عند المساء في ليالي الصيف الحارة طرابلس تبدو كغجرية خارجة لتوها من البحر بشعرها المموج ووجهها المتبرج بالاضواء المختلطة وعلى جبينها وأسفل شفتها يرتسم وشم قديم .. الحركة في ازقتها والشوارع مناكفة لليالي مضت حزينة مظلمة الا من ضوء القمر وتحد سافر منها لإثبات حقيقة كونها فاتنة مهما ألبسوها السواد واسدلوا غمائم الوصاية ودقوا على ابوابها خيام الجاهلية، أم كلثوم يأتي صوتها من إحدى السيارات المارة بمحاذاة طريق الشط( بيني وبينك خطوتين وبس) والبحر يمتد على الساحل كفارس اضناه المسير ينام متوسدا ذراعه ونحن كغيرنا من الأسر الليبية التي لازالت مشدودة كمجذوب لعادة التجول ليلا لالتقاط مفاتن العاصمة والدوران في حلقتها نمضي بمركبتنا ونعلم أن المسافة ليست ببعيدة هي خطوتين وبس لكن الجلوس لنقع أسفل القدمين اصبح أمرا ليس بالمستطاع هو شأن مضبوط بضريبة محددة القيمة سلفا هي ثمن اجباري لشبر واحد تحت حزمة من الجريد اليابس أو مظلة لا ترفع رأسها الا لتزعجنا وكرسي بلاستيك مع طاولة لساعات محدودة يفوق المائة دينار
لا يمكن أن تكون بهذا القرب الا وجيبك مستعد للمواجهة في اي لحظة وبأي ثمن فكرت وانا جالسة على الرمل بعد رحلة عناء للحصول على موطيء قدم أمام هذا الشط الفارد لجناحيه اتابع تلك النملة التي كانت تتلمس مسارها فوق إحدى الصخرات كتائه ظل طريقه انه لازال الكثير من الليبيين ممن يستمتعون بالذرة المشوية وكأس الشاي المعطر مع اللوز وكثير جدا تستهويهم الجلسة على حصيرة فوق الرمل مع صوت غليان المعكرونة على نار هادئة صحبة ضجيج الأطفال وان عدد لا بأس به لا يجد نفسه في شاليهات غنيمة أو استراحات القويعة و تاجوراء ولا تستهويهم بهرجة الصحون الملونة والأكواب المزركشة ولا الأطعمة المعدة للتصوير كمحنط بلا هوية ولا تاريخ أضف إلى ذلك أنه ليس بمقدور الجميع تأمين سعر اجار ثلاثة أيام لسكن قيمته 2700دينار ليبي في إحدى القرى السياحية المنتصبة على الواجهة البحرية لطرابلس أو ماجاورها من مدن الساحل في صبراته أو زواره أو الخمس ومصراته وان ما يبدو عليه الناس في وسائل التواصل الاجتماعي وما يحاولون إبرازه من مظاهر الابهة والترف هي ليست الصورة الحقيقية لأغلب الليبيين البسطاء الذين لازال الرمل يلتصق بثيابهم واجسادهم و ينامون بلا مخاوف أمام الشاطي تحت النجوم واعينهم إلى السماء تسافر احلامهم بهم إلى أبعد من شبر مستوطن من تاجر أفاق يبيع البحرليلا ويستلم ثمنه في وضح النهار.