كتاب )أوروبا .. من هنا وهناك جولات سائح في مدن أوروبية( للكاتب «يسري بن يعلا» نسخة من كتاب )رحلات وحكايات( وصلني اليوم عن طريق الصديق محمد عبدالله الترجمان، هدية من المؤلف يسري عبدالعزيز بن يعلا من طرابلس، فرحتُ به، ولكنَّني كنتُ مشغولًا؛ فقرَّرتُ تأجيل قراءته، ووضعته على قائمة قراءتي، ولكن عندما تصفحتُ الكتاب وأنا واقف جلستُ قرأتُ الاهداء، ثم المقدمة، ثم واصلت القراءة صفحة بعد صفحة حتى انتهيت منه، وأنا ادوّن ما يعجبني من أفكار وملاحظات ثم جمعتها وراجعتها وها أنا أقدَّم لكم ما كتبته في نفس واحدة ودفعة واحدة.
استغرقني هذا الكتاب وجدته حلو المذاق، أو كما يقول الانجليز )Sweet book(؛ كتاب دمه خفيف رحلات لطيفة وحكايات طريفة، تسلسلُ عفوي وتداعٍ حر للمواقف الغربية والعجيبة، كتاب جاء دون نقل من المراجع، ولا هوامش، ترافق الكاتب في رحلته، وأنتَ مستلقٍ في بيتك، تجد الكاتب منهمكًا في قراءة كتاب الدنيا المنظور، ويحوله لكتاب مسطور، وينقل لنا من كل سفرة مزيدًا من الحذق ويقنعك )بأن كل سفرة تعلمك حذاقة(، وما السفر إلا قراءة لكتاب الكون المنظور، وما به من تباين ثقافات ومناخات تقاليد وعادات تزيد العقل عقلًا، والخيال خيالًا وتتعلم منهجية الاختلاف، وتجاوز المألوف والمعروف إلى فضاءات جديدة.
الكتاب ذكرني بـ)موسم الهجرة للشمال(، ورغبة أهل جنوب الأرض في التعرَّف على أهل الشما ، زار بنا الكاتب أكبر وأشهر عواصم أوروبا طرق أبوابها وبدأ بأقدم الأبواب إنها العاصمة أثينا المركز التجاري الأغريقي منذ زمن «حصان طروادة» عاصمة التجارة والفلسفة، ثم بلد سلاطين بني عثمان إسطنبول مدينة تتربع بين قارتين، وتجمع بين حضارة الشرق والغرب، ثم تجد نفسكَ في سراييفو مدينة لا شرقية، ولا غربية، وتدخل روما من بابها الخلفي، وتتذكر أمجاد الرومان القياصرة، وحروب هنيبال ثتم تأخذ استراحة بحار في العاصمة فاليتا مالطا الحنينة، والعاصمة فينا، وعاصمة هتلر برلين، وبقايا سورها القديم، وعاصمة الدبلوماسية جنيف ويحكي يسري قصته مع امستردام، وتزداد الرحلة جمالًا وجلالًا في مدينة النَّور، والحضارة بلد الفيلسوف «فولتير» العظيم إنها باريس من فرنسا إلى لندن، وبرج ساعة BigBin، ثم مدريد وقصور الحمراء وغرناطة، ثم إلى أقصى الشمال مدينة الصادق النيهوم إنها «هلسنكي».
يسري لم يكتبْ عن السفر حتى قرأ كل كتب الرحالة قديمها وحديثها، استخدم حقيبة السفر، وفراش الحقيبة سافر في الطيارة والقطار وتناول وجبات خفيفة وربما بات دون عشي عدة مرات، وفي الرحلات الطويلة والمَّملة لعب على كرسي القطار طرح شكوبة، وتأمل الجبال والتلال والسهول، والمروج من شباك القطار البحار، والمحيطات من شباك الطائرات، كنتُ أنا سعيدٌ في صحبته عبر ما رصده قلمه الدقيق والأنيق.
مقدمة الكتاب جاءت بقلم كاتب صاحب خبرة في السفر وأدب الرحلات الأديب الجميل «جمعة أبوكليب» وصاغ فيها جمعة أهمية أدب الرحلات وأهمية تسجيل المواقف والمشاهدات، وتساءل أخي جمعة لماذا البداية من اوروبا؟، لماذا لم تكن مدنًا آسيوية أو أفريقية سؤال طبيعي ربما حالة الانبهار التي نعيشها بالغرب جعلتنا نترك أفريقيا خلف ظهرنا ليس في السفر فقط، بل في قراءة الادب، وغيرها من قنوات التواصل صرنا أقرب لأوروبا من أفريقيا.
الكتاب يقع في حوالي مئتي صفحة، بإخراج جميل يشبه المجلة السياحية صفحات الكتاب موزعة على دول من اليونان إلى تركيا إلى البوسنة والهرسك إلى إيطاليا إلى مالطا والنمسا ألمانيا وسويسرا ثم هولندا إلى فرنسا وبريطانيا ثم اسبانيا وفلندا.
الكتاب نصوص مختارة بعناية من رحلات ومواقف وحكايات تتذوق بين سطوره بهجة المعرفة ومتعة الرحلة، كاتب ذكي يستنطق المدن ويطرق أبوابها ويفتش عن أسرارها، ويوظف الصورة حتى تلخص للقارئ قراءة ألف كلمة وكلمة.
كتب يسري بتواضع جميل على ظهر الكتاب يقول نقلت لكم ما شاهدته وعايشته عبر عدد من الرحلات مدفوع بغريزة الاستطلاع ما وددتُ منكم مشاركتي به ووعد يسري القارئ بأن هذا الكتاب سيكون الحلقة الأولى في سلسلة تشمل عواصم العالم في كل القارات تحت عنوان )رحلات وحكايات(.نأمل من وزارة الثقافة أن تُسهم في إنجاز هذا المشروع بتسهيل سفر الكاتب وتأمين إقامته، والتنسيق مع المندوب الثقافي في السفارات الليبية، حتى تسهم الوزارة في إنجاز هذه الموسوعة القيَّمة في أدب الرحلات من كاتب تخصص في هذا المجال، وعرف دروبه ومساربه .
دخول