اجتماعي

في بلاد البحر..!!.. المواطن محروم من الاصطياف

شهد عبد الحفيظ

‭ ‬في‭ ‬بلدٍ‭ ‬يطلُ‭ ‬على‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬السواحل‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬يتحوّل‭ ‬الصيف‭ ‬إلى‭ ‬موسمٍ‭ ‬من‭ ‬الحسرة‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬الراحة‭.‬

فما‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬متنفّسًا‭ ‬طبيعيًا‮»‬‭ ‬للمواطن‭ ‬الليبي،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬رفاهية‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬امتلك‭ ‬القدرة‭ ‬المالية‭.‬

الاصطيافُ‭ ‬ذلك‭ ‬الحق‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬زحمة‭ ‬الحياة‭ ‬وضغوطات‭ ‬المعيشة،‭ ‬صار‭ ‬مشروطًا‭: ‬بدفع‭ ‬مسبق،‭ ‬وأرقام‭ ‬تتجاوز‭ ‬القدرة،‭ ‬وسط‭ ‬صمتٍ‭ ‬رسمي‭ ‬مستفزّ‭.‬

الطاولات‭ ‬تُؤجَّر،‭ ‬الرمال‭ ‬تُباع،‭ ‬والماء‭ ‬يُسعَّر‭ .. ‬أما‭ ‬البحر،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬لمن‭ ‬يدفع‭ ‬أكثر‭.‬

فأين‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬الراحة؟‭!‬،‭ ‬ومَنْ‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقه‭ ‬في‭ ‬‮«‬نقاهة‭ ‬الصيف»؟‭!.‬

وهل‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬يُصبح‭ ‬الهواء‭ ‬المالح‭ .. ‬تجارة‭ ‬موسمية؟‭     

‮«‬البحر‭ ‬للناس‭ ‬الكل؟‭ ‬

لا‭ .. ‬البحر‭ ‬أصبح‭ ‬للأغنياء‭ ‬فقط‭!‬‮»‬

جملة‭ ‬تسمعها‭ ‬كثيرًا‭ ‬وأنتَ‭ ‬تتجوّل‭ ‬بين‭ ‬شواطئ‭ ‬ليبيا،‭ ‬من‭ ‬طرابلس‭ ‬إلى‭ ‬الخمس‭ ‬وزوارة‭ ‬وصبراتة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الاستراحات‭ ‬والشواطئ‭ ‬الخاصة‭ ‬حلمًا‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬للمواطن‭ ‬البسيط،‭ ‬حتى‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬كرسي‭ ‬وطاولة‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬شمسية‭ ‬باتت‭ ‬تكلف‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتحمّله‭ ‬راتب‭ ‬الموظف‭ ‬ربّ‭ ‬الأسرة‭ ‬المكافح‭.‬

أسعار‭ ‬الصيف‭ ‬تحرق‭ ‬الجيوب‭ !!‬

عند‭ ‬وصولكَ‭ ‬لأي‭ ‬مصيف‭ ‬خاص،‭ ‬تبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬الدفع‭ :‬

طاولة‭ ‬وكراسي‭: ‬من‭ ‬40‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬دينار‭.‬

دخول‭ ‬الشاطئ‭ ‬15‭ ‬دينارًا‭ ‬للشخص‭.‬

استراحة‭ ‬ليوم‭ ‬واحد‭: ‬من300‭ ‬إلى‭ ‬1200‭ ‬دينار‭.‬

حتى‭ ‬الهواء‭ ‬المالح‭ ‬بات‭ ‬مدفوع‭ ‬الأجر،‭ ‬وأبسط‭ ‬تفاصيل‭ ‬الراحة‭ ‬تحولتْ‭ ‬لرفاهية‭ ‬مادية‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬أغلب‭ ‬الليبيين‭.‬

أم‭ ‬يزيد‭ – ‬موظفة‭:‬

معاش‭ ‬نقدر‭ ‬نطلع‭ ‬نصّيف،‭ ‬عندي‭ ‬3‭ ‬أولاد،‭ ‬كل‭ ‬حاجة‭ ‬بفلوس،‭ ‬نحتاج‭ ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ليومين‭ ‬استجمام‭! ‬حتى‭ ‬البحر،‭ ‬ملقيناش‭ ‬كيف‭ ‬نقعدوا‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬ندفعوا،‭ ‬وين‭ ‬نمشوا؟‭.‬

محمد‭ – ‬صاحب‭ ‬تاكسي

الشط‭ ‬مش‭ ‬ملك‭ ‬للدولة؟‭ ‬علاش‭ ‬ندفع‭ ‬على‭ ‬رملة‭ ‬وهواء‭ ‬ربي؟‭ ‬معاش‭ ‬فهمنا،‭ ‬البحر‭ ‬صاير‭ ‬للأغنياء‭ ‬بس،‭ ‬والفقير‭ ‬يقعد‭ ‬يشوف‭ ‬الصور‭ ‬في‭ ‬الفيس‭. ‬مَنْ‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬الأسعار؟‭!‬

في‭ ‬غياب‭ ‬واضح‭ ‬للرقابة،‭ ‬تُترك‭ ‬الأسعار‭ ‬لأصحاب‭ ‬الاستراحات‭ ‬والكافيتيريات،‭ ‬الذين‭ ‬يفرضون‭ ‬ما‭ ‬يشاؤون‭ ‬دون‭ ‬حدود‭.‬

لا‭ ‬تسعيرة‭ ‬موحدة‭ ‬ولا‭ ‬ضوابط‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة،‭ ‬أو‭ ‬البلديات‭.‬

ويكتفي‭ ‬المسؤولون‭ ‬بالصمت،‭ ‬رغم‭ ‬النداءات‭ ‬اليومية‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والصحافة‭ ‬المحلية‭.‬

أحد‭ ‬العاملين‭ ‬بالسياحة‭ ‬‮«‬رفض‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‮»‬‭:‬

‮«‬المشكلة‭ ‬إن‭ ‬البحر‭ ‬أصبح‭ ‬مورد‭ ‬رزق‭ ‬لفئة‭ ‬معينة،‭ ‬والبلديات‭ ‬متواطئة‭ ‬أو‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ ‬تسعيرة‭ ‬تحمي‭ ‬المواطن،‭ ‬أين‭ ‬الشواطئ‭ ‬المجانية؟

رغم‭ ‬وجود‭ ‬شواطئ‭ ‬عامة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعاني‭ ‬من‭:‬

‭- ‬نقص‭ ‬النظافة

‭- ‬غياب‭ ‬الأمن

‭- ‬تكدّس‭ ‬وازدحام‭ ‬خانق

‭- ‬غياب‭ ‬الخدمات‭ ‬الضرورية

بالتالي‭ ‬يُدفع‭ ‬المواطن‭ ‬دفعًا‭ ‬نحو‭ ‬المصايف‭ ‬الخاصة،‭ ‬رغم‭ ‬التكلفة‭ ‬المرتفعة‭.‬

زينب‭ – ‬ربة‭ ‬بيت‭ ‬

لما‭ ‬نطلع‭ ‬مع‭ ‬صغاري‭ ‬نغيّر‭ ‬جو،‭ ‬لكن‭ ‬نحتاج‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬300‭ ‬دينار‭ ‬ليوم‭ ‬واحد‭! ‬هذا‭ ‬اسمه‭ ‬اصطياف؟‭ ‬لا‭ ‬والله،‭ ‬هذا‭ ‬تعذيب‭ ‬نفسي‭ ‬البحر‭ ‬قدامي‭ ‬وأنا‭ ‬ما‭ ‬نقدرش‭ ‬نوصل‭ ‬له‭.‬

  ‬خالد‭ – ‬موظف‭ ‬حكومي

مرتي‭ ‬قالتلي‭ ‬نطلعوا‭ ‬يوم‭ ‬للبحر،‭ ‬حسبت‭ ‬حسبتي،‭ ‬لقيت‭ ‬راتبي‭ ‬ما‭ ‬يغطيش‭ ‬حتى‭ ‬الطاولة‭ ‬والعشة‭. ‬فقلتلها‭: ‬خليه‭ ‬الصيف‭ ‬يعدي‭ ‬ونقعدوا‭ ‬في‭ ‬الحوش‭ ‬أهون‭ ‬من‭ ‬الذّل‭.‬

‭ ‬خالد‭ – ‬طالب‭ ‬جامعي‭ ‬

كأنك‭ ‬تمشي‭ ‬لفندق‭ ‬خمس‭ ‬نجوم‭ ‬مش‭ ‬شط‭! ‬كرسي‭ ‬50‭ ‬دينارًا،‭  ‬مافيش‭ ‬مكان‭ ‬بسيط‭ ‬للشباب‭ ‬نقعدوا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يحسّونا‭ ‬إننا‭ ‬عبء‭.‬

‭ ‬علي‭ ‬يقول‭ :‬

‮«‬كان‭ ‬زمان‭ ‬نطلّع‭ ‬العيلة‭ ‬ونشوي‭ ‬وندير‭ ‬جو،‭ ‬توه‭ ‬نحسبها‭ ‬عشرة‭ ‬مرات،‭ ‬الكرسي‭ ‬بفلوس،‭ ‬الموقف‭ ‬بفلوس،‭ ‬حتى‭ ‬رمل‭ ‬الشط‭ ‬صار‭ ‬محسوبًا‭ ‬عليك‭.. ‬حرام‭ ‬والله‭.‬

شريفة‭ – ‬موظفة‭ ‬

ما‭ ‬فيش‭ ‬أماكن‭ ‬عامة‭ ‬نقدروا‭ ‬نرتاحوا‭ ‬فيها‭. ‬لو‭ ‬نحاولوا‭ ‬نمشوا‭ ‬لشط‭ ‬مجاني،‭ ‬يا‭ ‬وسخ،‭ ‬يا‭ ‬زحمة،‭ ‬يا‭ ‬مشكلات‭. ‬والخاص‭ ‬نار،‭ ‬شكون‭ ‬يقدر؟‭.‬

عمر‭ – ‬متقاعد‭:‬

الحكومة‭ ‬لازم‭ ‬تتحرك،‭ ‬وين‭ ‬وزارة‭ ‬السياحة؟‭ ‬خليهم‭ ‬يشوفوا‭ ‬الوضع‭. ‬البحر‭ ‬مش‭ ‬ملك‭ ‬خاص،‭ ‬هذا‭ ‬حق‭ ‬عام،‭ ‬لكن‭ ‬واضح‭ ‬إن‭ ‬حتى‭ ‬حقّنا‭ ‬نحرموا‭ ‬منه‭.‬

يسرى‭ –  ‬أم‭ ‬لطفلين‭ ‬

‮«‬الأطفال‭ ‬يبّوا‭ ‬يلعبوا‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وأنا‭ ‬نخاف‭ ‬عليهم،‭ ‬الشواطئ‭ ‬العامة‭ ‬مفيهاش‭ ‬أمن‭ ‬ولا‭ ‬مراقبة،‭ ‬نضطر‭ ‬نمشي‭ ‬للخاص‭ ‬ونرضى‭ ‬بالغلاء‭ ‬ولا‭ ‬نعرّض‭ ‬صغيورتي‭ ‬للخطر‭.‬

الخبير‭ ‬الاجتماعي‭ ‬د‭. ‬عليى‭ ‬عمر‭ :‬

الاصطياف‭ ‬مش‭ ‬رفاهية،‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬نفسي‭ ‬وصحي‭ ‬لأي‭ ‬إنسان‭. ‬اليوم،‭ ‬حُرم‭ ‬الليبي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬البسيط،‭ ‬وهذا‭ ‬يخلق‭ ‬ضغطًا‭ ‬نفسيًا،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬تفكك‭ ‬الأسرة‭ ‬والضغوط‭ ‬اليومية‭. ‬نحتاج‭ ‬تدخل‭ ‬حقيقي‭ ‬لضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬وفتح‭ ‬شواطئ‭ ‬مجهزة‭ ‬وبالمجان‭ ‬للناس‭.‬

‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ..‬؟‭!‬

الأسئلة‭ ‬تتكرَّر‭ ‬كل‭ ‬صيف‭:‬

لماذا‭ ‬يُسلب‭ ‬المواطنُ‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬؟‭!.‬

لماذا‭ ‬لا‭ ‬تُفتح‭ ‬شواطئ‭ ‬عامة‭ ‬نظيفة،‭ ‬وآمنة؟‭!.‬

مَنْ‭ ‬يضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬؟‭!.‬

ولماذا‭ ‬غابتْ‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬الفقير‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬‮«‬نقاهة‭ ‬البحر»؟‭!.    

‭ ‬صاحب‭ ‬استراحة‭ ‬وبلدية،‭ ‬مع‭ ‬موازنة‭ ‬الطرح‭ ‬لإبراز‭ ‬كل‭ ‬الأطراف،‭       ‬في‭ ‬وطن‭ ‬تحيطه‭ ‬البحار‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المواطن‭ ‬يجد‭ ‬زاوية‭ ‬ظل،‭ ‬أو‭ ‬شبر‭ ‬رمل‭ ‬يرتاح‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُطالب‭ ‬بالدفع‭.‬

تحوّلت‭ ‬شواطئنا‭ ‬من‭ ‬فسحة‭ ‬للجميع‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬تجارية‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬الميسورون،‭ ‬وغابتْ‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬الراحة‭ ‬والاصطياف‭ ‬كما‭ ‬غابتْ‭ ‬عن‭ ‬ضبط‭ ‬الأسعار‭ ‬وحماية‭ ‬قدرته‭ ‬الشرائية‭.‬

البحر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬للجميع‭ .. ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬عنوانًا‭ ‬آخر‭ ‬للتمييز‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬أصلًا‭ ‬من‭ ‬أوجاعه‭ ‬الاقتصادية‭.‬

فهل‭ ‬ستبقى‭ ‬‮«‬نسمة‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬الأغنياء؟‭!.‬

وهل‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬يُصبح‭ ‬مجرّد‭ ‬يوم‭ ‬صيفي‭ ‬حُلمًا‭ ‬مؤجلاً‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬البسيط‭ ‬؟‭!.‬

إنه‭ ‬سؤال‭ ‬لا‭ ‬يطفو‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ .. ‬بل‭ ‬يغرق‭ ‬معنا‭ ‬كل‭ ‬صيف،‭ ‬دون‭ ‬إجابة‭..!!.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى