ثقافة

في عالم نجوى بن شتوان الفكري

عرض/ أحمد التهامي

رواية‭ ‬كونشيرتو‭ ‬قورينا‭ ‬ادواردو‭ ‬للكاتبة نجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان

قراءة

رواية‭ )‬كونشيرتو‭ ‬قورينا‭ ‬إدواردو‭( ‬للروائية‭ ‬نجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان

تفتيش‭ ‬متعمد‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬الفكري‭ ‬لنجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان

اللحن‭ ‬الجنائزي‭ ‬الأخير‭ ‬يرافق‭ ‬الارستقراطية‭ ‬الليبية‭ ‬نحو‭ ‬مدفنها‭ ‬التذكاري‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬التاريخ‭..!‬

بالتأكيد‭ ‬يجب‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬دائمًا‭ ‬أنه‭ ‬هناك‭ ‬مسافة‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬السبرة‭ ‬الشخصية‭ ‬للكاتب‭ ‬واحداث‭ ‬حياته‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يكتب؛‮ ‬‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬تحوَّل‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬إلى‭ ‬مبدأ‭ ‬يصعب‭ ‬تجاهله؛‭ ‬وأنا‭ ‬بالذات‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ثمة‭ ‬مسافة‭ ‬بين‭ ‬رواية‭ ‬نجوى‭ ‬هذه‭ ‬وبين‭ ‬حياتها؛‭ ‬حياة‭ ‬الكاتبة‭ ‬نجوى؛‭ ‬الفضول‭ ‬التقليدي‭ ‬لمعرفة‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬حياة‭ ‬الكاتبة‭ ‬وبين‭ ‬روايتها‭ ‬غير‭ ‬مبرَّر‭ ‬هنا،‭ ‬فالمسافة‭ ‬ظاهرة‭ ‬وليست‭ ‬بحاجة‭ ‬لبرهان‭ ‬حتى‭ ‬لكن‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬ابدًا‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬روايتنا‭ ‬هذه‭ )‬كونشيرتو‭( ‬وبين‭ ‬عالم‭ ‬أفكار‭ ‬نجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ثمة‭ ‬تعالق‭ ‬وامتداد‭ ‬تكشفه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الامارات‭ ‬المزروعة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬جسد‭ ‬الرواية‭.! .. ‬كما‭ ‬انه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ثمة‭ ‬علاقات‭ ‬بين‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه‭ ‬والمجتمع‭ ‬يولد‭ ‬كل‭ ‬كلام‭ ‬بشري‭ ‬ضمن‭ ‬شروط‭ ‬انتاج‭ ‬تسبقه‭ ‬ويتكون‭ ‬بفضلها‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ان‭..!‬

هذه‭ ‬الامارات‭ / ‬العلامات‭ ‬المعاد‭ ‬تأويلها‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬ناقد‭  ‬اكرر‭ ‬أي‭ ‬ناقد‭  ‬أن‭ ‬يعنى‭ ‬بدرسها‭ ‬وفهمها‭ ‬وبحث‭ ‬صلاتها‭ ‬معا‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬ستقودنا‭ ‬الى‭ ‬دواخل‭ ‬العالم‭ ‬الفكري‭ ‬لنجوى؛‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يشغلنا‭ ‬العالم‭ ‬الفكري‭ ‬للروائية‭ ‬نجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬وفقط‭ !!‬

والحقيقة‭ ‬اننا‭ ‬علينا‭ ‬ان‭ ‬نقيم‭ ‬حاجزًا‭ ‬اوليًا‭ ‬مفيدًا‭ ‬عند‭ ‬الصفحة‭ ‬189‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬نواجه‭ ‬فيها‭ ‬المرأة‭ ‬الناضجة‭ ‬ريم‭ ‬لأول‭ ‬مرة؛‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يتحول‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬ريم‭ ‬الى‭ ‬تاريخ‭ ‬او‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬هكذا‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬يحدث‭ ‬وان‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭.‬

حقيقة‭.!‬

باستمرار‭ ‬القراءة‭ ‬سوف‭ ‬اكتشف‭ ‬تدريجيًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الفاصلة‭ ‬الهوة‭ ‬السوداء‭ ‬المفتوحة‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬ما‭ ‬اتخذته‭ ‬الكاتبة‭ ‬سوف‭ ‬يتكرر‭ ‬مرات‭ ‬وليس‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬خصيصة‭ ‬فنية‭ ‬واسلوبية‭ ‬لنجوى‭ ‬بن‭ ‬شتوان‭ ‬تميز‭ ‬كتاباتها‭ ‬او‭ ‬لنفترض‭ ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬يتبين‭ ‬غيره‭ !‬

ثمة‭ ‬ثغرات؛‭ ‬فجوات‭ ‬تتخل‭ ‬جسد‭ ‬النص‭ ‬مثلا‭ ‬عند‭ ‬موت‭ ‬الجد؛‭ ‬وعند‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬مثلا؛‭ ‬عند‭ ‬العودة‭ ‬دون‭ ‬مبرر‭ ‬لبلد‭ ‬كانت‭ ‬هربت‭ ‬منه؛‭ ‬موت‭ ‬البطلة‭ ‬دون‭ ‬اثر‭ ‬؛‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬ريم‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬جدها‭ ‬ولماذا‭ ‬ذهبت‭ ‬للزواج‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬؟‭!!‬

تلك‭ ‬هي‭ ‬الرواية‭.!‬

اذا‭ ‬تمكنا‭ ‬فعلا‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬ريم؛‭ ‬ريم‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬الظاهرة‭ ‬ريم‭ ‬المؤولة‭ ‬وليس‭ ‬المعطاة؛‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬نجحنا‭ ‬على‭ ‬اقل‭ ‬تقدير‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬سر‭ ‬من‭ ‬اسرار‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬المتروسة‭ ‬أسرارا‭!!‬

ريم‭ ‬هي‭ ‬البطلة‭ ‬التي‭ ‬تحكي‭ ‬الرواية‭ ‬تجري‭ ‬اغلب‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬لسانها‭ ‬ماعدا‭ ‬صفحتي‭ ‬المفتتح‮ ‬‭ ‬وفقط‭ ‬العشرين‭ ‬صفحة‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬وكشفت‭ ‬كل‭ ‬غموض‭ ‬وتركت‭ ‬بضعة‭ ‬اسرار‭ ‬هي‭ ‬مفاتيح‭ ‬التأؤيل‭ ‬عندي‭ ‬وهذه‭ ‬الـ‭)‬23‭( ‬صفحة‭ ‬على‭ ‬لسان‮ ‬‭ ‬التؤام‭ ‬التي‭ ‬لزمت‭ ‬الصمت‭ ‬طوال‭ ‬287‭ ‬صفحة‭ ‬هي‭ ‬لب‭ ‬الرواية‭ ‬وتطوعت‭ ‬بالحكي‭ ‬عند‭ ‬النهاية‭ ‬بينما‭ ‬بقيت‭ ‬صفحتي‭ ‬المفتتح‭ ‬تعاني‭ ‬غموضا‭ ‬يجعل‭ ‬تحديد‭ ‬هوية‭ ‬المتكلم‭ ‬فيها‭ ‬مستحيلا‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬احدى‭ ‬الطفلتين‭ ‬التؤام‭ ‬فقط‭ ‬؛‭ ‬ولان‮ ‬‭ ‬نهاية‭ ‬ريم‭ ‬نفسها‭ ‬تتكفل‭ ‬تؤامها‮ ‬‭ ‬باستكمال‭ ‬الحكي‮ ‬‭ ‬تحديد‭ ‬المصائر‭ ‬وحكاية‭ ‬ماذا‭ ‬حصل‭ ‬لريم‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬عادت‭ ‬من‭ ‬إيطاليا‭ ‬الى‭ ‬ليبيا‭ ‬لتحكي‭ ‬لامها‭ ‬كيف‭ ‬ولماذا‭ ‬تزوجت‭ ‬الإيطالي‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تحكي؛‭ ‬سوف‭ ‬تحكي‭ ‬بدلا‭ ‬عنها‭ ‬شقيقتها‭ ‬التؤام‭.‬

بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬مهم‭ ‬ودال‭ ‬ان‭ ‬يغادر‭ ‬مسرح‭ ‬الرواية‭ ‬الصوت‭ ‬الذي‭ ‬تعرفنا‭ ‬على‭ ‬الاحداث‭ ‬لحظة‭ ‬انطلاقتها‭ ‬عبر‭ ‬صوته‭ ‬وحكاياته‭ ‬مسالة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬والخطورة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الدلالة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى