ثقافة

في غفوة الحرب

عبد الحفيظ العابد

‭)‬1‭(‬

منذ‭ ‬حرب‭ ‬ونصف

يصحو‭ ‬هذا‭ ‬الشيخ‭ ‬على‭ ‬فوهة‭ ‬المئذنة

شاهراً‭ ‬سبّابته‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬شيطانٍ‭ ‬أخرس

يشتكي‭ ‬الحرّ،‭ ‬والبعوض

وحنظلاً‭ ‬ينمو‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬السرير

ينزل‭ ‬إلى‭ ‬الشارع

قابضاً‭ ‬على‭ ‬مقود‭ ‬الوقت

ودائساً‭ ‬على‭ ‬بنزين‭ ‬العمر

يقتفي‭ ‬أثر‭ ‬الخبز

ويلاحق‭ ‬دنانير‭ ‬مُبتزة

في‭ ‬الطوابير‭ ‬المِعوجّة

يصغي‭ ‬إلى‭ ‬الناس

يلعنون‭ ‬الفوضى‭ ‬والساسة

وزوجاتٍ‭ ‬صالحات‭ ‬شحيحاتٍ‭ ‬بالعرق

يكْنزْنه‭ ‬في‭ ‬أجسادٍ‭ ‬لم‭ ‬تتعلّم‭ ‬الصهيل

ولا‭ ‬العدْو‭ ‬في‭ ‬مسارب‭ ‬الرغبة

في‭ ‬المقهى‭ ‬يجلس‭ ‬وحيداً

يشربُ‭ ‬الشاي‭ ‬مُرّاً

متحسّراً‭ ‬على‭ ‬سكّر‭ ‬الأيام

ويردّد‭:‬

‭)‬صُبّ‭ ‬المُرّ‭ ‬كان‭ ‬المُرّ‭ ‬طاب‭(‬

‭)‬2‭(‬

منذُ‭ ‬حربٍ‭ ‬ونصف

وهذه‭ ‬الزوجة‭ ‬الطيّبة

تحت‭ ‬حرّ‭ ‬الانتظار

تكنسُ‭ ‬أيامها

تُديرُ‭ ‬مذياع‭ ‬الذاكرة

فيأتيها‭ ‬صوتُ‭ ‬فيروز‭:‬

‭)‬بشتقلك‭ ‬لا‭ ‬بقدر‭ ‬شوفك‭ ‬ولا‭ ‬بقدر‭ ‬حاكيك‭(‬

تُشرعُ‭ ‬نافذة‭ ‬هاتفها‭ ‬الصغير

تُطلق‭ ‬سحائب‭ ‬الحُبّ

تبذرُ‭ ‬الكلمات‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬البياض‭ ‬وتنتظر

أنْ‭ ‬تُزهر‭ ‬في‭ ‬كفّ‭ ‬ساحرٍ

يمزجُ‭ ‬الحبر‭ ‬بالعرق

يكتبُ‭ ‬قصائد‭ ‬عرْقى

يتبعُ‭ ‬خطوط‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬كفّها‭ ‬النحيف

يتخذُ‭ ‬من‭ ‬لوحة‭ ‬المفاتيح‭ ‬

مجاذيف‭ ‬رغبة

تُحرّكُ‭ ‬ماءها‭ ‬الراكد

فتحقنُ‭ ‬إبهامها‭ ‬بالقُبل

تغْرسها‭ ‬في‭ ‬قلبه

وتتحسّسُ‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬حلْمتيها

من‭ ‬حليب‭ ‬الخيانة

‭)‬3‭(‬

منذُ‭ ‬حربين‭ ‬وأكثر

أقفُ‭ ‬أمام‭ ‬خارطة‭ ‬العالم

لاعناً‭ ‬أسوار‭ ‬الحبر

ولا‭ ‬ممحاة‭ ‬لا‭ ‬نوح

لا‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬سفائن‭ ‬الورق

تجري‭ ‬في‭ ‬زُرقة‭ ‬الحلم

إلى‭ ‬بلادٍ‭ ‬دونما‭ ‬غبار‭ ‬أو‭ ‬لصوص

بلادٍ‭ ‬لا‭ ‬أقفُ‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬الله

أعجنُ‭ ‬رغيفي‭ ‬بالدعاء

ولا‭ ‬أعيشُ‭ ‬العمر‭ ‬فيها‭ ‬حاطباً‭ ‬للريح

بلادٍ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬صيف

تحصدُ‭ ‬قوائله‭ ‬أرواحنا

بلادٍ‭ ‬بنساءٍ‭ ‬غير‭ ‬صالحات‭ ‬ولا‭ ‬طيّبات

يُطلقْنَ‭ ‬فئرانهنّ‭ ‬إلى‭ ‬مصيدتي

يُحببْنَ‭ ‬الكمائن

يعْرفْنَ‭ ‬كيف‭ ‬تُخفقُ‭ ‬رغوة‭ ‬الشهوة

وكيف‭ ‬تُعْصَر‭ ‬خمرة‭ ‬الليل

قيل‭: )‬عَارٍ‭ ‬من‭ ‬يتخذُ‭ ‬الأيام‭ ‬غطاءً‭(‬

وأنا‭ ‬لا‭ ‬أجدُ‭ ‬غطاء‭ ‬غير‭ ‬ليالي‭ ‬البدينة

وفراشي

يضيقُ‭ ‬بأقدامي‭ ‬الحالمة

وهي‭ ‬ترسمُ‭ ‬دروبها

بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ليبيا

جنّتنا‭ ‬المُحرقة،ومنفانا‭ ‬الأليف

أمّنا‭ ‬التي‭ ‬تلتهمُ‭ ‬أجسادنا‭ ‬كلّما‭ ‬جاعت

ولم‭ ‬تشبع‭ ‬من‭ ‬لحمنا‭ ‬النّيء

أمّنا‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ترضعنا‭ ‬نِفطها‭ ‬مُكرهين

نُسقَى‭ ‬حبّها‭ ‬في‭ ‬المدارس

ونبصقُه‭ ‬عند‭ ‬أوّل‭ ‬عتبةٍ‭ ‬للبوح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى