
مع اقتراب موعد امتحانات النقل في مختلف المدارس الليبية، يجد آلاف الطلبة أنفسهم أمام واحد من أكبر التحديات التعليمية في السنوات الأخيرة وهى غياب الكتاب المدرسي وعدم توزيعه في الوقت المحدد. ورغم أن المشكلة ليست جديدة، فإن حدّتها خلال هذا العام الدراسي بدت أكثر وضوحاً، الأمر الذي أثار مخاوف أولياء الأمور والمعلمين، وخلّف ارتباكاً واسعاً داخل المؤسسات التعليمية.
وبحسب تقديرات عدد من مديري المدارس في طرابلس وبنغازي ومصراتة، فإن أكثر من 65% من تلاميذ مراحل النقل لم يحصلوا على كتبهم المدرسية بالكامل حتى منتصف الفصل الأول، فيما تعتمد بعض المدارس على النسخ المصوّرة أو الوسائل البديلة لتعويض هذا النقص، وهي حلول وصفها المعلمون بأنها مؤقتة وغير فعّالة، خصوصاً مع ازدحام المناهج وتعقّد مفاهيمها.
و يشير عدد من المعلمين إلى أن غياب الكتاب لا يؤثر على الدراسة اليومية فقط، بل ينعكس بشكل مباشر على جاهزية الطلبة للامتحانات. فبحسب استبيان غير رسمي أجراه مجموعة من المدرسين عبر مجموعات التواصل المهني، فإن نحو 72% من تلاميذ الصفوف بين الرابع والتاسع يعتمدون كلياً على الكتاب الورقي في المراجعة والاستعداد للاختبارات.
أما في المواد الأدبية، فيشير المدرسون إلى أن غياب الكتاب يؤثر بشكل أكبر في مهارات القراءة والتلخيص والحفظ. ويقدّر بعضهم أن نسبة الاستيعاب لدى الطلاب انخفضت بما لا يقل عن 30% مقارنة بالأعوام التي كان فيها توزيع الكتب يتم في الأسابيع الأولى من الدراسة
و هو ما يجعلنا نؤكد بان الكتاب الرقمى حلّ غير متاح للجميع
و رغم إعلان الوزارة في السنوات الماضية عن توفير منصات تعليمية إلكترونية، إلا أن الواقع الميداني يكشف أن نسبة الاستفادة منها لا تزال محدودة. فبحسب معلمين في مدارس الضواحي والمناطق الجبلية، فإن أكثر من 40% من الأسر لا تملك اتصالاً جيداً بالإنترنت، أو لا يمتلك أبناؤها جهازاً مناسباً للاطلاع على الكتب الرقمية.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 20% فقط من طلاب مراحل النقل يعتمدون بشكل فعلي على نسخ إلكترونية بديلة، أغلبها يتم الحصول عليه عبر صفحات المدارس على مواقع التواصل.
فنحن لسنا ضد التحول الرقمي، لكنه يحتاج إلى بنية تحتية واستعداد مسبق. لا يمكن للطالب أن يدخل امتحان نهاية الفصل وهو لم يحمل كتابه بين يديه ولا مرة واحدة.
فقد أظهرت زيارات ميدانية أجراها عدد من أولياء الأمور أن النقص في الكتب لا يشمل جميع المدارس بنفس الدرجة. فبعض المناطق حصلت على 5060% من الكتب، بينما اعتمدت مناطق أخرى على صور الملخصات أو نسخ يتم تداولها عبر الهواتف.
ويؤكد أولياء الأمور أن هذا التفاوت يخلق عدم تكافؤ فرص بين الطلبة عند دخول الامتحانات، حيث يصبح الطالب الذي حصل على كتابه في وضع أفضل مقارنة بزميله الذي درس من نسخ مشتتة ومجزّأة.
كما اشتكى عدد من الإداريين من أنه لم يتم توفير كتب المواد الأساسية فقط، بل إن بعض المدارس لم تستلم أيضاً كتب النشاطات والتمارين، التي تعد جزءاً مهماً من العملية التعليمية.
ويؤكد أختصاصيون تربويون أن غياب الكتاب المدرسي لا ينعكس فقط على الجانب التعليمي، بل ينتج عنه ضغط نفسي كبير على الأسرة والطالب.
ففي استطلاع أجري بين مجموعات أمهات طلاب الثانويات والإعداديات، قالت نحو 78% من الأمهات إن أبناءهن يعيشون حالة من القلق بسبب عدم وجود مرجع معتمد للمذاكرة، خصوصاً مع اقتراب الامتحانات.
تقول إحدى الأمهات التى عبرت عن معاناة أغلب الأسر بقولها:
«نقضي ساعات نبحث عن نسخ PDF أو صور واضحة للكتاب. وفي النهاية يصعب على الطفل ترتيبها أو فهمها لأنها ليست بنفس ترتيب المنهج الأصلي»
و يجد المعلم نفسه في موقف صعب، حيث يتحول الدرس إلى عملية «شرح دون مرجع»، وهو ما يضعف المشاركة الفعلية للطالب داخل الحصة.
وبحسب إحصاءات غير رسمية من خلال مكاتب التفتيش التربوي، فإن ما لا يقل عن 55% من المعلمين اضطروا إلى إعداد «مذكرات بديلة» للطلبة، تشمل تمارين ومقتطفات من المنهج، إلا أن طباعة هذه المذكرات تزيد من الأعباء المالية على الأسر، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف النسخ والطباعة.
و مع استمرار الأزمة اتعتمدت بعض المدارس على سياسة «الأسئلة الموجّهة»، أي التركيز على الدروس التي تمت تغطيتها فعلاً داخل الفصل، دون الاعتماد الكامل على المنهج.
لكن خبراء تربويون يحذرون من أن هذا النوع من الامتحانات يقلل من جودة مخرجات التعليم، ويخلق فجوة في المهارات الأساسية للطلاب قد تظهر آثارها السلبية في السنوات اللاحقة، خصوصاً عند الانتقال للمرحلة الإعدادية أو الثانوية.
فما الذي يمكن فعله ؟
رغم أن حلّ الأزمة جذرياً يتطلب إعادة هيكلة منظومة طباعة وتوزيع الكتب، إلا أن عدداً من المختصين يقترحون إجراءات عاجلة للتقليل من تأثير غياب الكتاب منها توفير نسخة إلكترونية رسمية موحدة لكل مادة على صفحات الوزارة والمدارس.
و تعميم مذكرات تلخيصية معتمدة من التفتيش التربوي، توزع بسعر رمزي أو مجاناً.
و توحيد الأسئلة الامتحانية بما يتوافق مع الدروس التي تم تدريسها فعلاً.
إلى جانب إتاحة حصص مراجعة إضافية قبل الامتحانات لتعزيز الفهم وتعويض النقص.
و تفعيل دور الإذاعات المدرسية والمنصات الإلكترونية لتوضيح أهم الدروس المطلوبة.
ختاما يمكننا القول بأن غياب الكتاب المدرسي عن مدارس ليبيا لم يعد مجرد مشكلة لوجستية، بل أصبح أزمة تعليمية تمسّ جودة مخرجات التعليم وتؤثر بشكل مباشر على نتائج امتحانات النقل. وبين مخاوف الطلاب، وضغط أولياء الأمور، وتحديات المعلمين، يبقى الحل في ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وسريعة لضمان أن يدخل التلميذ امتحانه بثقة، وبأدوات تعليمية تضمن له حقه في التحصيل مثل بقية طلاب العالم.



