على شاهدة بوزيد.. للكاتب الليبي أمين مازن
ووري في الأول من مارس الجاري بمقبرة سيدي حسين جسد المرحوم أبو زيد دورده الذي وافته المنية بالقاهرة عن عمر بلغ السابعة و السبعين سنة و تجربة عملية مثيرة بدأها في ستينيات القرن الماضي مدرساً بمدرستي المدينة القديمة و شارع الزاوية إلى جانب مدارس قطاع النفط حين لم يكتف على ما يبدو فقط بتحسين دخله، و إنما توسيع مداركه و تنمية انجليزيته كما لاحظه الذين تابعوا مناقشاته، بحيث لم تكد تغرب شمس النظام الملكي و يحل عهد الفاتح من سبتمبر إلا و هو جاهز ليكون في مقدمة الذين بادروا بالتعاطي مع ذلك العهد، عندما شكلت ندوة الفكر الثوري «و هي تنتظم في الأشهر الأولى من عهد النظام»، السانحة الواسعة لكل من حرص على إثبات وجوده و تبيين قدراته بالحديث في مفرداتها المتمثلة في الوحدة العربية و التنظيم السياسي و الطبقة ذات المصلحة و الثروة و كأنه الميثاق الذي أعلنه الرئيس عبد الناصر عقب انفكاك الوحدة المصرية السورية أهم مرجعيات العهد الجديد على خلفية أمانة الوحدة العربية التي خلعها الرئيس المصري و المعونة السياسية التي اضطلع بها السيد فتحي الديب، كما جاء في كتابه الذي أصدره في الثمانينيات و حَمّله الكثير من اعترافاته و ما ثبت لديه عن هويات الأفراد و الأحداث و كان الكثير منها لصالح من حاول إدانتهم من حيث لا يدري على الأرجح، و على مدى العقود الأربعة التي هي عمر النظام بقيَّ الرجل حاضراً باستمرار، شديد الحرص على تمييز شخصيته سواء و هو بالداخل أو الخارج بما في ذلك رئاسته للوزارة و ردوده في جلسات مؤتمر الشعب العام التي تتجاوز الحاضرين، و كان كل مراقب أوتيَّ الحد الأدنى من الإنصاف إلى جانب الفهم بالطبع، لا يبخل بالشهادة له، كما أنه من جهته لا يتردد في احترام كل من يرى واجب احترامه غير متأثر بموقف النظام، و حسبه أنه لا يذكر عهد ما قبل سبتمبر إلا و يلحقه بالعهد «الباهي»، و بالجملة فهو صاحب البصمات الواضحة، سواء وجدت المآخذ حقيقة أو مبالغة فتلك هي طبيعة الحياة و طبيعة العمل العام، ما يراه البعض صواباً يراه البعض الآخر خطئا، و العاقل دوماً من يلتمس العذر لكل من توالت عليهم مِحن الأيام. و ليرحم الله بوزيد الذي لم نعرف منه سوى الاحترام غير المصطنع و الذي لا تلتقيه مرة و تفارقه إلا و أنت تود لو تطول جلسته، و لا تشتاق لشيء أكثر من أن يكون قد دوَّنَ تجربته الحافلة بالكثير من المعلومات مما سمع و ما شارك و هو الذي لا يكتم شهادة و لا يقول إلا ما يعتقد، جزاه الله عن الحقيقة خيراً و العزاء للجميع.