في طرابلس مـن حقنا أن نقـــول لا

منذ أكثر من أربعة عشر عاما , كان المواطن الليبي ولازال يسير على رمال متحركة ويناظر أجواء ملبدة بالغيوم , يتنفس القلق ويتوسد الألم , وإن لامس في السنوات الأخيرة هدوء نسبيا لكن تجاربه مع السنون العجاف لا تجعل لهذا الاستقرار قناعة في مخيلته بحكم غياب استحقاقات رئيسة«انتخابات , دستور , حكومة واحدة , جيش وشرطة ».
هذا الوضع الهش كان دائما ولازال أرضية خصبة للكثير من المناوشات بين المجموعات المسلحة التي جعلت جل الحكومات المتعاقبة غير قادرة على تحقيق أي من المكاسب المذكورة والأخطر من ذلك تمدد أذرع المليشيات في معظم مفاصل المؤسسات والشركات والبنوك والهيئات . ولكن كيف نشأت هذه الحالة ؟
وبالرجوع قليلا إلى الوراء نعرف أن الاعلان الدستوري الصادر سنة 2011 تكفل بوضع تصور لجملة القوانين المنظمة لسيرة عمل السلطة التنفيذية آنذاك، كما تضمنت بنوده الحقوق السياسية والاجتماعية والصحية والثقافية للمواطن ، الا أن الاعلان الدستوري ظل كحالة مؤقتة كما باقي الحكومات المتعاقبة ، وسنتعرف على كم الحقوق الغائبة الآن بسبب الانقسام والحروب والفوضى اذا ما انتقينا بعض بنوده , على سبيل المثال في مادته الاربعة «تعمـل الدولة على إقامة نظام سيـاسي ديمقراطي مبني على التَّعددية السِّياسية والحـزبية، وذلك بهدف التداول السِّلمي الديمقراطي للسُّلطة» ، للأسف اجهضت العملية السياسية ، ولم يتحقق التداول السلمي على السلطة.
في11 مارس 2014 أدى عبدالله الثني وزير دفاع حكومة علي زيدان اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا لحين انتخاب رئيس وزراء دائم وذلك خلفا لعلي زيدان الذي سحبت منه الثقة ، وفي سبتمبر من ذات العام تم تجديد ولاية الثني بتصويت من البرلمان في طبرق وتكليفه بتشكيل حكومة في الشرق بعد أن حدثت اشتباكات مسلحة بالعاصمة صاعدت الخلاف بين مجلس الدولة والبرلمان . ومن ضمن فترة ولاية الثني التي استمرت سبع سنوات ، تكوين حكومة موازية لها في طرابلس برئاسة عمر الحاسي ، لتدخل ليبيا في نفق آخر وممر مظلم اسمه «الحكومات الموازية». آخرها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة وأخرى برئاسة أسامة حماد في بنغازي
وعلى خلفية احتدام الصراع على السلطة بين الاطراف الليبية على امتداد الفترات اللاحقة , حدث أن تمدد العنف الناعم وسكن بوثوق بين جدرن المعسكرات والأحياء «المليشيات» حيث أطل بمخالبه مطوقا معاصم المدن وعلى رأسها العاصمة وزحف ببطئ يلتمس مواضع له في زنقة وشارع وتستمر معها القلاقل ، إلى أن حدثت مؤخرا واقعة معسكر اليرموك التي نتج عنها مقتل رئيس قوة الدعم الاستقرار على يد قوات 444 قتال ليعلن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة أن الحادثة كانت وفق ترتيب أمني مسبق إلا أن هذا الترتيب شابه الخلل وأدى إلى اشتباك مسلح بالأسلحة الثقيلة بين قوات 444قتال وقوات الردع وأسفر عن وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وعناصر الطرفين وانتهت الاشتباكات إلى فض الاقتتال بين الطرفين .
بعد ليلة دامية شهدتها العاصمة واستفاقت المواطنين على رائحة البارود , نفذ صبر الشارع الليبي ورأى أن كل ما حدث مرجعه فشل الأجسام الحاكمة في البلاد وعدم قدرتها على تحقيق أدنى شروط الاستحقاق وهو الأمن . من ذلك رأينا الهتاف ينادي بإسقاط كل الأجسام السياسية، «برلمان، مجلس دولة ، حكومة».
لفترة ضد الكثيرين أن الشارع انطفأت حيويته وغاب صوته لكن رأينا على مدى اسبوعين حشود غفيرة احتضنتها ساحة الشهداء تنادي بحل المليشيات وترسيخ دولة القانون واللافت في هذه المطالب النقاش أثناء المظاهرات وقبلها بين عديد المجموعات من الشباب وقوى المجتمع المدني حول أولويات الاستحقاق , الدستور اولا أم الانتخابات وهل تكون الانتخابات البرلمانية والرئاسية متزامنة أم انتخابات برلمانية أولا ثم رئاسية إلى آخر هذه المداولات , وهو ما يعكس اقترابنا من النموذج المأمول في تعزيز طريقة التظاهر السلمي والتعبير عن المطالب بصورة حضارية .
إن التعبير بالرفض عبر حرق الاطارات وقفل الشوارع سلوك لا يخدم روح المطالب ويضرب مصداقيتها ويكرس لثقافة العنف الذي انتفض الشارع نفسه لإنهائها . كما يعارض منطق المبادئ التي تنهض عليها أحلامه .