استطلاعاتالرئيسية

علي‭ ‬الحاج‭ ‬علي ‭..‬الشعر‭ ‬الألفيني‭ ‬في‭ ‬ليبيا هل‭ ‬كُتبت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬عندنا ؟‭!‬

‭ ‬سميرة‭ ‬البوزيدي

استطلاع‭ ‬الشعراء‭ ‬

وعن‭ ‬النَّص‭ ‬الحديث‭ ‬والشعر‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬توجهنا‭ ‬بهذا‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭:‬

الشعر‭ ‬الألفيني‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬له‭ ‬نصك‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬استطاع‭ ‬عبر‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬راسخًا‭ ‬؟‭ ‬وماذا‭ ‬ينقص‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الشعري؟‭ ‬وهل‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤثرًا

وهو‭ ‬يشهد‭ ‬انحسارًا‭ ‬ملحوظًا‭ ‬عنه‭ ‬لصالح‭ ‬الرواية؟

لن‭ ‬أجيب‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬أراه‭ ‬أحقّ‭ ‬بالإجابة،‭ ‬السؤال‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يسبق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عداه‭: ‬هل‭ ‬كُتبت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬في‭ ‬ليبيا؟،‭ ‬وهل‭ ‬استطاع‭ ‬الشعراء‭ ‬الطليعيون‭ -‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭- ‬أن‭ ‬يتمثلوا‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬كما‭ ‬تمثلها‭ ‬شعراء‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬قبل‭ ‬ذلك؟‭ ‬هل‭ ‬كتب‭ ‬العماري‭ ‬وشلابي‭ ‬والعشة‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬حقا؟‭ ‬أم‭ ‬أنهم‭ ‬كتبوا‭ ‬نصوصًا‭ ‬أخرى‭ ‬تتشابه‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬المظهر‭ ‬وتختلف‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الجوهر؟‭ ‬إنه‭ ‬السؤال‭ ‬الحقيقي‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬سؤال‭ ‬اللحظة‭ ‬الآنية؟‭ ‬سؤال‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬ننتمي‭ ‬له،‭ ‬هل‭ ‬سلك‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬سرنا‭ ‬في‭ ‬إثرهم‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح؟‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هو‭ ‬سؤال‭ ‬ثلاثي‭ ‬الأبعاد،‭ ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬يطال‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬مَنْ‭ ‬يتلقاها،‭ ‬وإلى‭ ‬مَنْ‭ ‬يمتلك‭ ‬أدوات‭ ‬نقدها؟‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬رغم‭ ‬تعقيده‭ ‬الظاهر،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صعبًا‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬وسعي‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬أجيب‭ ‬عنه،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مئات‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬انكبَّبت‭ ‬زمنًا‭ ‬على‭ ‬كتابتها‭ ‬تشفع‭ ‬ليّ‭ ‬بإبداء‭ ‬رأيي،‭ ‬فإن‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الماجستير‭ ‬لبنية‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬لأنموذجها‭ ‬الأكثر‭ ‬صدقًا‭ ‬وقربًا‭ ‬ونفاذًا‭ ‬لجوهرها‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬الماغوط‮»‬‭ ‬تنهض‭ ‬مقام‭ ‬الشفاعة،‭ ‬بما‭ ‬فتحته‭ ‬أمامي‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬وإحاطة‭ ‬بإيقاعاتها‭ ‬وبناها‭ ‬ولغتها،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬دؤوبة‭ ‬لفهم‭ ‬خصوصيتها،‭ ‬يجعلني‭ ‬أقول‭ ‬الآن‭ ‬بثقة‭: ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نستوعب‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬بعد،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬كُتبت،‭ ‬وتُكتب‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬المسمّى‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تمثّل‭ ‬العناصر‭ ‬التكوينية‭ ‬الأساسية‭ ‬لقصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الإيقاع‭ ‬الداخلي‭ ‬أو‭ ‬البنية‭ ‬الدلالية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اللغوي،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬اقتصر‭ ‬الإبداع‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬محاكاة‭ ‬الشكل‭ ‬الخارجي‭ ‬ومحاولة‭ ‬تقليده،‭ ‬أستثني‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬شطرًا‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬مفتاح‭ ‬العماري‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬الأول،‭ ‬وبعض‭ ‬التجارب‭ ‬الآنية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تبين‭ ‬وسط‭ ‬زحام‭ ‬الرداءة‭ ‬والتخبط،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العبء‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬الشاعر‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬يشاركه‭ ‬فيه‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬أنفسهم‭ ‬لفرز‭ ‬وتقويم،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬قمينا‭ ‬بهم‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬من‭ ‬سباتهم‭ ‬ويمارسوا‭ ‬دورهم‭ ‬الأولي،‭ ‬وهو‭ ‬الاحتكام‭ ‬لمعايير‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬فلترة‭ ‬النصوص‭ ‬قبل‭ ‬دراستها،‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬البداهة‭ ‬أن‭ ‬تُخضع‭ ‬النصوص‭ ‬لمرحلة‭ ‬الفرز‭ ‬قبل‭ ‬إخضاعها‭ ‬لمرحلة‭ ‬التحليل؟‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬أدى‭ ‬لظاهرة‭ ‬لافتة‭ ‬وغريبة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تتحرى‭ ‬دراسة‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬تتخذ‭ ‬نماذجها‭ ‬نصوص‭ ‬شعراء‭ ‬لم‭ ‬يكتبوا‭ ‬يومًا‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭! ‬كيف‭ ‬نتطلع‭ ‬لكشف‭ ‬المخبوء،‭ ‬واستبطان‭ ‬الجوهر،‭ ‬والنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬بنى‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬وكمونًا،‭ ‬ونحن‭ ‬نحفر‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬بور‭ !!‬

ألم‭ ‬نكتفِ‭ ‬بعدُ‭ ‬من‭ ‬مراقبة‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬المكرَّر،‭ ‬هذا‭ ‬العبث‭ ‬المنخرط‭ ‬في‭ ‬ديمومة‭ ‬لا‭ ‬تتوقف؟‭ ‬العبث‭ ‬السائر‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الترسخ،‭ ‬والمطالب‭ ‬بحقّه‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬والاعتراف،‭ ‬بل‭ ‬الإشادة‭ ‬والاحتفاء‭!‬

إن‭ ‬جل‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬اليوم‭ ‬ونقرؤها‭ ‬في‭ ‬المجموعات‭ ‬الجديدة‭ ‬وعلى‭ ‬صفحات‭ ‬‮«‬الفيس‭ ‬بوك‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تسوق‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قصيدة‭ ‬نثر‭ ‬وتُدرس‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬قصيدة‭ ‬نثر‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ – ‬في‭ ‬تصوّري‭- ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬أربع‭ ‬صور‭ ‬رئيسة‭: ‬

أولها‭:‬‭ ‬نصوصٌ‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدودَ‭ ‬الخاطرة‭ ‬النثرية؛‭ ‬إذ‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬خصائص‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تُشبهها‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الخارجي،‭ ‬فهي‭ ‬تُقدَّم‭ ‬في‭ ‬مقاطع‭ ‬قصيرة‭ ‬متوارية‭ ‬بقدرٍ‭ ‬من‭ ‬الإيقاع‭ ‬الداخلي؛‭ ‬مما‭ ‬يضلل‭ ‬المتلقي‭ ‬ويوهمه‭ ‬بأنها‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬نثر،‭ ‬وهي‭ ‬الصورة‭ ‬الغالبة‭ ‬اليوم‭.‬

وثانيها‭:‬‭ ‬نصوص‭ ‬تستنسخ‭ ‬السريالية‭ ‬القديمة،‭ ‬فتجدها‭ ‬تحمل‭ ‬عبئًا‭ ‬ثقيلًا‭ ‬من‭ ‬سريالية‭ ‬مستهلكة،‭ ‬تنوء‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬بحملها،‭ ‬سريالية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬احتمالها‭ ‬أو‭ ‬الاتساق‭ ‬معها‭.‬

وثالثها‭:‬‭ ‬نصوص‭ ‬تُضاعِف‭ ‬جرعة‭ ‬الإيروتيك؛‭ ‬لتصنع‭ ‬ما‭ ‬تظنه‭ ‬‮«‬مفاجأة‭ ‬شعرية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مفاجأة‭ ‬شكلية‭ ‬تقوم‭ ‬مقام‭ ‬التوتر‭ ‬والإشراق‭ ‬المطلوبين‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬كونها‭ ‬انزياحات‭ ‬سطحية‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬الخاطرة‭.‬

ورابعها‭:‬‭ ‬نصوص‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬التراكيب‭ ‬اللغوية‭ ‬ساحةً‭ ‬للاستعراض‭ ‬البلاغي؛‭ ‬فغدت‭ ‬بعض‭ ‬القصائد‭ ‬أشبه‭ ‬بــ«فتارين»لغوية‭ ‬مكتظة‭ ‬بالتشابيه،‭ ‬والاستعارات‭ ‬وألعاب‭ ‬اللغة،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬أية‭ ‬رؤية‭ ‬أو‭ ‬تجربة،‭ ‬أو‭ ‬تنفذ‭ ‬ولو‭ ‬بقدر‭ ‬إلى‭ ‬جوهر‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭. ‬

قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬صارتْ‭ ‬أقرب‭ ‬للقراء‭ .. ‬مفتاح‭ ‬العلواني

إن‭ ‬البداية‭ ‬بسؤال‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬الألفيني‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬يختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬الوقت‭.. ‬والمحيط‭.. ‬والنَّاس‭.. ‬وطبائعهم‭.. ‬ويختلف‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭.. ‬لذلك‭ ‬فالنص‭ ‬الراسخ‭ ‬هو‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬بشعريته‭ ‬وصوره‭ ‬الشعرية‭ ‬ومجازاته‭ ‬الفنية‭.. ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬حينها‭ ‬الوقت‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭.. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬صارت‭ ‬أقرب‭ ‬للقراء‭ ‬كونها‭ ‬منسلخة‭ ‬عن‭ ‬حصار‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية‭.. ‬لذلك‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬براحاً‭.. ‬وتستلزم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬فيها‭ ‬مكثفة‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬راسخة‭.. ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬الذين‭ ‬يتذوقون‭ ‬الشعر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الشعراء‭ ‬قد‭ ‬تغيب‭ ‬عنهم‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭.. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬يثار‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬القصيدة‭ ‬النثرية‭ ‬وصلاحيتها‭ ‬كشعر‭ ‬أمام‭ ‬الأنواع‭ ‬الأخرى‭ ‬كـ‭)‬العمودي‭ ‬والتفعيلة‭(.. ‬فهذه‭ ‬مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬يطول‭ ‬فيها‭ ‬الحديث‭.. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭ ‬يظل‭ ‬الشعر‭ ‬شعراً‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬أنه‭ ‬قيل‭ ‬بشعرية‭ ‬وصور‭ ‬عظيمة‭ ‬ومجازات‭ ‬تجعل‭ ‬القارئ‭ ‬منهمكاً‭ ‬في‭ ‬تخيلها‭.. ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬شكله‭.. ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬العتاهية‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬العروض‮»‬‭ ‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.. ‬فلا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬جيلاً‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬ينقصه‭ ‬ما‭ ‬يدفعه‭ ‬ليخلق‭ ‬قصيدة‭ ‬جميلة‭.. ‬فالشاعر‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لدافع‭ ‬مادي‭ ‬أو‭ ‬أدوات‭ ‬معينة‭ ‬ليقول‭ ‬قصيدة‭ ‬جيدة‭.. ‬فالأمر‭ ‬كله‭ ‬متعلق‭ ‬بالتقاطه‭ ‬للصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬الفاخرة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬أو‭ ‬زمان‭.. ‬لأن‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬هو‭ ‬لحظة‭ ‬وعي‭ ‬حادة‭..‬‭ ‬تجعل‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تستلزم‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬شعراً‭.. ‬وفي‭ ‬نظري‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬ليس‭ ‬أن‭ ‬تركم‭ ‬جملة‭ ‬فوق‭ ‬جملة‭.. ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تحشر‭ ‬كلمات‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬شائكة‭.. ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬كلاماً‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬ثم‭ ‬تخبرنا‭ ‬أن‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬الشاعر‭.. ‬لا‭.. ‬فالشعر‭ ‬بحق‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬بلغة‭ ‬الناس‭ ‬العادية‭.. ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬تحيلها‭ ‬أنت‭ ‬لشعر‭ ‬حتى‭ ‬يتساءل‭ ‬الآخرون‭: ‬هذا‭ ‬كلامنا‭ ‬العادي‭.. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬جميلاً‭ ‬هكذا؟‭.. ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬أمام‭ ‬مسألة‭ ‬رياضية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭.. ‬حتى‭ ‬نسرع‭ ‬لفك‭ ‬طلاسم‭ ‬قصيدة‭ ‬بشكل‭ ‬يغيب‭ ‬عنا‭ ‬فرصة‭ ‬التلذذ‭ ‬بالشعر‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬نضيع‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬فهمه‭. ‬

‮  ‬‭ ‬والقول‭ ‬بأن‭ ‬الشعر‭ ‬ينحسر‭ ‬أمام‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬قول‭ ‬مهزوز‭.. ‬ولا‭ ‬أظنه‭ ‬حقيقياً‭.. ‬فالشعر‭ ‬ظل‭ ‬موجوداً‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭.. ‬ظهرت‭ ‬فنون‭ ‬أدبية‭ ‬أخرى‭.. ‬وغابت‭ ‬فنون‭.. ‬وراح‭ ‬شعراء‭ ‬وأتى‭ ‬آخرون‭.. ‬والشعر‭ ‬باقٍ‭.. ‬وأحسب‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬صار‭ ‬أكثر‭ ‬حضوراً‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭.. ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقصيدة‭ ‬النثر‭.. ‬حيث‭ ‬الناس‭ ‬يبحثون‭ ‬عما‭ ‬يترجم‭ ‬ما‭ ‬يحسون‭ ‬بلغة‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬قولها‭ ‬بشكل‭ ‬عادي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انشغالهم‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬مطاردة‭ ‬الحياة‭ ‬والظروف‭ ‬لهم‭.. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭.. ‬فرب‭ ‬ومضة‭ ‬شعرية‭ ‬لا‭ ‬تساويها‭ ‬رواية‭ ‬كاملة‭.. ‬وقد‭ ‬تعيش‭ ‬قصيدة‭ ‬قصيرة‭ ‬وتُنسى‭ ‬رواية‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬صفحة‭..‬‭ ‬فلا‭ ‬غنى‭ ‬للناس‭ ‬عن‭ ‬القصائد؛‭ ‬حيث‭ ‬القصيدة‭ ‬العظيمة‭ ‬يظل‭ ‬الناس‭ ‬يرددونها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أحاديثهم‭ ‬العادية‭.. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينسحر‭ ‬شعر‭ ‬أمام‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الروايات‭.‬

صرخة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الفراغ‭ .. ‬محمد‭ ‬عبدالله

الشعر‭ ‬الألفيني‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬لم‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الجمال‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬النجاة‭ ‬،‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ترفًا‭ ‬بل‭ ‬صرخة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الفراغ‮ ‬‭ ‬رسخت‭ ‬لأنها‭ ‬اللغة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬الألم‭ ‬بلا‭ ‬قناع‭ ‬لكنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬هواء‭ ‬معزول‭ ‬بلا‭ ‬نقد‭ ‬حقيقي‭ ‬ولا‭ ‬قارئ‭ ‬يغامر‭ .‬

نحن‭ ‬جيل‭ ‬كتب‭ ‬الشعر‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬مضيئة‭ ‬وفي‭ ‬مدن‭ ‬مظلمة‭ ‬،‭ ‬كتبناه‭ ‬لأن‭ ‬الصمت‭ ‬كان‭ ‬يقتلنا،‭ ‬ما‭ ‬ينقصنا‭ ‬ليس‭ ‬الموهبة‭ ‬بل‭ ‬زمن‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬الشعر‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬ترف،‭ ‬تأثيرنا‭ ‬موجود‭ ‬لكنه‭ ‬هامس‭ ‬لأن‭ ‬الساحة‭ ‬تفضل‭ ‬الحكاية‭ ‬المباشرة‭ ‬الواضحة‭ ‬والثرثرة‭ ‬على‭ ‬الرمزية‭ ‬والتكثيف‭.‬

قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬هنا‭ ‬حررتْ‭ ‬اللغة‭ ‬لكنها‭ ‬فقدت‭ ‬جمهورها‭ ‬،‭ ‬الجيل‭ ‬الألفيني‭ ‬يعيش‭ ‬بلا‭ ‬آباء‭ ‬أدبيين‭ ‬بلا‭ ‬مؤسسات‭ ‬بلا‭ ‬ذاكرة‭ ‬مشتركة‭ ‬لذلك‭ ‬كل‭ ‬شاعر‭ ‬يكتب‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬اللغة‭ ‬،أما‮ ‬‭ ‬الرواية‭ ‬تقدمت‭ ‬نعم‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تقتل‭ ‬الشعر‭ ‬،‭ ‬فقط‭ ‬تسرق‭ ‬الضوء‭ ‬منه‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬الشعر‭ ‬والشاعر‭ ‬بطبيعتهم‭ ‬لا‭ ‬تستهويهم‭ ‬الأضواء‭ .‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬يبقى‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬لكنه‭ ‬متعب‭ ‬يكتب‭ ‬في‭ ‬الظل‭ ‬بلا‭ ‬تصفيق‭ ‬وما‭ ‬ينقص‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬ببساطة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يسمعه‭ . ‬

قصيدة‭ ‬التثر‭ ‬نتاج‭ ‬تفاعلي‭ .. ‬حمزة‭ ‬الفلاح

الرسوخ‭ ‬ودرجة‭ ‬التأثير‭ ‬يثير‭ ‬انتباهي‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬هذا‭ ‬السؤال؛‭ ‬خصوصًا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بقصيدة‭ ‬النثر،‭ ‬ويحيلني‭ ‬تلقائيًا‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هشاشتها‭ ! ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الخطورة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬نصًا‭ ‬غير‭ ‬مرئي،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬كما‭ ‬تقترح‭ ‬تجريبية‭ ‬رولان‭ ‬بارت‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬أدبًا‭ ‬غير‭ ‬مكتمل‭. ‬إن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬هي‭ ‬تقاطع‭ ‬الشاعر‭ ‬المنهجي‭ ‬مع‭ ‬أنواع‭ ‬الأدب‭ ‬الأخرى،‭ ‬هذا‭ ‬التقاطع‭ ‬الواعي‭ ‬بضرورة‭ ‬تجاوز‭ ‬اللغة‭ ‬بواسطة‭ ‬تدميرها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬بذلك‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬عناصر‭ ‬بنائها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وإنما‭ ‬تعيد‭ ‬بتكرار‭ ‬نفسها‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬المرة‭ ‬نضارتها‭ ‬بهدم‭ ‬بنيتها‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التقاطع‭. ‬كاتب‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬بطبيعته‭ ‬قارئ‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬تسبق‭ ‬عملية‭ ‬كتابتها،‭ ‬ويمارس‭ ‬الفطنة‭ ‬والتأويل‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية،‭ ‬ولا‭ ‬يهمه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متخصصًا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يستبعد‭ ‬عنه‭ ‬نمطية‭ ‬التفكير‭ ‬والشكل،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كذلك‭ ‬فهو‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭. ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬الموت‭ ‬حلمًا،‭ ‬وفي‭ ‬الغروب‭ ‬حزنًا‭ ‬ذهبيًا‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الشعر‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بورخيس‭ ‬وفي‭ ‬علاقة‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬بالنثر‭ ‬الصارم‭ ‬والنثر‭ ‬الشعري‭ ‬والنثر‭ ‬السردي‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الكثيرين‭ ‬مثالب‭ ‬معقدة‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬ليس‭ ‬شعرًا‭ ‬خالصًا‭ ‬أو‭ ‬نثرًا‭ ‬خالصًا‭ ‬وهو‭ ‬إشكال‭ ‬التعريف‭ ‬الأكاديمي‭ ‬لهذه‭ ‬القصيدة‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬بفضل‭ ‬النظرة‭ ‬الملتبسة‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬التناقض‭ ‬والغموض،‭ ‬ففي‭ ‬الدراسات‭ ‬الحديثة‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬شائعة‭ ‬ويفهم‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬‮«‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬والنثر‭ ‬نوعان‭ ‬مختلفان‭ ‬جذريًا‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭. ‬وقد‭ ‬وُصف‭ ‬الشعر‭ ‬النثري‭ ‬أيضًا‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬قصيدة‭ ‬مكتوبة‭ ‬بالنثر‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العمودي،‭ ‬ويتميز‭ ‬كشكل‭ ‬باستفادته‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬النثر‭ .. ‬مع‭ ‬إبراز‭ ‬أدوات‭ ‬الشعر،‭ ‬ويُعرَّف‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جدًا‭ ‬والقصة‭ ‬المصغرة،‭ ‬ويُقارن‭ ‬بالقصيدة‭ ‬الحرة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يقول‭ ‬المحرر‭ ‬والشاعر‭ ‬النثري‭ ‬بيتر‭ ‬جونسون‭:‬‭ ‬‮«‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬يمتد‭ ‬الغموض‭ ‬الأسود‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬الكوميديا‭ ‬والمأساة،‭ ‬يزرع‭ ‬الشعر‭ ‬النثري‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬النثر‭ ‬والأخرى‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬وكلا‭ ‬الكعبين‭ ‬يستندان‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬على‭ ‬قشور‭ ‬الموز‭.[‬1‭]‬‮»‬‭ ‬ربما‭ ‬حقيقة‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬يستدعي‭ ‬تصورها‭ ‬مثل‭ ‬وحش‭ ‬أسطوري‭ ‬خيالي‭ ‬نصادق‭ ‬على‭ ‬وجوده‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬صورة‭ ‬ثابتة‭ ‬بإمكاننا‭ ‬فحصها‭ ‬ومعاينتها،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يميزها‭ ‬لأنها‭ ‬قصيدة‭ ‬إدراكية‭ ‬وحسطية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كما‭ ‬يخبرنا‭ ‬جورج‭ ‬باركر‭: ‬‮«‬مثل‭ ‬وحش‭ ‬بحيرة‭ ‬لوخ‭ ‬نِس،‭ ‬فإن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬مخلوقٌ‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬من‭ ‬وجوده‭ ‬سوى‭ ‬أدلةٍ‭ ‬شديدة‭ ‬الغموض‭. ‬فأحيانًا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تظهر،‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬سلاسل‭ ‬من‭ ‬التموجات‭ ‬الملتفة،‭ ‬خارجةً‭ ‬من‭ ‬ديثيرامبات‭ ‬والت‭ ‬ويتمان؛‭ ‬ويزعم‭ ‬عددٌ‭ ‬من‭ ‬النقّاد‭ ‬الفرنسيين‭ ‬أنهم‭ ‬التقطوا‭ ‬صورًا‭ ‬لهذا‭ ‬الكائن‭ ‬العجيب،‭ ‬بينما‭ ‬يحتفظ‭ ‬كثيرٌ‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بتسجيلاتٍ‭ ‬صوتيةٍ‭ ‬لأناشيده‭ ‬التي‭ ‬يصدح‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬الخيال‭ ‬المُتحرر‮»‬1‭. ‬والآن‭ ‬ماذا‭ ‬تبقى‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬الرسوخ‭ ‬فالتفكير‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬منه،‭ ‬ولا‭ ‬يقدم‭ ‬شيئًا‭ ‬لهوية‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬المطاردة‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬والمحكوم‭ ‬عليها‭ ‬بأن‭ ‬تصارع‭ ‬أوجه‭ ‬السلطة‭ ‬المتعددة‭..‬ما‭ ‬ينقصنا‭ ‬حقًّا‭ ‬هو‭ ‬فهم‭ ‬طبيعتها‭ ‬وتكثيف‭ ‬حضورها،‭ ‬ليس‭ ‬بالكتابة‭ ‬وحدها،‭ ‬‮ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬فنّ‭ ‬حرّ‭. ‬

مرام‭ ‬القبلاوي

المشهد‭ ‬الشعري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬متذبذب‭ ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬الخفوت،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬التقليدي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬التراجع،‭ ‬استطاعت‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬الشعراء‭ ‬مساحة‭ ‬أوسع‭ ‬للتعبير‭ ‬الصادق‭ ‬والاكتشاف‭ ‬والتجريب‭ ‬المستمر،‭ ‬وهي‭ ‬مزايا‭ ‬جعلت‭ ‬الشعراء‭ ‬أكثر‭ ‬حرية‭ ‬وتمسكًا‭ ‬بها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬حضورها‭ ‬لدى‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬غائب،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتلقين‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقى‭ ‬الشعرية‭ ‬للشعر‭ ‬الموزون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اهتمامهم‭ ‬بعمق‭ ‬الفكرة‭ ‬وصدق‭ ‬التجربة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬شعراء‭ ‬كبار‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬جمال‭ ‬الشكل‭ ‬وثراء‭ ‬المضمون،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬شعرهم‭ ‬حاضرًا‭ ‬في‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬ولأن‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬بطبيعتها‭ ‬فكرية‭ ‬وتأملية،‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬جمهورها‭ ‬محصورًا‭ ‬في‭ ‬النخبة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والشعراء‭ ‬أنفسهم‭.‬

ما‭ ‬ينقص‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الشعري‭ ‬هو‭ ‬الدعم‭ ‬المؤسسي‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬الجاد‭. ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬الطبيعة‭ ‬الشعرية‭ ‬الذاتية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬غياب‭ ‬الدعم،‭ ‬فإن‭ ‬غياب‭ ‬حركة‭ ‬نقدية‭ ‬مسؤولة‭ ‬جعل‭ ‬الشعراء‭ ‬الشباب‭ ‬يتخبطون‭ ‬بين‭ ‬أشباه‭ ‬الشعر‭ ‬وأشباه‭ ‬الشعراء،‭ ‬مما‭ ‬أفقد‭ ‬بعضهم‭ ‬الحس‭ ‬الشعري‭ ‬الأصيل‭. ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬إمّا‭ ‬نتيجة‭ ‬العزوف‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬السيل‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬الضعيفة،‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬محاولات‭ ‬التشبه‭ ‬بها‭ ‬وتكرار‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬وسهل‭ ‬الانتشار‭. ‬لهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬بناء‭ ‬يوجه‭ ‬التجربة‭ ‬ولا‭ ‬يقيدها‭.‬

في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬ليس‭ ‬الشعر‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يفقد‭ ‬وزنه‭ ‬الشعبي؛‭ ‬حتى‭ ‬الرواية‭ ‬نفسها‭ ‬بدأت‭ ‬تخسر‭ ‬جمهورها‭ ‬أمام‭ ‬السينما‭ ‬والعروض‭ ‬التلفزيونية‭ ‬ذات‭ ‬الميزانيات‭ ‬الضخمة‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والرواية‭ ‬تعد‭ ‬تقييمًا‭ ‬استهلاكيًا‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الفنون‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬بالجمهور‭ ‬بل‭ ‬بأثر‭ ‬التجربة‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬بأسًا‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬الشاعر‭ ‬الرواية‭ ‬ليستفيد‭ ‬من‭ ‬أدواتها‭ ‬السردية‭ ‬ومساحتها‭ ‬الأوسع‭ ‬للتعبير،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬جوائزها‭ ‬المادية‭ ‬الكثيرة‭. ‬فالشعر‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬فنّ‭ ‬حرّ‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬بالمردود‭ ‬المادي،‭ ‬ومعظم‭ ‬الشعراء‭ ‬اليوم‭ ‬يمارسون‭ ‬وظائف‭ ‬أخرى‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬عيبًا،‭ ‬بل‭ ‬ميزة‭ ‬تمنحهم‭ ‬استقلالية‭ ‬فكرية‭ ‬وفنية،‭ ‬وتجعل‭ ‬قصائدهم‭ ‬أكثر‭ ‬صدقًا‭ ‬وشفافية،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬التزامات‭ ‬مؤسسية‭ ‬أو‭ ‬تجارية‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى