ثقافة

‮«‬عني‮»‬‭ ‬عندما‭ ‬تتحول‭ ‬السيرة‭ ‬إلى‭ ‬وثيقة

سميرة البوزيدي

بالنسبة‭ ‬لـ‭)‬نجوى‭(‬‭ ‬كانت‭ ‬إجدابيا‭ ‬هي‭ ‬الجحيم،‭ ‬أو‭ ‬لنكون‭ ‬أكثر‭ ‬دقةً‭ ‬ليبيا‭ ‬هي‭ ‬الجحيم،‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يتسرع‭ ‬أحدٌ‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬ليكمل‭ ‬القراءة‭..‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يكره‭ ‬شخصٌ‭ ‬وطنه،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يكرهه‭ ‬لأنه‭ ‬وطنه‭.‬

تقول‭ ‬نجوى‭:‬‭ ‬‮«‬الوطن‭ ‬شيء،‭ ‬والذين‭ ‬يسكنون‭ ‬الوطن‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬أنتِ‭ ‬متضرّرة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يسكنون‭ ‬الوطن،‭ ‬ارحلي‭ ‬عنه‭ ‬وتحرّري‭ ‬منهم‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬لكِ‭ ‬من‭ ‬عكوس،‭ ‬ونحوس‭ ‬هي‭ ‬رسائل،‭ ‬مثل‭ ‬ضربات‭ ‬الفأس‭ ‬المتتالية‭ ‬في‭ ‬الموضع‭ ‬نفسه‭ ‬تحضّك‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬المشيمة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنقطع‮»‬‭. ‬قد‭ ‬نُعرّفُ‭ ‬الوطنَ‭ ‬بأمور‭ ‬كثيرة‭ ‬وقد‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نهرب‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تعريف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬ولكنّنا‭ ‬برغم‭ ‬ذلك‭ ‬نستمر‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬فيه‭ ‬وحبه‭ ‬ولكل‭ ‬منّا‭ ‬أسبابه‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬وصلني‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬سيرة‭ ‬نجوى،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬سيرة‭ ‬شخصية‭ ‬لكاتبة‭ ‬ناجحة‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬لمحاولة‭ ‬فهم‭ ‬لعلاقتنا‭ ‬مع‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬نولد‭ ‬فيه،‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬ذلك‭ ‬المكان،‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أقارب‭ ‬أو‭ ‬غرباء‭. ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬اسمه‭ ‬ليبيا؟‭ ‬وكيف‭ ‬تتحول‭ ‬سيرة‭ ‬نجوى‭ ‬لمرآة‭ ‬لمجتمع‭ ‬متأزم‭ ‬ومليء‭ ‬بالتناقضات‭.‬

يتفق‭ ‬معظم‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬معظم‭ ‬تصوراته‭ ‬ومعتقداته‭ ‬وما‭ ‬يحدد‭ ‬مستقبله‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭. ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬فيها‭ ‬نجوى‭ ‬للحياة‭ ‬كانت‭ ‬أعجوبة،‭ ‬ففي‭ ‬طريق‭ ‬أمها‭ ‬للمستشفى‭ ‬تتعرض‭ ‬سيارتهم‭ ‬لحادث‭ ‬سير‭ ‬و‭ ‬يصاب‭ ‬جدها‭ ‬وخالها،‭ ‬لكنها‭ ‬نجت‭ ‬واختارت‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصدفة‭ ‬البيولوجية‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنثى،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحباً‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬رفض‭ ‬والدها‭ ‬تسميتها،‭ ‬فاختارت‭ ‬لها‭ ‬أمها‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬الحادث‭ ‬ونجاتها‭ ‬المعجزة‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬نجوى‮»‬‭. ‬لاحقاً،‭ ‬سيسبب‭ ‬لها‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المضايقات،‭ ‬وسيُعاملها‭ ‬زملاؤها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أجنبية‭ ‬في‭ ‬سنواتها‭ ‬الدراسية‭ ‬الأولى،‭ ‬كون‭ ‬الاسماء‭ ‬وقتها‭ ‬كانت‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬تأخذ‭ ‬البنات‭ ‬اسماء‭ ‬جداتهم‭. ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬السيرة‭ ‬تصف‭ ‬نجوى‭ ‬نفسها‭ ‬بأنها‭ ‬وُلدت‭ ‬عجوزاً،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬رحلتها‭ ‬مع‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬مدرستها‭ ‬المتهالكة‭ ‬ستتعلم‭ ‬معنى‭ ‬القسوة‭ ‬والظلم‭. ‬وهي‭ ‬كانت‭ ‬مستسلمة‭ ‬لقدرها‭ ‬وغير‭ ‬مقاومة‭ ‬طيلة‭ ‬فترة‭ ‬طفولتها،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬قبولها‭ ‬بالجلوس‭ ‬في‭ ‬المقعد‭ ‬الأخير،‭ ‬مقعد‭ ‬‮«‬الأغبياء‮»‬،‭ ‬مروراً‭ ‬بصمتها‭ ‬الدائم،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تحملها‭ ‬للعنف‭ ‬الممارس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المعلمات‭ ‬والطالبات‭. ‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬الفصول‭ ‬تصف‭ ‬بشكل‭ ‬مؤثر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الأطفال‭ ‬آنذاك‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬وتعنيف‭ ‬،‭ ‬كذلك‭ ‬شعورها‭ ‬بالغربة‭ ‬في‭ ‬البلدة‭ ‬النائية‭ ‬التي‭ ‬هاجرت‭ ‬إليها‭ ‬عائلتها‭ ‬بسبب‭ ‬عمل‭ ‬والدها،‭ ‬وثانيها‭ ‬تفوقها‭ ‬العلمي‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬عرضة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬العزلة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ستدخل‭ ‬في‭ ‬أولى‭ ‬أزماتها‭ ‬الهوياتية،‭ ‬ولن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تجاوزها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬حين‭ ‬سيظهر‭ ‬نبوغها‭ ‬الأدبي‭ ‬وتصبح‭ ‬الكاتبة‭ ‬الرسمية‭ ‬للرسائل‭ ‬الغرامية‭ ‬لكل‭ ‬زميلاتها‭. ‬وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬نجوى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬للتعلم‭ ‬بل‭ ‬أشبه‭ ‬بسجن‭ ‬يكافح‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬ليحافظ‭ ‬على‭ ‬سلامته‭ ‬النفسية‭ ‬والجسدية‭.‬

أما‭ ‬خارج‭ ‬المدرسة‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬المعاملة‭ ‬أفضل‭ ‬حالاً‭. ‬فقد‭ ‬عاشت‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سلطة‭ ‬عائلية‭ ‬صارمة؛‭ ‬فالأم‭ ‬تميز‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬إخوتها‭ ‬الذكور،‭ ‬والتعاليم‭ ‬والأوامر‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالخرافة‭ ‬والجهل‭ ‬لا‭ ‬العقل‭ ‬والاقناع‭. ‬فكان‭ ‬من‭ ‬المحرم‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تصادق‭ ‬أي‭ ‬فتاة‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬إلا‭ ‬بشروط‭ ‬قاسية،‭ ‬وفوق‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬أمها‭ ‬اهتماماً‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ردّاً‭ ‬على‭ ‬شكاويها‭ ‬من‭ ‬معاملة‭ ‬مدرستها‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأم‭ ‬إلا‭ ‬ضحية‭ ‬بدورها‭. ‬فبسبب‭ ‬غياب‭ ‬الأب‭ ‬الطويل‭ ‬بحكم‭ ‬عمله،‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تربية‭ ‬خمسة‭ ‬أولاد‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬تستحيل‭ ‬فيه‭ ‬الحياة‭ ‬وتصفها‭ ‬فتقول‭: ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬المقطوعة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬ربما‭ ‬انقرض‭ ‬آخر‭ ‬ديناصور‭. ‬أما‭ ‬نحن،‭ ‬فشيءٌ‭ ‬فينا‭ ‬قاوم‭ ‬الانقراض،‭ ‬سرٌّ‭ ‬عظيمٌ‭ ‬جدير‭ ‬أن‭ ‬يتقصّاه‭ ‬العلم،‭ ‬جعلَنا‭ ‬نصمد‭ ‬في‭ ‬ظروفٍ‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بالحياة‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬التكاثر‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬المتوتر‭ ‬والمشوه‭ ‬نشأت‭ ‬نجوى‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الدهشة‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬خرجت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬كان‭ ‬قدرتها‭ ‬اللافتة‭ ‬على‭ ‬الخيال‭. ‬فعلى‭ ‬جدران‭ ‬بيتها‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬الكهرباء،‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬وحوشاً‭ ‬وأشخاصاً،‭ ‬وباستخدام‭ ‬الظلال‭ ‬تحاول‭ ‬رسم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬هذا‭ ‬الخيال‭ ‬تطور‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬عالمها‭ ‬الممزق،‭ ‬لا‭ ‬الحجر‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬البشر‭ ‬أيضاً،‭ ‬وحين‭ ‬اكتشفت‭ ‬سحر‭ ‬اللغة‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬يوميات‭ ‬وقصص‭.‬

فيما‭ ‬بعد‭ ‬تستمتر‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬اعطاءها‭ ‬المفاجآت‭ ‬فرحلتها‭ ‬الدراسية‭ ‬ستنقطع‭ ‬فجأة‭ ‬حين‭ ‬يفرض‭ ‬التدريب‭ ‬العسكري‭ ‬الاجباري،‭ ‬فتضطر‭ ‬لمغادرة‭ ‬مدرستها‭ ‬والالتحاق‭ ‬بمدرسة‭ ‬محو‭ ‬الأمية‭ ‬لاكمال‭ ‬تعليمها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الثكنة‭ ‬العسكرية‭! ‬حيث‭ ‬تابعت‭ ‬تعليمها‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬وعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬أقرانها‭. ‬هناك،‭ ‬ستتعرف‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬صديقتها‭ ‬خلود،‭ ‬ستتعرف‭ ‬على‭ ‬عوالم‭ ‬اخرى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءة‭.‬

خلود‭ ‬كانت‭ ‬ضحية‭ ‬لأفكار‭ ‬أخيها‭ ‬المتطرفة،‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬منبوذة‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬لأنها‭ ‬تخبرهم‭ ‬بأن‭ ‬مصيرهم‭ ‬جميعا‭ ‬هو‭ ‬النار‭ ‬والجحيم‭ ‬الأبدي،‭ ‬ولأن‭ ‬نجوى‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬قبلت‭ ‬بصداقتها‭ ‬ستسرق‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬أخوها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحرقها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬ستُفتن‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بكتّاب‭ ‬مثل‭ ‬تولستوي‭ ‬وهوجو‭. ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬رحلتها‭ ‬ككاتبة‭ ‬وامرأة‭ ‬بالغة‭.‬

ثم‭ ‬مرحلة‮ ‬‭ ‬الانقطاع‭ ‬بسبب‭ ‬الزواج‭ ‬وتربية‭ ‬ابنها‭ ‬الوحيد،‭ ‬تعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬المعلمين‭ ‬رغم‭ ‬رفض‭ ‬إخوتها‭ ‬ومعاناتها‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬المال‭ ‬وصعوبة‭ ‬السكن‭. ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والدها،‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬حصتها‭ ‬من‭ ‬الميراث،‭ ‬لكنها‭ ‬اعتبرت‭ ‬ذلك‭ ‬ثمناً‭ ‬لحريتها‭. ‬لكن‭ ‬الاستقلال‭ ‬لم‭ ‬يحمها‭ ‬من‭ ‬المصاعب‭. ‬

في‭ ‬الختام‭ ..‬‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬السنوات‭ ‬وتعاقب‭ ‬الأحداث،‭ ‬فإن‭ ‬سيرة‭ ‬نجوى‭ ‬تكشف‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬لم‭ ‬يتبدل‭ ‬كثيراً؛‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬البلاد‭ ‬غارقة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬التناقضات،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬القمع‭ ‬والظلم‭ ‬والعنف‭ ‬المستمر‭ ‬يطحن‭ ‬الأفراد‭ ‬ويشوّه‭ ‬أحلامهم‭. ‬وما‭ ‬عاشته‭ ‬نجوى‭ ‬بالأمس‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬صورة‭ ‬مطابقة‭ ‬لواقع‭ ‬اليوم،‭ ‬وكأن‭ ‬البلاد‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منها‭. ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬نجوى‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ذكرى‭ ‬من‭ ‬الماضي،‭ ‬بل‭ ‬شهادة‭ ‬حيّة‭ ‬على‭ ‬حاضر‭ ‬مستمر‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭. ‬وهكذا‭ ‬تتحول‭ ‬السيرة‭ ‬إلى‭ ‬وثيقة‭ ‬مضاعفة‭: ‬فهي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬تعكس‭ ‬حياة‭ ‬فرد،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬مأزق‭ ‬جماعي‭ ‬لم‭ ‬نتجاوزه‭ ‬بعد‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬السيرة‭ ‬من‭ ‬تعاسة‭ ‬وتشاؤم،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كُتبت‭ ‬بلغة‭ ‬سردية‭ ‬تتجنب‭ ‬التصريح‭ ‬المباشر‭ ‬وتفتح‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬مجالاً‭ ‬واسعاً‭ ‬للتأمل‭. ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تكشف‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬تحتفظ‭ ‬بومضات‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬والدهشة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى