
تنشب المنية أظفارها فتجلب من حان أجله، فنقف معشر الأحياء أمام من حل موعد غيابه، لا فرق أن يكون ذلك قريبا من جثمانٍ حان وقت رحيله أو حالت المسافات دون ذلك، فحقيقة أن من اقتضى غيابه حمل القلم وتسطير ما تيسر يكون في أحيانٍ كثيرة أضعف الإيمان، صحيح أن النسبية دائما موجودة وأن العدالة بين الغائبين هي بكل الصدق مما لا يعدل فيه سوى من خلق الموت والحياة ووهب النجابة لمن اقتضت حكمته أن يختار من عباده مذ كتب لهم الوجود، مولداً ونشأةً وسيرةً جمعت بين العلم والعمل والإخلاص، فاستحق أن يكون بين ذوي القدر العظيم وقد لا يختلف اثنان أن من ابتلتنا الأقدار بفقده العزيز الراحل نجيب الحصادي الذي رزئنا بفقده أخيرا واحد من الذين ليس كثيرا عليهم إطلاق مثل هذه التوصيفات التي بوأته إياها العناية الإلهية مذ جاء مولده في أوائل النصف الثاني من القرن الماضي عندما برز في التاريخ المصري المعاصر اللواء محمد نجيب عندما تصدر حركة الثالث والعشرين من يوليو في العام الثاني والخمسين أي قبل إعلان استقلال ليبيا بستة أشهر قد تنقص أو تزيد، فاختار له والده المحجوب اسم نجيب، فالمهم أن الراحل قد ورث الكثير من شمائل محمد نجيب كما يجمع على ذلك كل عارفيه ابتداءً من مشواره العلمي وبالجملة الحياتي، فقد كان أثناءها مجتمعة لا يعرف سوى العمل ولا شيء غير العمل، العمل كما يحبه ويثق في إمكانية تنفيذه ومنذا الذي سينفذه، وما من شك في أنه لو سُئلَ لسَخِرَ من كل حديثٍ عن المواقع، والشواهد في هذا الصدد كثيرة ولو لم يكن قد غاب عن دنيانا لما عددنا كل أو بعض هذه المواقف، لقد تَردّدْتُ على الصعيد الشخصي في أن أكرس التزامي هذا لسيرة الفقيد لولا أنني زجرت نفسي بنفسي فقلت لها هل يكون جزاء من أحسن عمله أن نقبره كأن لم يكن، فرأيت جدوى المشاركة دون ما سواها، وإذا كان قد امتاز بالحرص الشديد على المساهمة الجادة في أي منشط ثقافي يدخل في اختصاصه أو يرى ضرورة المساهمة فيه، فقد لاحظنا جميعا تبنيه لمبدأ التنسيق بين مشاركاته، فإن حضر من أجل اجتماعات مجمع اللغة العربية، استثمر الوقت في أنشطة الجمعية وإن كان الدافع اجتماعات مجلس التطوير زاوج بين حضوره وحزب الازدهار أو مركز التوثيق والمعلومات.
إنها نفس الروح التي ظهرت في ما يُطلب إليه من تنظيم بعض المواسم الجامعية أو البحثية، فنجده دائب الحرص على إشراك غيره كما فعل في أنشطة جامعة العرب الطبية ومركز الدراسات الجامعية، وأكثر من ذلك عندما أنيطت حقيبة وزارة الإعلام بتحالف القوى الوطنية، حرص على الدفع بيوسف الشريف رحمه الله بدل قبوله المهمة لنفسه، لقد ذكّرني ذلك الموقف بالمرحوم علي بوزقية عقب سبتمبر 69 عندما فاتحه عمر المحيشي في وزارة التعليم فنصح بالأستاذ محمد علي المهلهل تحسباً للحساسية من اليسار لولا أن بعض العسكريين كانوا يريدون الموقع، وليرحم الله الفقيد نجيب والعزاء فيه وعنه من الجميع وإلى الجميع والبقاء دائما لله وحده.