ثقافة

قراءة في المكتبة العربية

يوسف الغزال

المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬التقليدية‮ ‬‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬مليئة‭ ‬بمجلدات‭ ‬ضخمة‭ ‬وفخمة،‭ ‬لها‭ ‬عناوين‭ ‬براقة‭ ‬مختارة‭ ‬بعناية،‭ ‬مجلدات‭ ‬مزخرفة،‭ ‬ومذهبة‮ ‬‭ ‬مصمّمة‭ ‬لتكون‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬عناصر‭ ‬الديكور‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحتوى،‭ ‬نجد‭ ‬مئات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‮ ‬‭ ‬تدور‭ ‬حول‮ ‬‭:‬

‭)‬اللغة،‭ ‬والشعر،‭ ‬والشريعة،‭ ‬والتصوف‭(‬،‭ ‬لا‭ ‬توجد علوم‭ ‬المنطق،‭ ‬والفلسفة،‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة،‭ ‬أو‭ ‬علوم‭ ‬الفيزياء،‭ ‬والكيمياء،‭ ‬ولا‭ ‬علوم‭ ‬الحياة،‭ ‬أو‭ ‬الطب‭ ‬البشري،‭ ‬أو‭ ‬البيطري،‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬التقليدية‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭.‬‭ ‬

النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬مراجع‭ ‬قديمة‭ ‬تسمى‭ )‬أمهات‭ ‬الكتب‭( ‬في‭ ‬اللغة،‭ ‬وبجوارها‭ ‬عشرات‭ ‬الألوف‭ ‬من‭ ‬المجلدات‭ ‬هي‭ )‬شرح،‭ ‬أو‭ ‬شرح‭ ‬الشرح،‭ ‬أو‭ ‬اختصار‭ ‬لألفية‭ ‬ابن‭ ‬مالك‭(‬،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬‮«‬أمهات‭ ‬الكتب‮»‬‭.‬

أكثر‭ ‬العلوم‭ ‬التي‭ ‬ندرسها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬التعليم،‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وللآسف‭ ‬من‭ ‬الصعب‮ ‬‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‮ ‬‭ ‬معلمًا‭ ‬عربيًا‭ ‬يتقن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؛‭ ‬فعلم‭ ‬النحو‭ ‬علم‭ ‬ذوقي‭ ‬ليس‭ ‬علمًا‭ ‬حقيقيًا،‭ ‬ولهذا‭ ‬وقع‭ ‬أحد‭ ‬أساطين‭ ‬النحو‭ ‬د‭. ‬علي‭ ‬بن‭ ‬تميم‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬جسيم،‭ ‬حيث‭ ‬خلط‮ ‬‭ ‬بين‭ ‬الفاعل،‭ ‬والمفعول‭ ‬به،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خطاؤه‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬السهو،‭ ‬والنسيان‭ ‬بل‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬موقفه،‭ ‬وهو‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬تذوقه‭ ‬للمعنى‭.‬

أما‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المكتبة‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬شرح‭ ‬كتاب‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬القرآن،‭ ‬وقد‭ ‬إبتدع‭ ‬الفقهاء‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬القرآنية‭ ‬مخصصة‭ ‬لتسهيل‭ ‬فهم‭ ‬القرآن،‭ ‬فقد‭ ‬أحصى‭ ‬منها‭ ‬العلامة‭ ‬‮«‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬السيوطي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ )‬الإتقان‭( ‬في‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‭ ‬لـ‭ ‬80‭ ‬علمًا،‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانين‭ ‬علمًا‭ ‬مخصّصة‭ ‬لدراسة‭ ‬القرآن‭.‬

أما‭ ‬تفاسير‭ ‬القرآن‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬عددها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ )‬100‭( ‬تفسيرٍ،‭ ‬كلها‭ ‬منقولة‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬واحد‭ ‬اللاحق‭ ‬ينقل‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬التقديم،‭ ‬أو‭ ‬التأخير،‭ ‬ولهذا‮ ‬‭ ‬لا‭ ‬يصح‭ ‬قولهم‭ ‬‮«‬أجمع‭ ‬العلماء‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬قل«أجمع‭ ‬النقلة‮»‬‭.‬

وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والدراسة،‭ ‬والتصنيف،‭ ‬والتأليف‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬القرآن،‭ ‬ولم‭ ‬يتفق‭ ‬الفقهاءُ،‭ ‬ولم‭ ‬يصلوا‭ ‬لرأي‭ ‬واحد في‭ ‬‮«‬الناسخ،‭ ‬والمنسوخ‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬المحكم،‭ ‬ولا‭ ‬المتشابه،‭ ‬ويختلف‮ ‬‭ ‬أهل‭ ‬المذاهب‮ ‬‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬آيات‭ ‬سورة‭ ‬الفاتحة‭ ‬وهل‭ ‬‮«‬البسملة‮»‬‭ ‬آية‭ ‬من‭ ‬السورة‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

وفي‭ ‬الختام‭ .‬‭.‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬أن‭ ‬السبَّب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تخلف‭ ‬‮«‬المكتبة‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬العقل‭ ‬العربي،‭ ‬هو‭ ‬تحريم‭ ‬العوام‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬العلم؛‭ ‬حيث‭ ‬هجر‭ ‬العوام‭ ‬الكتاب،‭ ‬وزهدوا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬القراءة،‭ ‬والكتابة‭.‬

السبب‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬قفل‭ ‬باب‭ ‬الاجتهاد‭ ‬أمام‭ ‬العلماء،‭ ‬أصبحتْ‭ ‬الحركة‭ ‬العلمية‭ ‬مشلولة‮ ‬‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العوام،‭ ‬والخواص،‭ ‬وشعارنا‭ ‬الخاطيء‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الامكان‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬السلف،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬تخلفنا‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى