رصد

في طرابلس مـن حقنا أن نقـــول لا

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭ , ‬كان‭ ‬المواطن‭ ‬الليبي‭ ‬ولازال‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬رمال‭ ‬متحركة‭ ‬ويناظر‭ ‬أجواء‭ ‬ملبدة‭ ‬بالغيوم‭ , ‬يتنفس‭ ‬القلق‭ ‬ويتوسد‭ ‬الألم‭ , ‬وإن‭ ‬لامس‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬هدوء‭ ‬نسبيا‭ ‬لكن‭ ‬تجاربه‭ ‬مع‭ ‬السنون‭ ‬العجاف‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬لهذا‭ ‬الاستقرار‭ ‬قناعة‭ ‬في‭ ‬مخيلته‭ ‬بحكم‭ ‬غياب‭ ‬استحقاقات‭ ‬رئيسة«انتخابات‭ , ‬دستور‭ , ‬حكومة‭ ‬واحدة‭ , ‬جيش‭ ‬وشرطة‭ ‬‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الهش‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬ولازال‭ ‬أرضية‭ ‬خصبة‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المناوشات‭ ‬بين‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬جل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬المذكورة‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تمدد‭ ‬أذرع‭ ‬المليشيات‭ ‬في‭ ‬معظم‭  ‬مفاصل‭ ‬المؤسسات‭  ‬والشركات‭ ‬والبنوك‭ ‬والهيئات‭ . ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬نشأت‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬؟

وبالرجوع‭ ‬قليلا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬الاعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬تكفل‭ ‬بوضع‭ ‬تصور‭ ‬لجملة‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لسيرة‭ ‬عمل‭  ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬آنذاك،‭ ‬كما‭ ‬تضمنت‭ ‬بنوده‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬والثقافية‭ ‬للمواطن‭ ‬،‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬الاعلان‭ ‬الدستوري‭ ‬ظل‭ ‬كحالة‭ ‬مؤقتة‭ ‬كما‭ ‬باقي‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬،‭ ‬وسنتعرف‭ ‬على‭ ‬كم‭ ‬الحقوق‭ ‬الغائبة‭ ‬الآن‭ ‬بسبب‭ ‬الانقسام‭ ‬والحروب‭ ‬والفوضى‭ ‬اذا‭ ‬ما‭ ‬انتقينا‭ ‬بعض‭ ‬بنوده‭ , ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬الاربعة‭ ‬‮«‬تعمـل‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬سيـاسي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬التَّعددية‭ ‬السِّياسية‭ ‬والحـزبية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬التداول‭ ‬السِّلمي‭ ‬الديمقراطي‭ ‬للسُّلطة‮»‬‭ ‬،‭ ‬للأسف‭ ‬اجهضت‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يتحقق‭ ‬التداول‭ ‬السلمي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬

في11‭ ‬مارس‭ ‬2014‭ ‬أدى‭ ‬عبدالله‭ ‬الثني‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬حكومة‭ ‬علي‭ ‬زيدان‭ ‬اليمين‭ ‬الدستورية‭  ‬رئيسا‭ ‬مؤقتا‭ ‬لحين‭ ‬انتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬دائم‭ ‬وذلك‭ ‬خلفا‭ ‬لعلي‭ ‬زيدان‭ ‬الذي‭ ‬سحبت‭ ‬منه‭ ‬الثقة‭  ‬،‭ ‬وفي‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬العام‭ ‬تم‭  ‬تجديد‭ ‬ولاية‭ ‬الثني‭ ‬بتصويت‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬في‭ ‬طبرق‭ ‬وتكليفه‭ ‬بتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدثت‭ ‬اشتباكات‭ ‬مسلحة‭ ‬بالعاصمة‭ ‬صاعدت‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬مجلس‭ ‬الدولة‭ ‬والبرلمان‭ . ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬فترة‭ ‬ولاية‭ ‬الثني‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬،‭ ‬تكوين‭ ‬حكومة‭ ‬موازية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬برئاسة‭ ‬عمر‭ ‬الحاسي‭ ‬،‭ ‬لتدخل‭ ‬ليبيا‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬آخر‭ ‬وممر‭ ‬مظلم‭  ‬اسمه‭ ‬‮«‬الحكومات‭ ‬الموازية‮»‬‭. ‬آخرها‭ ‬حكومة‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬برئاسة‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الدبيبة‭ ‬وأخرى‭ ‬برئاسة‭ ‬أسامة‭ ‬حماد‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬

وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬احتدام‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬الاطراف‭ ‬الليبية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الفترات‭ ‬اللاحقة‭ , ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬تمدد‭ ‬العنف‭ ‬الناعم‭ ‬وسكن‭ ‬بوثوق‭ ‬بين‭ ‬جدرن‭ ‬المعسكرات‭ ‬والأحياء‭  ‬‮«‬المليشيات‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬أطل‭ ‬بمخالبه‭ ‬مطوقا‭ ‬معاصم‭ ‬المدن‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬العاصمة‭ ‬وزحف‭ ‬ببطئ‭ ‬يلتمس‭ ‬مواضع‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬زنقة‭ ‬وشارع‭ ‬وتستمر‭ ‬معها‭ ‬القلاقل‭  ‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حدثت‭ ‬مؤخرا‭ ‬واقعة‭ ‬معسكر‭ ‬اليرموك‭ ‬التي‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭  ‬مقتل‭ ‬رئيس‭ ‬قوة‭ ‬الدعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قوات‭ ‬444‭ ‬قتال‭ ‬ليعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الدبيبة‭ ‬أن‭ ‬الحادثة‭ ‬كانت‭ ‬وفق‭ ‬ترتيب‭ ‬أمني‭ ‬مسبق‭  ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الترتيب‭ ‬شابه‭ ‬الخلل‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬اشتباك‭ ‬مسلح‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬444قتال‭ ‬وقوات‭ ‬الردع‭ ‬وأسفر‭ ‬عن‭ ‬وقوع‭ ‬ضحايا‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المدنيين‭ ‬وعناصر‭ ‬الطرفين‭ ‬وانتهت‭ ‬الاشتباكات‭ ‬إلى‭ ‬فض‭ ‬الاقتتال‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ .‬

بعد‭ ‬ليلة‭ ‬دامية‭ ‬شهدتها‭ ‬العاصمة‭ ‬واستفاقت‭ ‬المواطنين‭ ‬على‭ ‬رائحة‭ ‬البارود‭ , ‬نفذ‭ ‬صبر‭ ‬الشارع‭ ‬الليبي‭ ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مرجعه‭ ‬فشل‭ ‬الأجسام‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أدنى‭ ‬شروط‭ ‬الاستحقاق‭ ‬وهو‭ ‬الأمن‭ . ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬رأينا‭ ‬الهتاف‭ ‬ينادي‭ ‬بإسقاط‭ ‬كل‭ ‬الأجسام‭ ‬السياسية،‭ ‬‮«‬برلمان،‭ ‬مجلس‭ ‬دولة‭ ‬،‭ ‬حكومة‮»‬‭.‬

لفترة‭ ‬ضد‭ ‬الكثيرين‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬انطفأت‭ ‬حيويته‭ ‬وغاب‭ ‬صوته‭ ‬لكن‭ ‬رأينا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬اسبوعين‭ ‬حشود‭ ‬غفيرة‭ ‬احتضنتها‭ ‬ساحة‭ ‬الشهداء‭ ‬تنادي‭ ‬بحل‭ ‬المليشيات‭ ‬وترسيخ‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬واللافت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المطالب‭ ‬النقاش‭ ‬أثناء‭ ‬المظاهرات‭ ‬وقبلها‭  ‬بين‭ ‬عديد‭ ‬المجموعات‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬وقوى‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭  ‬حول‭ ‬أولويات‭ ‬الاستحقاق‭ , ‬الدستور‭ ‬اولا‭ ‬أم‭ ‬الانتخابات‭ ‬وهل‭ ‬تكون‭ ‬الانتخابات‭ ‬البرلمانية‭ ‬والرئاسية‭ ‬متزامنة‭ ‬أم‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬رئاسية‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬المداولات‭ , ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭  ‬اقترابنا‭ ‬من‭ ‬النموذج‭ ‬المأمول‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬طريقة‭ ‬التظاهر‭ ‬السلمي‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬المطالب‭ ‬بصورة‭ ‬حضارية‭ . ‬

إن‭ ‬التعبير‭ ‬بالرفض‭ ‬عبر‭ ‬حرق‭ ‬الاطارات‭ ‬وقفل‭ ‬الشوارع‭ ‬سلوك‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬روح‭ ‬المطالب‭ ‬ويضرب‭ ‬مصداقيتها‭ ‬ويكرس‭ ‬لثقافة‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬انتفض‭ ‬الشارع‭ ‬نفسه‭ ‬لإنهائها‭ . ‬كما‭ ‬يعارض‭ ‬منطق‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬تنهض‭ ‬عليها‭ ‬أحلامه‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى