قبلت دون أن أمنن أو أستكثر التوضيح الذي أبداه المشرفون على تنظيم دورة معرض الكتاب وما رافقها من المناشط، تلك التي التزم بها هذا العام مركز البحوث الجنائية ورعاها النائب العام، بخصوص ملابسات عدم توصلي بدعوة الحضور ممن كُلِّفَ بها، مع أن ترتيب مفردات الافتتاح يتضمن مشاركتي بكلمة، لأكثر من اعتبار، فقد كان في ضيق الوقت ما يغلب الاعتذر وربما تعمد الغياب، لولا معرفتي لحقيقة أن من يغب محتجا لن يؤخر ما سيجري، فكنت بهذا الفهم بين المتكلمين بالمتيسر والذي أجملته في أن كل الصفات إلى زوال وجميع المراكز إلى إقصاء، وأن الكتاب وحده حين يُتقَن ويُصان هو ما قد يضمن لصاحبه الحضور، رغم كل أنواع الغيبات التي كثيرا ما طالت العديد من عباد الله ممن سعدنا بوجودهم أحيانا وضقنا ذرعا بهم أحينا أخرى، وما ذلك إلا لأني أُصدر في حديثي عن تجربة شخصية يسندني فيها ما أمكن نشره في أكثر من حديث مُذاع ومقال في الصحف، ومُجمّع في كتاب وفي جنس من الأجناس، أهمها دون شك ما أرّخَ للمرحلة التي بدأت بالأول من سبتمبر 69 بدءًا من التأييد المتحفظ أو المقترن بانتظار البرامج، امتدادا للتمسك بالثوابت وانطلاقا من الأحداث التي رافقت حضور الرمز القومي الكبير مشاركا في فرح أكبر شباب المرحلة وأكثرهم إمساكا بالخيوط والأحداث والتي لم يكن خارجها اعتقالات أبريل 73 وما سبقها من الملتقيات أشهرها ندوة الفكر الثوري وجلسات محكمة الشعب التي أدانت القضاة بأكثر مما أدانت المتهمين، وقد كانت مجتمعة غير غائبة في ما تيسر التعبير عنه إذاعة ونشرا؛ نعم أنه النهج الذي طالما كان موضع مراعاة في مختلف المواقع التي تيسّر شغلها ووسائل النشر التي أمكن التعبير من خلالها والتي لم تغفل الخط الإصلاحي الذي ساد وزارة العدل بدءًا من منتصف ستينيات القرن الماضي فتأسس مركز البحوث الجنائية الذي نراه يقيم اليوم هذا المعرض وكذلك تمييز خريجي القانون بدرجات تزيد على بقية الجامعيين تسهيلا لصعودهم وإحلالهم لما يُنتظر منهم ولهم، ليأتي الجيل الذي كان له دوره الإيجابي في سبعينيات القرن الماضي بحُسن معالجة ما أُطلِقَ عليه الكسب الحرام، عندما وُضِعَت المعايير التي حدّت من الانتقام وتغليب الرأي القائل بدرء الحدود بالشبهات بدلا من الحكم المسبق، ليبقى قطاع العدل ودون حاجة إلى التزكية أقرب إلى التزام الموضوعية، وكم يكون مجديا وبنّاءً لو يتخذ الذين ثبت لهم في بعض الذين يغشون مجالسهم بمناسبة ودون مناسبة ما يتوفرون عليه من الجراءة في العبث بما يعهد إليهم بصدد إشراك غيرهم خوفا من المنافسة الشريفة أو الأهلية المختلفة الحذر منهم مستقبلا كي لا يعبثوا بما هو أكبر ويتبنون تغييب غيرهم في ما هو أحق بتوسيع الدائرة وتوزيع الفرص وقطع الطريق على محترفي عرض التعاون ومحترفي العلاقات العامة، وعسى أن ينتج عن افتتاح هذا المعرض من طرف أسرة القانون ما يدخل الكتاب وانسيابه والأخذ بأيدي العاملين في حقله ما يحقق خطوة أكثر جدية وإسهامات تتبنى الجدية والوضوح، وليس العرض المُنَفِّر القائم على المناسبات والأعياد، فالثقافة رأي وكتاب وترفّع عن طرق الأبواب، وأخيرا قبلنا فسارعوا بالتصحيح.