
المواطن يتساءل هل هذه الفعاليات نافذة أمل أم ترفٌ لا مكان له وسط الأزمات؟
في السنوات الأخيرة، ظهرت في ليبيا موجة من المهرجانات والمؤتمرات والجوائز تحمل أسماء لامعة ومضامين متنوعة، من فعاليات ثقافية وفنية إلى مسابقات جمال وملتقيات شبابية.
ظاهريًا، يبدو الأمر طبيعيًا ومطلوبًا لإحياء الحياة الثقافية والاجتماعية، لكن خلف هذا الظهور المتسارع تتولد أسئلة صريحة .
ما المعايير التي تنشأ عليها هذه الفعاليات؟
ما الهدف الحقيقي من إقامتها؟
ولماذا يتكرر وصف كل حدث بأنه «الأول» وكأن ليبيا كانت صحراء ثقافية؟
بين مؤيد يرى في المهرجانات نافذة أمل تعيد الحياة لليبيين، ومعارض يعتبرها ترفًا غير مبرر، يتضح أن المجتمع منقسم، لكنه يلتقي عند نقطة أساسية
ليبيا تحتاج إلى الفرح… لكن بميزان يضع الأهداف والمعايير فوق كل اعتبار.
بداية كان لقاء مع الدكتور :صلاح الجرماوي رئيس جائزة المرأة الملهمة
في رأيك ما الهدف الحقيقي من إقامة هذه المهرجانات والمسابقات، وهل يمكن أن تكون داعمًا للسياحة والثقافة في ليبيا؟
جائزة المرأة الملهمة ليست مهرجانًا أو مسابقة بالمعنى التقليدي، بل هي مشروع وطني يحمل رسالة أعمق تتمثل في صناعة القدوة داخل المجتمع الليبي. فقد أُنشئت لتسليط الضوء على نساء قدمن إسهامات ملموسة وأثرًا إيجابيًا في مجالات التربية والتعليم، الصحة الجسدية والنفسية، العمل الاجتماعي والتطوعي، الفن والإعلام، ليصبحن نماذج يُحتذى بها.
لقد عانى الجيل الجديد في السنوات الأخيرة من غياب القدوة الصالحة، مما ترك فراغًا كبيرًا استُغل بتأثيرات خارجية متباينة توجه فكره وسلوكه. ومن هنا جاءت فكرة الجائزة لتكون منصة تبرز المتميزات والمؤهلات للقيادة والإلهام، والاعتبار بالنماذج التي يمكن أن تُحدث التغيير الإيجابي في المجتمع.
واختيار المرأة تحديدًا ليس أمرًا عابرًا، فالمرأة هي أساس بناء الأسرة والمجتمع. ووجودها كقدوة يعني وجود أم مربية، وزوجة صالحة، وابنة بارة، وزميلة متعاونة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على استقرار المجتمع وتماسكه.
وفي الوقت ذاته، تُسهم هذه المبادرة في ترسيخ ثقافة الاعتراف بالإنجاز، وتعكس صورة حضارية مشرفة عن ليبيا أمام العالم. كما أن تنظيم فعاليات بهذا المستوى، بحضور شخصيات رسمية ودبلوماسية وعالمية، يسهم بشكل غير مباشر في تحسين الصورة العامة، ويعكس الاستقرار والأمن، ويضع ليبيا على خريطة الفعاليات ذات البعد الإنساني والتنموي، وهو ما يعزز السياحة والثقافة في ليبيا.
ما المعايير التي يتم على أساسها الاختيار، وما مدى شفافية ذلك؟
المعيار الرئيسي لاختيار المرأة الملهمة هو مدى تأثيرها الإيجابي في المجتمع. يتم فتح باب الترشيح، ومن ثم تبدأ عملية الفرز وفق معايير دقيقة وشفافة، حيث يتم تصفية الملفات بواسطة لجنة مختصة لاختيار أفضل 50 مرشحة.
يتم التحقق من صحة البيانات والمعلومات والتواصل مع المرشحات لتأكيد مشاركتهن، وبعدها تنتقل الملفات إلى مرحلة التحكيم. في هذه المرحلة تُرمّز السير الذاتية بأرقام تسلسلية دون ذكر الأسماء لضمان أعلى درجات الموضوعية.
تقوم لجنة التحكيم بدراسة الملفات وفق معايير صارمة تشمل حجم الإنجاز، عمق الأثر المجتمعي، مدة العطاء، والقدرة على الإلهام. وفي المرحلة النهائية تُجرى مقابلات شخصية مع المرشحات الأبرز لتكوين صورة متكاملة قبل اتخاذ القرار. وتُعتبر هذه المرحلة بمثابة الفلترة الحاسمة لاختيار الشخصيات التي أثبتت أن تأثيرها ليس مجرد ادعاء أو نشاط اجتماعي عابر، بل إنجازات حقيقية وموثوقة تركت أثرًا إيجابيًا واضحًا على أرض الواقع.
هل من شروط أو لوائح تضمن أن لا تتحول مثل هذه المسابقات إلى برنامج أو ترويج تجاري؟
جائزة المرأة الملهمة جائزة لصناعة القدوة النسائية، وهي بعيدة عن أي قيمة تجارية. فالجائزة مسجلة كملكية فكرية في وزارة الثقافة والتنمية المعرفية، وتحظى بدعم رسمي من وزارة الدولة لشؤون المرأة وعدة جهات وطنية.
رسالتها تنموية وثقافية خالصة، وكل الدعم الذي تتلقاه يوجه فقط لتغطية نفقات التنظيم والإعلام بما يضمن استمرارية هذا المشروع الوطني.
ما ردكم على ما يوجه لهذه البرامج من انتقادات مجتمعية ووصفها بالتغريب والخروج عن معايير وقيم مجتمعنا؟
جائزة المرأة الملهمة جائزة وطنية صُممت بما ينسجم مع قيمنا الليبية والإسلامية. فالإسلام كرم المرأة وأعلى من شأنها وجعلها شريكًا أساسيًا في بناء الأسرة والمجتمع. ومن هذا المنطلق، استُلهم الرمز التكريمي للجائزة من «خناق المجارات» في الزي التقليدي الليبي، كدلالة على أصالة الهوية المحلية.
الجائزة تتناول مجالات محددة ومعتمدة، وهي التربية والتعليم، الصحة الجسدية والنفسية، العمل الاجتماعي والتطوعي، المجال العملي والمهني وريادة الأعمال، إضافة إلى الفنون والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وبهذا فهي لا تقتصر على فئة بعينها، بل تشمل جميع النساء الليبيات اللواتي قدمن أثرًا ملموسًا في بيئاتهن المختلفة.
وعليه، فالجائزة ليست تغريبًا ولا خروجًا عن قيم المجتمع، بل على العكس، هي تعزيز لصورة المرأة القدوة الليبية، وتوثيق لقصص نجاح نفتخر بها جميعًا، بما يعزز قيم الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية.
هل توجد رقابة من جهات رسمية على هذه الفعاليات؟
بالتأكيد. فمنذ انطلاقها، تتم الجائزة برعاية وإشراف رسمي، حيث كانت وزارة الدولة لشؤون المرأة راعيًا شرفيًا لها منذ نسختها الأولى، إلى جانب دعم من وزارات ومؤسسات حكومية أخرى مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
هذا يعكس أن الجائزة تُختتم في إطار وطني منظم وتحت متابعة مباشرة من الجهات الرسمية، بما يضمن شفافيتها وتوافقها مع القوانين والقيم المجتمعية.
ولاء سامي رئيسة مهرجان الجمال العربي بمصر
تنظيم مهرجان أو مسابقة في ليبيا، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يأتي من إيماننا العميق بأن الحياة لا تتوقف عند حدود الأزمات. نؤمن أن الفن والجمال والثقافة أدوات أساسية لمواجهة الضغوط وصناعة الأمل. هدفنا ليس الترفيه فقط، بل إبراز الوجه الحقيقي لليبيا وإيصال رسالة للعالم أن الشعب الليبي قادر على الإبداع رغم الصعاب، مع تمكين المرأة والشباب ومنحهم منصة للتعبير عن مواهبهم.
حنان الطيب مدير دار الحنان لرعاية الأيتام وعضو مستشار الأعمال الخيرية
كانت مشاركتي تشجيعًا للسيدة ولاء، كسيدة طموحة تسعى لإبراز كل ما هو جميل وتمثيل المرأة الليبية بأبهى صورة فى دولة مصر الشقيقة عن . الزي الليبي له هيبته الخاصة وأياً كان مكان عرضه يظل أكثر انسجامًا مع هويتنا. لكن مجتمعنا يرفض الجديد ويحب النقد والإشاعات، وهذا سلوك يحتاج إلى تغيير جذري حتى نرتقي وندعم كل مبادرة إيجابية .
أمل الصمود خبير تجميل محترفة ومشاركة في مهرجان الجمال العربي
المشاركة في المهرجان تجربة تحمل طابعًا مزدوجًا: تعزز الثقة بالنفس وتفتح آفاقًا جديدة، لكنها قد تواجه انتقادات مجتمعية. التأثير الإيجابي يعتمد على كيفية استغلال التجربة لتحقيق أهداف شخصية دون الخضوع للوصم. والأهم أن تُوجَّه المسابقات لمعايير الإبداع والمحتوى، لا المظهر فقط.»
سامية ميلاد الصديق هير ستايل ومشاركة في مهرجانات سابقة
لم تكن مشاركتي مجرد تجربة عابرة، بل خطوة نابعة من طموحي لفتح آفاق جديدة شخصيًا ومهنيًا. أي مبادرة للتجديد ستواجه الجدل في بدايتها، لكنني أركز على الرسالة الإيجابية: أن المرأة الليبية قادرة على الحضور بثقة وتمثيل صورتها بعيدًا عن القوالب التقليدية.
منى بوعزة مستشارة أسرية
كنت الأسبوع الماضي ضيفة على المؤتمر السنوي الأول للإعلام العربي، ولأول مرة أزور مدينة بنغازي. في البداية كنت مترددة، لكنني قررت كسر حاجز التردد، فالوطن واحد. بمجرد وصولي شعرت بترحيب ومحبة من أهل بنغازي، وكان التنظيم احترافيًا من التذاكر وحتى الاستقبال.
المؤتمر، رغم أنه النسخة الأولى، كان ناجحًا بكل المقاييس، والأخطاء كانت بسيطة وتنظيمية فقط. الأجواء كانت مبهرة بحضور شخصيات إعلامية عربية وليبية، وشجعني ذلك على الإيمان بأهمية هذه المهرجانات والمؤتمرات، وأتمنى أن تتكرر وأن نكون جميعًا قلبًا واحدًا.
لدينا في ليبيا أمثلة ناجحة مثل أيام طرابلس الإعلامية التي كانت حدثًا رائعًا ترك أصداء جميلة، وإذا استمررنا بهذا النهج سنصل إلى مستوى احترافي يليق بنا وبطموحاتنا.»
رأي إعلامي
الإعلامية القديرة نعيمة الطاهر
في السنوات الأخيرة صرنا نتفاجأ بظهور فعاليات عديدة تحمل مسميات شتى. كنت أجد نفسي أتساءل: ما المعايير التي تُقام عليها؟ ما الهدف من بعثها؟ ولماذا يتم وصف كل حدث بأنه الأول وكأن ليبيا لم تعرف نشاطًا ثقافيًا من قبل؟
ما يؤلم أن البعض يعتنق فكرة «الدونية» أمام غيرنا، وينبهر بالآخر دون الاعتداد بشخصيتنا الليبية الغنية بالحضارة والإنجازات.
قبل الشروع في إقامة المهرجانات يجب وضع تخطيط مسبق يشمل الهدف، والتسمية، والمستهدفين، والحرص على ألا يكون المحتوى مكرراً. علينا الاعتزاز بهويتنا الليبية وتقديم أنفسنا للعا م بصورة صحيحة وواضحة تؤكد إرثنا الحضاري. مالم نعتز بموروثنا ونقدم أنفسنا بثقة، لن يرانا الآخر ولن نستطيع صناعة الاختلاف.
د. سالم الدرسي أختصاصي علم اجتماع
المهرجانات حاجة اجتماعية قبل أن تكون رفاهية. المجتمعات التي تمر بأزمات تحتاج لفضاءات فرح وتواصل، لكن الخطر يكمن في غياب الأهداف الواضحة والرقابة، مما يحولها إلى مجرد مظاهر بلا مضمون وهدا ما يجعل المجتمع ينتقد وبشدة .
د. نجلاء الشيباني أختصاصية نفسية
الأنشطة الثقافية والمهرجانات تساهم في تخفيف الضغط النفسي الجماعي، وتعيد للناس شعورهم بالحياة الطبيعية. لكن التنظيم السيئ أو الأهداف التجارية قد يحولها إلى مصدر استياء بدل أن تكون وسيلة دعم معنوي.
الدكتور محمد الأصفر-محاضر واستاذ جامعي بالجامعات الليبية
قال ،نحن نعيش في دولة تعاني الكثير من المشاكل ،تعاني من الانقسامات السياسية شرقا وغربا شمال وجنوبا هناك الكثير،من القضايا من المفترض أن تعالج منها، إعلامنا المحلي المقسم على نفسه، ومؤسسات مزدوجة برامج مختلفة خبر إيجابيي إذاعة بالشرق لاتسمع عنه بالغرب، والعكس ،للأسف كان بودنا أن نعالج إعلامنا المحلي أي شي،الإعلام العربي منهار ومنتهي نعاني من أزمة صهيونية، فشل أمامها الإعلام العربي وغير محتاجين أمام هذا الضعف للإعلام لسنا محتاجين أن نبذل جهدا كبير وأن نصرف المال كان الأجدر بنا ان نعالج إعلامنا الوطني وان نعالج التشظي الموجود داخل مجتمعنا الان ،غياب المصالحة الوطنية والكثير من القضايا الهامة التي من المفترض ان نركز عليها وان نسعي بكل جهد من أجل توحيد حكوماتنا والقضاء علي كثير من الظواهر لعل اهمها الهجرة غير الشرعية ،إلا أنه لا ننكر ان لهذه الملتقيات بعض الايجابيات كأن يلتقي الاعلاميون والصحفيون والمدونون شي،ايجابي فعلا يكفي انهم عرفوا بأن هناك دولة وهناك أمن واستقرار في المنطقة الشرقية وسياحة وعمران الا ان هذا لا ينسينا أولويات إعلامنا الوطني الذي هو بحاجة الي مؤتمرات محلية هدفها لملمة ما هو موجود من شتات فالوطن اهم بكثير من بعض القضايا.
الاستاذ نورالدين علي ،محامي ورجل قانون قال بأنه في العادة لا توجد قوانين رسمية أو قانون بحد ذاته مخصص لتنظيم«المهرجانات الليبية» كحدث تقافي في ليبيا، بل تخضع هذه الأنشطة للقوانين والقرارات التي تنظم الشأن الثقافي والمؤتمرات بشكل عام وتعتمد الجهات المسؤولة عن المهرجانات علي قوانين الهيئات الثقافي مثل وزارة الثقافة، والهيكل التنظيمي لها ،وتشمل هذه القوانين تحديد مسؤوليه الإشراف علي المهرجانات الفنية والأدبية، والاقتراح السنوي لجدولتها وتنسيقها مع الجهات المعنية الأخري، وبالتالي لاوجود لتجاوزات طالما ان هكذا مهرجانات تنظمها وزاره أو جهة رسمية وفق لائحة معينة.
ابو عبيدة لبيب-اعلامي ومدرب تصوير قسم الموضوع الي جانبين يمكن النظر الي الموضوع من زاويتيه:
الصورة الايجابية هي ان المهرجانات «سواءا كانت فنية ،تقافية،أو سياحية «تمنح انطباعا بأن ليبيا بلد حي قادر على إنتاج الفعاليات رغم الظروف ويمكن أن تسلم في إحياء التراث الليبي والتعريف به محليا ودوليا ،إذا نظمت باحترافية قد تكون وسيلة لجذب السياحة التقافية وهي اهم أنواع السياحة العالمية حاليا، كما انها تشجع علي التنوع التقافي بين الشباب والانفتاح للتعبير عن أنفسهم، ومما لاشك فيه ان الانتقادات دائما ماتزال المنظمين منها ان بعضا من هذه الفعاليات تعتبر بعيدا عن الواقع الاجتماعي خصوصا في ظل أزمات اقتصادية وأمنية مما يولد انتقادات بأن «الأولويات «غير،صحيحة ،وفي احيان كثيرة غياب التنظيم الجيد أو وضوح الرؤية يجعل بعض المهرجانات تبدو وكأنها «استعراض شكلي»اكثر من كونها مشروعا ثقافيا وسياحيا متكاملا، أيضا اتارته لحساسية اجتماعية إذا تضمنت مايعتبر مخالفا للعادات والتقاليد أو لاينسجم مع الثقافة المحلية إذا خلاصة القول ان المهرجانات يمكن ان تكون أداة إيجابية لرفع قيمة الثقافة والسياحة الليبية إذا كانت نابعة من الهوية الليبية ومتصلة بتراث وموروث ليبي اصيل،ومنظمة بشكل احترافي ومدعومة برؤية تنموية طويلة المدي،وان تراعي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للناس، فلا تأتي في توقيت يزيد من الفجوة بين «العرض المهرجانات ومعاناة المواطنين اليومية.
نحتاج الفرح لكن بميزان يضع المعايير فوق كل اعتبار