَّبِ، أَو خَلق بعضِ الفَتاوى الطُّفوليَّة، التي تُكْرِهُ مَن يَحملُ فِي حَقيبتهِ أَشياءَ لا نَملكُهَا، كَالشُّكلاطةِ، والتُّفاحِ، وَالموزِ، وَالسَّندوشاتِ المختلفة، خَاصةً إِذا تَمكَّنا مِن إِسْقاطِها مِن أَيديهم، وَنَقولُ لَهم هذه المقولةَ أو الفَتوى التي أَصبحتْ أَداةً سَهلةً لِلحُصولِ عَلى مَا فِي أَيدي غَيْرِنا: ((شَمَّهَا الشَّيْطَان))، والحقيقة لم يكن هناك شيطان ليشمها؛ ولكن ما هي إلا شيطنة مارسناها فاستَوْلينا بِها عَلى قُلوبِ أَصحابِنَا وَزُملائِنا، وَمَن يَدورُ حَولَ حِمانا في المدرسةِ وَالشَّارعِ، وَهَذه الفَتاوى كَانت لا تُحقِّقُ إِلا مَصالحنا آنذَاكَ، وَقَد عَلمتُ مُؤخرًا فَوائدَ عَظِيمةً مِن بَعضِ الأَصدقاءِ الذين ظَهرتْ عَليهم مَلامحُ الالتزامِ وَالتَّدينِ،  بِمُجالستِهم فِي مُناسبات عِدَّةٍ مِثلَ مَوائد الأَفراحِ وَالعَقيقةِ، وَاللقاءاتِ الأُخرى كَالزرادي، مَا يَدحضُ المَقولةَ السَّابقةَ (( شَمَّهَا الشَّيطان))، التي سَعِدنا بِهَا كَثيرًا فِي طُفولَتِنا، حَيثُ كَانوا يَجتهدون عَلى تِلك المَوائدِ بِقَولهم: (( لا تَتركُوا شَيئًا لِلشَّيطانِ)) وَقَولُهم: أَكرمها يا أَخي أَكرَمكَ الله، يَعني قَصعةَ الطَّعامِ، بَارك اللهُ فِيهم عَلى نُصحِهم وَاجتهادَاتهم، وَقد ثَبتَ أَنَّها مُستقاةٌ مِن الحَديث النَّبوي الشَّريف، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ إِذَا أَكَلَ، وَقَالَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى، وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلْيَسْلُتْ أَحَدُكُمُ الصَّحْفَةَ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ  فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةَ »، عَليهِ أَفضلُ الصَّلاةِ وَأَزكى التَّسليمِ، وَنستغفرُ اللهَ عَلى مَا اقتَرفتْ أَيدينا فِي حَقِّ أَصحابِنا، فَلمْ يَكن بِمَقدُورنا فِي طُفولتنا أَن نَسْتغني عَن تِلك الفَتوى المَصلحيَّةِ، وَالحِيلِ المُتنوعةِ بِالتَّربصِ بِطَعامِ غَيرنا، فَقد عِشنا فِي زَمنٍ أَهلُه وَسَاستُهُ مِمن شَقُوا بِالنَّعيمِ، وَنَعموا بِالشَّقاءِ، وكَانوا يُطالبون بِتَغييرِ الحَياةِ التي أَنفوها فِي مَاضيهم، وكَانَ حَجمُ تِلك الُّلقمةِ الوطن الذي اسمه ليبيا، فَسقطَ مِن الأَيدي فَأَكلَهُ المُتربِصُونَ بِه، وَلا يَزالونَ يَأكُلونَهُ حَتَّى يَومنا هَذا، لُقمةً سَائغةً، شَمَّتهُ شَياطينُ الإِنسِ وَالجِنِّ، مِن الوَطنِ وَخَارجهِ، وَلا أَحدَ يَرغبُ في إِماطةِ الأَذى عَنه، وَرَفعهِ بَعدَ وُقوعهِ بِالتَّوافقِ، وَلم الشَّملِ، وَحَقنِ الدِّماءِ، وَالعَودةِ إِلى الدِّينِ القَويمِ، لِيَستمتعَ بهِ الجَميعُ، وَتَعودُ له الحَياةُ مِن جَديد، وَيَسْتَنقِذونَهُ مِن شَرِّ المُتربصينِ بِه، مِمَنْ تَوَهَّمَ وَأَوْهَمَ غَيرَهُ بِأَنَّ الوَطنَ قَد ضَاعَ وَوَقعَ، وَلا يُمكنُ قِيَامه، وَزَيَّنوا نَهْبَه، وَانتهاكَ سِيَادَتِهُ، وَلَكنَّها وَسْوسةٌ سَتَزولُ بِإرادةِ اللهِ، وَبِعزيمةِ الشُّرفاءِ، فاللهم إِنَّا نَعوذُ بِكَ مِن شَياطينِ الإِنسِ وَالجِن، وحَذْلَقةِ السَّاسةِ، وَقَهرِ الرِّجالِ، وَذُلِّ السُّؤالِ، وَنسألكَ المَالَ الحَلالَ، وَنَلجأُ إِليكَ لِتُنقذَ بِلادَنا مِن شَرِّ كُلِّ كَائدٍ، وَمُتَرَبِّصٍ لا يُريدُ الخَيرَ وَالحياةَ لِهَذا الشَّعبِ الكَريمِ المغلوب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى