ثقافة

قراءة فـي كتـاب يســري

 يوسف الغزال

كتاب‭ ‬‭)‬أوروبا‭ .. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭  ‬جولات‭ ‬سائح‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬أوروبية‭( ‬للكاتب‭ ‬‮«‬يسري‭ ‬بن‭ ‬يعلا‮»‬‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ )‬رحلات‭ ‬وحكايات‭( ‬وصلني‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الصديق‭ ‬محمد‭ ‬عبدالله‭ ‬الترجمان،‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬المؤلف‮ ‬يسري‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بن‭ ‬يعلا من‭ ‬طرابلس،‭ ‬فرحتُ‭ ‬به،‭ ‬ولكنَّني‭ ‬كنتُ‭ ‬مشغولًا؛‭ ‬فقرَّرتُ‭ ‬تأجيل‭ ‬قراءته،‭ ‬ووضعته‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬قراءتي،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬تصفحتُ‭ ‬الكتاب‭ ‬وأنا‭ ‬واقف‭ ‬جلستُ‭ ‬قرأتُ‭ ‬الاهداء،‭ ‬ثم‭ ‬المقدمة،‭ ‬ثم‭ ‬واصلت‭ ‬القراءة‭ ‬صفحة‭ ‬بعد‭ ‬صفحة‭ ‬حتى‭ ‬انتهيت‭ ‬منه،‭ ‬وأنا‭ ‬ادوّن‭ ‬ما‭ ‬يعجبني‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬وملاحظات‭ ‬ثم‭ ‬جمعتها‭ ‬وراجعتها‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬أقدَّم‭ ‬لكم‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬واحدة‭ ‬ودفعة‭ ‬واحدة‭.‬

استغرقني‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬وجدته‭ ‬حلو‭ ‬المذاق،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الانجليز‭ )‬Sweet‭ ‬book‭(‬؛‭ ‬كتاب‭ ‬دمه‭ ‬خفيف‭ ‬رحلات‭ ‬لطيفة‭ ‬وحكايات‭ ‬طريفة،‭ ‬تسلسلُ‭ ‬عفوي‭ ‬وتداعٍ‭ ‬حر‭ ‬للمواقف‭ ‬الغربية‭ ‬والعجيبة،‭ ‬كتاب‭ ‬جاء‭ ‬دون‭ ‬نقل‭ ‬من‭ ‬المراجع،‭ ‬ولا‭ ‬هوامش،‭ ‬ترافق‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬رحلته،‭ ‬وأنتَ‭ ‬مستلقٍ‭ ‬في‭ ‬بيتك،‭ ‬تجد‭ ‬الكاتب‭ ‬منهمكًا‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬الدنيا‭ ‬المنظور،‭ ‬ويحوله‭ ‬لكتاب‭ ‬مسطور،‭ ‬وينقل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سفرة‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الحذق‭ ‬ويقنعك‭ )‬بأن‭ ‬كل‭ ‬سفرة‭ ‬تعلمك‭ ‬حذاقة‭(‬،‭ ‬وما‭ ‬السفر‭ ‬إلا‭ ‬قراءة‭ ‬لكتاب‭ ‬الكون‭ ‬المنظور،‭ ‬وما‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تباين‭ ‬ثقافات‭ ‬ومناخات‭ ‬تقاليد‭ ‬وعادات‭ ‬تزيد‭ ‬العقل‭ ‬عقلًا،‭ ‬والخيال‭ ‬خيالًا‭ ‬وتتعلم‭ ‬منهجية‭ ‬الاختلاف،‭ ‬وتجاوز‭ ‬المألوف‭ ‬والمعروف‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬جديدة‭. ‬

الكتاب‭ ‬ذكرني‭ ‬بـ‭)‬موسم‭ ‬الهجرة‭ ‬للشمال‭(‬،‭ ‬ورغبة‭ ‬أهل‭ ‬جنوب‭ ‬الأرض‮ ‬‭ ‬في‭ ‬التعرَّف‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬الشما‭ ‬،‭ ‬زار‭ ‬بنا‭ ‬الكاتب‭ ‬أكبر‭ ‬وأشهر‭ ‬عواصم‭ ‬أوروبا‭ ‬طرق‭ ‬أبوابها‭ ‬وبدأ‭ ‬بأقدم‭ ‬الأبواب‭ ‬إنها‭ ‬العاصمة‭ ‬أثينا‭ ‬المركز‭ ‬التجاري‭ ‬الأغريقي‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬‮«‬حصان‭ ‬طروادة‮»‬‭ ‬عاصمة‭ ‬التجارة‭ ‬والفلسفة،‭ ‬ثم‭ ‬بلد‭ ‬سلاطين‭ ‬بني‭ ‬عثمان‭ ‬إسطنبول‭ ‬مدينة‭ ‬تتربع‭ ‬بين‭ ‬قارتين،‭ ‬وتجمع‭ ‬بين‭ ‬حضارة‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬ثم‭ ‬تجد‭ ‬نفسكَ‭ ‬في‭ ‬سراييفو‭ ‬مدينة‭ ‬لا‭ ‬شرقية،‭ ‬ولا‭ ‬غربية،‭ ‬وتدخل‭ ‬روما‭ ‬من‭ ‬بابها‭ ‬الخلفي،‭ ‬وتتذكر‭ ‬أمجاد‭ ‬الرومان‭ ‬القياصرة،‭ ‬وحروب‭ ‬هنيبال ثتم‭ ‬تأخذ‭ ‬استراحة‭ ‬بحار‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬فاليتا‭ ‬مالطا‭ ‬الحنينة،‭ ‬والعاصمة‭ ‬فينا،‭ ‬وعاصمة‭ ‬هتلر‭ ‬برلين،‭ ‬وبقايا‭ ‬سورها‭ ‬القديم،‭ ‬وعاصمة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬جنيف‭ ‬ويحكي‭ ‬يسري‭ ‬قصته‭ ‬مع‭ ‬امستردام،‭ ‬وتزداد‭ ‬الرحلة‭ ‬جمالًا‭ ‬وجلالًا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬النَّور،‭ ‬والحضارة‭ ‬بلد‭ ‬الفيلسوف‭ ‬‮«‬فولتير‮»‬‭ ‬العظيم‭ ‬إنها‭ ‬باريس‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬إلى‭ ‬لندن،‭ ‬وبرج‭ ‬ساعة‭ ‬BigBin،‭ ‬ثم‭ ‬مدريد‭ ‬وقصور‭ ‬الحمراء‭ ‬وغرناطة،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬مدينة‭ ‬الصادق‭ ‬النيهوم‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬هلسنكي‮»‬‭.‬

يسري‭ ‬لم‭ ‬يكتبْ‭ ‬عن‭ ‬السفر‭ ‬حتى‭ ‬قرأ‭ ‬كل‭ ‬كتب‭ ‬الرحالة‭ ‬قديمها‭ ‬وحديثها،‭ ‬استخدم‭ ‬حقيبة‭ ‬السفر،‭ ‬وفراش‭ ‬الحقيبة‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬الطيارة‭ ‬والقطار‭ ‬وتناول‭ ‬وجبات‭ ‬خفيفة‭ ‬وربما‭ ‬بات‭ ‬دون‭ ‬عشي‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬وفي‭ ‬الرحلات‭ ‬الطويلة‭ ‬والمَّملة‭ ‬لعب‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬القطار‭ ‬طرح‭ ‬شكوبة،‭ ‬وتأمل‭ ‬الجبال‭ ‬والتلال‭ ‬والسهول،‭ ‬والمروج‭ ‬من‭ ‬شباك‭ ‬القطار‭ ‬البحار،‭ ‬والمحيطات‭ ‬من‭ ‬شباك‭ ‬الطائرات،‭ ‬كنتُ‭ ‬أنا‭ ‬سعيدٌ‭ ‬في‭ ‬صحبته‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬رصده‭ ‬قلمه‭ ‬الدقيق‭ ‬والأنيق‭.‬

مقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬جاءت‭ ‬بقلم‭ ‬كاتب‭ ‬صاحب‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬وأدب‭ ‬الرحلات‭ ‬الأديب‭ ‬الجميل‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬أبوكليب‮»‬‭ ‬وصاغ‭ ‬فيها‭ ‬جمعة‭ ‬أهمية‭ ‬أدب‭ ‬الرحلات‭ ‬وأهمية‭ ‬تسجيل‭ ‬المواقف‭ ‬والمشاهدات،‭ ‬وتساءل‭ ‬أخي‭ ‬جمعة‭ ‬لماذا‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬اوروبا؟،‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مدنًا‭ ‬آسيوية‭ ‬أو‭ ‬أفريقية‭ ‬سؤال‭ ‬طبيعي‭ ‬ربما‭ ‬حالة‭ ‬الانبهار‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬بالغرب‭ ‬جعلتنا‭ ‬نترك‭ ‬أفريقيا‭ ‬خلف‭ ‬ظهرنا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الادب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قنوات‭ ‬التواصل‭ ‬صرنا‭ ‬أقرب‭ ‬لأوروبا‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭.‬

الكتاب‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬مئتي‭ ‬صفحة،‭ ‬بإخراج‭ ‬جميل‭ ‬يشبه‭ ‬المجلة‭ ‬السياحية‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬من‭ ‬اليونان‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬إلى‭ ‬مالطا‭ ‬والنمسا‭ ‬ألمانيا‭ ‬وسويسرا‭ ‬ثم‭ ‬هولندا‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬ثم‭ ‬اسبانيا‭ ‬وفلندا‭.‬

الكتاب‭ ‬نصوص‭ ‬مختارة‭ ‬بعناية‭ ‬من‭ ‬رحلات‭ ‬ومواقف‭ ‬وحكايات‭ ‬تتذوق‭ ‬بين‭ ‬سطوره‭ ‬بهجة‭ ‬المعرفة‭ ‬ومتعة‭ ‬الرحلة،‭ ‬كاتب‭ ‬ذكي‭ ‬يستنطق‭ ‬المدن‭ ‬ويطرق‭ ‬أبوابها‭ ‬ويفتش‭ ‬عن‭ ‬أسرارها،‭ ‬ويوظف‭ ‬الصورة‭ ‬حتى‭ ‬تلخص‭ ‬للقارئ‭ ‬قراءة‭ ‬ألف‭ ‬كلمة‭ ‬وكلمة‭.‬

كتب‭ ‬يسري‭ ‬بتواضع‭ ‬جميل‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الكتاب‭ ‬يقول‭ ‬نقلت‭ ‬لكم‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬وعايشته‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرحلات‭ ‬مدفوع‭ ‬بغريزة‭ ‬الاستطلاع‭ ‬ما‭ ‬وددتُ‭ ‬منكم‭ ‬مشاركتي‭ ‬به‭ ‬ووعد‭ ‬يسري‭ ‬القارئ‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬سيكون‭ ‬الحلقة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬تشمل‭ ‬عواصم‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ )‬رحلات‭ ‬وحكايات‭(.‬نأمل‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬أن‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بتسهيل‭ ‬سفر‭ ‬الكاتب‭ ‬وتأمين‭ ‬إقامته،‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬المندوب‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬السفارات‭ ‬الليبية،‭ ‬حتى‭ ‬تسهم‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬هذه‭ ‬الموسوعة‭ ‬القيَّمة‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬الرحلات‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وعرف‭ ‬دروبه‭ ‬ومساربه‭ .‬

دخول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى