رصد

طلاب الإعدادية..الرسوب وسياط العتاب

فائزة صالح

                                  ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬دراسي،‭ ‬تقف‭ ‬آلاف‭ ‬الأسر‭ ‬الليبية‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭: ‬نتائج‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية‭. ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يفرحون‭ ‬بالنجاح،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬وجع‭ ‬الرسوب،‭ ‬لكن‭ ‬الأكثر‭ ‬ألماً‭ ‬ليس‭ ‬الرسوب‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬يليه‭ ‬من‭ ‬نظرات‭ ‬الإدانة‭ ‬وسياط‭ ‬الألسن‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬بعض‭ ‬الأمهات‭ ‬والآباء‭ ‬نحو‭ ‬أبنائهم‭.                          

وفي‭ ‬صمت‭ ‬البيوت،‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬نتائج‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية،‭ ‬تُطوى‭ ‬شهادات،‭ ‬وتُفتح‭ ‬جروح‭.‬

هناك‭ ‬من‭ ‬بكى‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭… ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬بكى‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يفهمه‭.‬

طالبٌ‭ ‬رسب،‭ ‬فاعتُبر‭ “‬فاشلًا‭”‬،‭ ‬فانهالت‭ ‬عليه‭ ‬كلمات‭ ‬جارحة،‭ ‬بعضها‭ ‬أقسى‭ ‬من‭ ‬الصفعة‭…‬

فهل‭ ‬نحن‭ ‬نواسي‭ ‬أبناءنا‭ ‬عند‭ ‬العثرة؟‭ ‬أم‭ ‬نغرس‭ ‬فيهم‭ ‬شعور‭ ‬الخيبة‭ ‬مدى‭ ‬الحياة؟

في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الصحفي،‭ ‬نكشف‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬خلف‭ ‬الأرقام،‭ ‬ونروي‭ ‬قصص‭ ‬طلاب‭ ‬لم‭ ‬يكسرهم‭ ‬الرسوب،‭ ‬بل‭ ‬كسرتهم‭ ‬نظرات‭ ‬الإهانة‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭… ‬ونستعرض‭ ‬آراء‭ ‬خبراء‭ ‬نفسيين‭ ‬واجتماعيين،‭ ‬يحذرون‭ ‬من‭ ‬كارثة‭ ‬صامتة‭ ‬قد‭ ‬تنشأ‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ “‬نتيجة‭”.‬

‭ ‬محمد‭  ‬14‭ ‬سنة،‭ ‬أحد‭ ‬الراسبين‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬يقول‭:‬

‭”‬أبي‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بالصراخ،‭ ‬بل‭ ‬شتمني‭ ‬أمام‭ ‬إخوتي‭ ‬وجيراني‭… ‬أحسست‭ ‬أني‭ ‬عديم‭ ‬القيمة،‭ ‬رغم‭ ‬أني‭ ‬حاولت‭ ‬واجتهدت‭.”           ‬وفقاً‭ ‬لمختصين‭ ‬نفسيين،‭ ‬فإن‭ ‬الرسوب‭ ‬لا‭ ‬يدمّر‭ ‬الطالب‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تفعل‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الأسرة‭. “‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬والعنف‭ ‬اللفظي‭ ‬أو‭ ‬الجسدي‭ ‬يولد‭ ‬في‭ ‬الطالب‭ ‬شعوراً‭ ‬بالدونية‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الأختصاصية‭ ‬النفسية‭ ‬د‭. ‬سمر‭ ‬المغربي،‭ ‬وتضيف‭:‬

‭”‬الرسوب‭ ‬محطة،‭ ‬وليس‭ ‬نهاية‭ ‬الطريق‭. ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬يُعامل‭ ‬الطالب‭ ‬كفاشل‭ ‬أو‭ ‬عبء،‭ ‬تتكون‭ ‬داخله‭ ‬عقد‭ ‬نفسية‭ ‬قد‭ ‬تمتد‭ ‬لسنوات،‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬سلوكه‭ ‬وثقته‭ ‬بنفسه‭ ‬وحتى‭ ‬مستقبله‭.”      ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬متصدعة

في‭ ‬جولة‭ ‬سريعة‭ ‬شملت‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬وأسر‭ ‬الطلبة‭ ‬الراسبين،‭ ‬لاحظنا‭ ‬قاسماً‭ ‬مشتركاً‭:‬

الخوف‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬الوالدين

الانعزال‭ ‬عن‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والمجتمع

التفكير‭ ‬في‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬المنزل‭.                       ‬يقول‭ ‬وليد،‭ ‬ولي‭ ‬أمر‭ ‬لطالب‭ ‬راسب‭:‬

‭”‬نعم،‭ ‬غضبت،‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أضربه‭… ‬قررت‭ ‬أحاوره‭ ‬وأفهم‭ ‬منه‭ ‬السبب‭. ‬المهم‭ ‬نصلح‭ ‬الخطأ‭ ‬بدل‭ ‬نغرق‭ ‬فيه‭.”       ‬أما‭ “‬مرام‭” ‬والدة‭ ‬طالبة‭ ‬أخرى،‭ ‬فكانت‭ ‬أكثر‭ ‬حدة‭:‬

‭”‬الصراحة‭ ‬حطت‭ ‬راسي‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬كنت‭ ‬متوقعة‭ ‬منها‭ ‬أفضل‭… ‬قلتلها‭ ‬ماعادش‭ ‬عندك‭ ‬وجه‭ ‬تطلعي‭ ‬بيه‭ ‬قدام‭ ‬الناس‭!‬

وفي‭ ‬زوايا‭ ‬صامتة‭ ‬من‭ ‬بيوتنا،‭ ‬هناك‭ ‬قصص‭ ‬لا‭ ‬تُروى‭… ‬طلبة‭ ‬حملوا‭ ‬فشلهم‭ ‬الدراسي‭ ‬على‭ ‬أكتافهم‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وتلقّوا‭ ‬عليه‭ ‬أحكامًا‭ ‬قاسية‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إليهم‭.‬

‭ ‬‭”‬أمي‭ ‬سكبت‭ ‬علي‭ ‬الماء‭ ‬البارد‭ ‬وأنا‭ ‬نائم‭!”‬

يقول‭ ‬حسن‭ ‬15‭ ‬سنة

‭”‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬النتيجة،‭ ‬أمي‭ ‬دخلت‭ ‬الغرفة‭ ‬وسكبت‭ ‬عليّ‭ ‬الماء‭ ‬البارد‭ ‬وأنا‭ ‬نايم‭… ‬قالت‭ ‬لي‭: ‬قوم‭ ‬يا‭ ‬فاشل‭! ‬حسيت‭ ‬إن‭ ‬قلبي‭ ‬انكسر‭. ‬ماعادش‭ ‬نحس‭ ‬عندي‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬البيت‭”‬

هذه‭ ‬القصة‭ ‬ليست‭ ‬نادرة‭. ‬حالات‭ ‬مشابهة‭ ‬تم‭ ‬تسجيلها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ليبية،‭ ‬حيث‭ ‬يتحول‭ ‬الرسوب‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬تعليمية‭ ‬إلى‭ ‬عقوبة‭ ‬اجتماعية‭ ‬قاسية‭.‬

‭ “‬أبوي‭ ‬قطع‭ ‬الإنترنت‭ ‬عني‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬تستاهلش‭ ‬تلفون‭!”‬

عبدالرحمن،‭ ‬طالب‭ ‬آخر،‭ ‬يروي‭:‬

‭”‬حرمني‭ ‬من‭ ‬الهاتف،‭ ‬ومن‭ ‬المصروف،‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬طلعة‭ ‬الجمعة‭. ‬قال‭ ‬لي‭: ‬ما‭ ‬تستحقش‭ ‬شي،‭ ‬انت‭ ‬خيّبت‭ ‬أملي‭! ‬حسّيت‭ ‬إني‭ ‬عبء‭ ‬عليهم‭.”‬

لكن،‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬أخرى‭… ‬هناك‭ ‬ضوء‭.‬

‭ “‬قال‭ ‬لي‭: ‬رسبت،‭ ‬مش‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭. ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد‭!”‬

ليلى،‭ ‬طالبة‭ ‬رسبت‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬عاشت‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬مختلفة‭ ‬تمامًا‭:‬

‭”‬بابا‭ ‬حضني‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬عادي‭… ‬مش‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭. ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬رسبتي‭ ‬مرتين،‭ ‬المهم‭ ‬نشتغلو‭ ‬على‭ ‬الأسباب‭. ‬حسيت‭ ‬بدفء‭ ‬عمري‭ ‬ما‭ ‬ننساه‭.”‬

‭ ‬رأي‭ ‬المختص‭ ‬الاجتماعي‭.‬  د‭. ‬علي‭ ‬عمر

‭”‬الصدمة‭ ‬الدراسية‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تُحتوى‭ ‬بطريقة‭ ‬صحية،‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬شرخ‭ ‬نفسي‭. ‬أغلب‭ ‬الطلبة‭ ‬اللي‭ ‬يتعرضوا‭ ‬للسخرية‭ ‬أو‭ ‬الإهانة‭ ‬في‭ ‬بيتهم،‭ ‬يكوّنون‭ ‬نظرة‭ ‬سوداوية‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬أو‭ ‬يهربوا‭ ‬للعزلة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ينجروا‭ ‬وراء‭ ‬رفقة‭ ‬السوء‭.”‬

ظاهرة‭ “‬الانسحاب‭ ‬النفسي‭” ‬أفادت‭ ‬مربية‭ ‬صف‭ ‬بإعدادية‭ ‬طرابلس‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭%‬‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الراسبين‭ ‬يتغيبون‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬التالي‭ ‬بسبب‭ “‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭”‬،‭ ‬مشيرةً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ “‬يفضل‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬أو‭ ‬الورشات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬للفصل‭ ‬محملاً‭ ‬بنظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬أو‭ ‬السخرية‭”.            ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭:‬

‭”‬أخويا‭ ‬مزّق‭ ‬كتبي‭ ‬قدامي‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬خلي‭ ‬دراستك‭ ‬تنفعك‭! ‬كنت‭ ‬نحب‭ ‬نكمل،‭ ‬لكن‭ ‬فقدت‭ ‬الأمل‭.”                        ‬طالب‭ ‬يقول

‭”‬ضربني‭ ‬أبوي‭ ‬قدام‭ ‬أصحابي‭ ‬في‭ ‬الحوش‭… ‬حسّيت‭ ‬روحي‭ ‬تكسّرت‭. ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬نحسش‭ ‬روحي‭ ‬نقدر‭ ‬نقرأ‭ ‬حتى‭ ‬صفحة‭.”‬

ام‭ ‬عفراء

‭”‬بنتي‭ ‬رسبت،‭ ‬وجاءتني‭ ‬تبكي‭. ‬قلتلها‭: ‬مش‭ ‬مشكلة،‭ ‬نعيدوا‭ ‬مع‭ ‬بعض،‭ ‬وندرسك‭ ‬بنفسي‭.‬

‭ ‬الرسبان‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬متفوق‭ ‬الغد،‭ ‬فقط‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭.                    ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬ثانية،‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬عائلية‭!‬

الرأي‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭:‬

‭ ‬د‭.‬‭ ‬نجاة‭ ‬الترهوني‭ ‬أختصاصية‭ ‬نفسية‭ ‬تربوية‭:‬

‭”‬الرسوب‭ ‬في‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية‭ ‬يُمثل‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬نفسية‭ ‬حساسة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬المراهقة‭. ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يُكوّن‭ ‬صورته‭ ‬الذاتية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حين‭ ‬يُقابل‭ ‬الفشل‭ ‬بالدعم‭ ‬يتجاوزه،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬يُقابل‭ ‬بالإهانة‭ ‬أو‭ ‬السخرية،‭ ‬يتكون‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ “‬جرح‭ ‬نفسي‭ ‬صامت‭” ‬قد‭ ‬يلازمه‭ ‬لسنوات‭.”‬

وتضيف‭:‬

‭”‬الآباء‭ ‬الذين‭ ‬يعاملون‭ ‬الرسوب‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬كارثة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬لا‭ ‬تعليمية،‭ ‬يغفلون‭ ‬عن‭ ‬أنهم‭ ‬يخلقون‭ ‬طلابًا‭ ‬مهزوزين،‭ ‬فاقدي‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬وقد‭ ‬يظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬انطواء،‭ ‬كراهية‭ ‬للدراسة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عدوانية‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع‭.”‬

‭ ‬الرأي‭ ‬الاجتماعي‭   ‬د‭. ‬محمد‭ ‬عامر‭ ‬باحث‭ ‬اجتماعي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأسرة‭ ‬والمراهقين‭:‬

‭”‬للأسف،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأهالي‭ ‬يربطون‭ ‬نجاح‭ ‬الأبناء‭ ‬بـ‭”‬السمعة‭ ‬العائلية‭”‬،‭ ‬وليس‭ ‬بمجهود‭ ‬الطالب‭. ‬فتتحول‭ ‬النتيجة‭ ‬إلى‭ “‬عار‭ ‬اجتماعي‭” ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬فرصة‭ ‬للتقويم‭ ‬والتطوير‭.”‬

ويؤكد‭:‬

‭”‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬العنيفة‭ ‬لا‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬حقيقي‭ ‬دائمًا،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬ضغط‭ ‬مجتمعي‭ ‬خارجي‭ ‬يُمارَس‭ ‬على‭ ‬الآباء‭ ‬أنفسهم‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تُفرَّغ‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الطالب،‭ ‬لأنه‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭.”‬

‭ ‬ما‭ ‬النتائج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتوقعة‭ ‬لسوء‭ ‬معاملة‭ ‬الراسبين؟

الانسحاب‭ ‬الاجتماعي‭: ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاندماج‭ ‬بالأسرة‭ ‬أو‭ ‬المدرسة

كراهية‭ ‬التعليم‭: ‬نتيجة‭ ‬ربط‭ ‬الدراسة‭ ‬بالخوف‭ ‬والعقوبة

اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬مستقبلية‭: ‬قلق‭ ‬دائم،‭ ‬اكتئاب،‭ ‬ضعف‭ ‬في‭ ‬الشخصية

سلوكيات‭ ‬تعويضية‭ ‬خاطئة‭: ‬مثل‭ ‬الكذب،‭ ‬العناد،‭ ‬العنف،‭ ‬أو‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المنزل

الحل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المختصين‭:‬

‭ ‬إعادة‭ ‬تأطير‭ ‬الرسوب‭: ‬كونه‭ ‬تجربة‭ ‬تعليمية،‭ ‬لا‭ ‬فشلًا‭ ‬شخصيًا

‭ ‬تعزيز‭ ‬الحوار‭ ‬الأسري‭: ‬اسأل‭ ‬ابنك‭: “‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حصل؟‭ ‬كيف‭ ‬نساعدك؟‭” ‬بدل‭ “‬ليش‭ ‬رسبت؟‭!”‬

منح‭ ‬فرصة‭ ‬ثانية‭: ‬دعم‭ ‬الطالب‭ ‬بالدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬أو‭ ‬المراجعة‭ ‬المنظمة

‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬بالحب‭ ‬والدعم‭… ‬يعود‭ ‬أقوى‭!‬

‭”‬الطالب‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأنيب‭ ‬يذكره‭ ‬بالرسوب،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬يد‭ ‬تمسك‭ ‬به‭ ‬ليقف‭ ‬من‭ ‬جديد‭.”‬

‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭: ‬إن‭ ‬فشل‭ ‬أبنائكم‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدخلاً‭ ‬لتحطيمهم،‭ ‬بل‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬بناءهم‭. ‬فالكلمة‭ ‬الجارحة‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬والعقاب‭ ‬القاسي‭ ‬لا‭ ‬يبني،‭ ‬بل‭ ‬يدمّر‭.    ‬في‭ ‬الختام‭…‬

من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ “‬النجاح‭ ‬أو‭ ‬العار‭” ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ “‬التجربة‭ ‬والتطوير‭”‬،‭ ‬فربما‭ ‬يرسب‭ ‬ابنك‭ ‬اليوم،‭ ‬لكنه‭ ‬ينجح‭ ‬غدًا،‭ ‬إن‭ ‬وجد‭ ‬الدعم‭ ‬لا‭ ‬الإدانة‭.‬

فالرسوب‭ ‬ليس‭ ‬نهاية‭ ‬الطريق‭… ‬لكن‭ ‬الإهانة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬الانهيار‭.‬

الطالب‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬بعد‭ ‬النتيجة،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬يُعيد‭ ‬له‭ ‬ثقته،‭ ‬وصوت‭ ‬يقول‭ ‬له‭:‬

‭”‬عادي،‭ ‬نخطئ‭… ‬ونعود‭ ‬أقوى‭.”‬

في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬طالب‭ ‬رسب،‭ ‬هناك‭ ‬خياران‭:‬

إما‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تحطيمه،

أو‭ ‬نكون‭ ‬الدافع‭ ‬الذي‭ ‬يعيده‭ ‬للحياة،‭ ‬أقوى‭ ‬وأوعى‭.‬

لنصنع‭ ‬أبناء‭ ‬أقوياء‭ ‬نفسيًا،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬متفوقين‭ ‬في‭ ‬الدرجات‭.‬

فالتربية،‭ ‬قبل‭ ‬التعليم‭… ‬والاحتواء،‭ ‬قبل‭ ‬العتاب‭.‬

أبٌ‭ ‬يعاقب‭ ‬ابنه‭ ‬بحلاقة‭ ‬شعره‭ ‬وكتابة‭ ‬تاريخ‭ ‬رسوبه‭ ‬على‭ ‬رأسه‭!‬

في‭ ‬واقعة‭ ‬هزّت‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الليبي،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬انتشرت‭ ‬صورة‭ ‬لفتى‭ ‬مراهق‭ ‬جالس‭ ‬في‭ ‬صمت،‭ ‬ورأسه‭ ‬محلوق‭ ‬بالكامل،‭ ‬وقد‭ ‬كُتب‭ ‬عليه‭ ‬بخطّ‭ ‬واضح‭: “‬تاريخ‭ ‬رسوبه‭” ‬في‭ ‬مادة‭ ‬التاريخ،‭ ‬كمحاولة‭ ‬من‭ ‬والده‭ ‬لمعاقبته‭ ‬بطريقة‭ ‬مهينة‭ ‬ومحرجة‭.‬

القصة‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬الليبية،‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬نتائج‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية،‭ ‬حيث‭ ‬صُدم‭ ‬الأب‭ ‬من‭ ‬رسوب‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬واحدة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬مقصًا‭ ‬وشفرة،‭ ‬وقام‭ ‬بحلاقة‭ ‬شعر‭ ‬رأس‭ ‬الفتى‭ ‬كاملاً،‭ ‬ثم‭ ‬كتب‭ ‬فوقه‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬رسب‭ ‬فيه،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ “‬العقاب‭ ‬العلني‭”‬،‭ ‬ونشر‭ ‬الصورة‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل،‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭: “‬عبرة‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭!”‬

بحسب‭ ‬مقربين‭ ‬من‭ ‬العائلة،‭ ‬فإن‭ ‬الفتى‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصدمة‭ ‬والانطواء‭ ‬التام‭ ‬بعد‭ ‬الحادثة،‭ ‬وأصبح‭ ‬يرفض‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬شخص،‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬عليه‭ ‬علامات‭ ‬الخجل،‭ ‬والذل،‭ ‬والانكسار‭ ‬النفسي‭.‬

الخبراء‭ ‬النفسيون‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالعنف‭ ‬النفسي‭ ‬العلني،‭ ‬والذي‭ ‬يترك‭ ‬آثارًا‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل،‭ ‬وثقته‭ ‬بنفسه،‭ ‬وشعوره‭ ‬بالأمان‭ ‬داخل‭ ‬محيطه‭ ‬العائلي‭. ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬يحتاج‭ ‬للدعم‭ ‬لا‭ ‬للتشهير،‭ ‬للتوجيه‭ ‬لا‭ ‬للإهانة،‭ ‬وللتفاهم‭ ‬لا‭ ‬للانتقام‭ ‬من‭ ‬فشله‭.‬

هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬أعادت‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬العقوبات‭ ‬القاسية‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭ ‬الليبية،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬التربية‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تشوّه‭ ‬الكرامة‭ ‬وتزرع‭ ‬الخوف‭ ‬بدل‭ ‬الإصلاح‭.‬

أين‭ ‬حدود‭ ‬التأديب؟

وأين‭ ‬يتوقف‭ ‬العقاب‭ ‬ليبدأ‭ ‬العنف؟

وهل‭ ‬نشر‭ ‬صورة‭ ‬الطفل‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬جريمة‭ ‬في‭ ‬حقه‭ ‬وحق‭ ‬طفولته‭ ‬وحق‭ ‬مستقبله؟‭                  ‬النهاية‭ ‬ليست‭ ‬هنا‭…‬

القصة‭ ‬لم‭ ‬تنتهِ،‭ ‬فقد‭ ‬طالب‭ ‬ناشطون‭ ‬ومهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بضرورة‭ ‬التدخل‭ ‬القانوني‭ ‬لحماية‭ ‬الطفل،‭ ‬ومحاسبة‭ ‬من‭ ‬يُسيء‭ ‬إليه،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الأب،‭ ‬لأن‭ ‬التربية‭ ‬لا‭ ‬تبرر‭ ‬الإذلال‭.‬

ولا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬الشرع‭ ‬أو‭ ‬القانون‭ ‬ما‭ ‬يبيح‭ ‬فضح‭ ‬الأبناء‭ ‬وإهانتهم‭ ‬علنًا‭.‬

فالأب‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬ابنه‭ “‬تاريخ‭ ‬فشله‭”‬،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬أيضًا‭ “‬تاريخ‭ ‬الجرح‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يُنسى‭”.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى