رأي

على شاهدة نجيب الحصادي

أمين مازن

تنشب‭ ‬المنية‭ ‬أظفارها‭ ‬فتجلب‭ ‬من‭ ‬حان‭ ‬أجله،‭ ‬فنقف‭ ‬معشر‭ ‬الأحياء‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬موعد‭ ‬غيابه،‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬جثمانٍ‭ ‬حان‭ ‬وقت‭ ‬رحيله‭ ‬أو‭ ‬حالت‭ ‬المسافات‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬فحقيقة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬اقتضى‭ ‬غيابه‭ ‬حمل‭ ‬القلم‭ ‬وتسطير‭ ‬ما‭ ‬تيسر‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬أضعف‭ ‬الإيمان،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬النسبية‭ ‬دائما‭ ‬موجودة‭ ‬وأن‭ ‬العدالة‭ ‬بين‭ ‬الغائبين‭ ‬هي‭ ‬بكل‭ ‬الصدق‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يعدل‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‭ ‬ووهب‭ ‬النجابة‭ ‬لمن‭ ‬اقتضت‭ ‬حكمته‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬من‭ ‬عباده‭ ‬مذ‭ ‬كتب‭ ‬لهم‭ ‬الوجود،‭ ‬مولداً‭ ‬ونشأةً‭ ‬وسيرةً‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والعمل‭ ‬والإخلاص،‭ ‬فاستحق‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬ذوي‭ ‬القدر‭ ‬العظيم‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬اثنان‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬ابتلتنا‭ ‬الأقدار‭ ‬بفقده‭ ‬العزيز‭ ‬الراحل‭ ‬نجيب‭ ‬الحصادي‭ ‬الذي‭ ‬رزئنا‭ ‬بفقده‭ ‬أخيرا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬كثيرا‭ ‬عليهم‭ ‬إطلاق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التوصيفات‭ ‬التي‭ ‬بوأته‭ ‬إياها‭ ‬العناية‭ ‬الإلهية‭ ‬مذ‭ ‬جاء‭ ‬مولده‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المصري‭ ‬المعاصر‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬عندما‭ ‬تصدر‭ ‬حركة‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الثاني‭ ‬والخمسين‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬إعلان‭ ‬استقلال‭ ‬ليبيا‭ ‬بستة‭ ‬أشهر‭ ‬قد‭ ‬تنقص‭ ‬أو‭ ‬تزيد،‭ ‬فاختار‭ ‬له‭ ‬والده‭ ‬المحجوب‭ ‬اسم‭ ‬نجيب،‭ ‬فالمهم‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬قد‭ ‬ورث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شمائل‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬كما‭ ‬يجمع‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬عارفيه‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬مشواره‭ ‬العلمي‭ ‬وبالجملة‭ ‬الحياتي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أثناءها‭ ‬مجتمعة‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬العمل،‭ ‬العمل‭ ‬كما‭ ‬يحبه‭ ‬ويثق‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬تنفيذه‭ ‬ومنذا‭ ‬الذي‭ ‬سينفذه،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬سُئلَ‭ ‬لسَخِرَ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حديثٍ‭ ‬عن‭ ‬المواقع،‭ ‬والشواهد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬كثيرة‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬لما‭ ‬عددنا‭ ‬كل‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬لقد‭ ‬تَردّدْتُ‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشخصي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أكرس‭ ‬التزامي‭ ‬هذا‭ ‬لسيرة‭ ‬الفقيد‭ ‬لولا‭ ‬أنني‭ ‬زجرت‭ ‬نفسي‭ ‬بنفسي‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭ ‬هل‭ ‬يكون‭ ‬جزاء‭ ‬من‭ ‬أحسن‭ ‬عمله‭ ‬أن‭ ‬نقبره‭ ‬كأن‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬فرأيت‭ ‬جدوى‭ ‬المشاركة‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬سواها،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬امتاز‭ ‬بالحرص‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬الجادة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منشط‭ ‬ثقافي‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬اختصاصه‭ ‬أو‭ ‬يرى‭ ‬ضرورة‭ ‬المساهمة‭ ‬فيه،‭ ‬فقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬جميعا‭ ‬تبنيه‭ ‬لمبدأ‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬مشاركاته،‭ ‬فإن‭ ‬حضر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬استثمر‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬الجمعية‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الدافع‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجلس‭ ‬التطوير‭ ‬زاوج‭ ‬بين‭ ‬حضوره‭ ‬وحزب‭ ‬الازدهار‭ ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬التوثيق‭ ‬والمعلومات‭.‬

إنها‭ ‬نفس‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُطلب‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬بعض‭ ‬المواسم‭ ‬الجامعية‭ ‬أو‭ ‬البحثية،‭ ‬فنجده‭ ‬دائب‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬إشراك‭ ‬غيره‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬جامعة‭ ‬العرب‭ ‬الطبية‭ ‬ومركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الجامعية،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬أنيطت‭ ‬حقيبة‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬بتحالف‭ ‬القوى‭ ‬الوطنية،‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬بيوسف‭ ‬الشريف‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بدل‭ ‬قبوله‭ ‬المهمة‭ ‬لنفسه،‭ ‬لقد‭ ‬ذكّرني‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬بالمرحوم‭ ‬علي‭ ‬بوزقية‭ ‬عقب‭ ‬سبتمبر‭ ‬69‭ ‬عندما‭ ‬فاتحه‭ ‬عمر‭ ‬المحيشي‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التعليم‭ ‬فنصح‭ ‬بالأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬المهلهل‭ ‬تحسباً‭ ‬للحساسية‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬العسكريين‭ ‬كانوا‭ ‬يريدون‭ ‬الموقع،‭ ‬وليرحم‭ ‬الله‭ ‬الفقيد‭ ‬نجيب‭ ‬والعزاء‭ ‬فيه‭ ‬وعنه‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬وإلى‭ ‬الجميع‭ ‬والبقاء‭ ‬دائما‭ ‬لله‭ ‬وحده‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى