ثقافة

 قراءة في كتاب الشخصيات ودلالاتها الرمزية  في المجموعة القصصية (لا شيء في زنزانة غرامشي)

إعداد : سالمة الصغير

فتحت‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬‭)‬لا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬غرامشي‭(‬‭ ‬أبوابًا‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬والخيال‭ ‬برمزية‭ ‬ظاهرة‭ ‬وباطنة‭ ‬ركن‭ ‬إليها‭ ‬القاص‭ ‬مصورًا‭ ‬حالة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬والأمل‭ ‬وتضع‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الانتظار‭.‬

صنع‭ ‬القاص‭ ‬شخصياته‭ ‬من‭ ‬العقول‭ ‬الرفيعة‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بالحكمة‭ ‬والفلسفة‭ ‬وتغوص‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الفكر‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬المفقودة،‭ ‬واتبع‭ ‬جمالها‭ ‬برمزية‭ ‬خلابة‭ ‬ومرجعية‭ ‬ثقافية‭ ‬عميقة‭ ‬وكانت‭ ‬الشخصيات‭ ‬تحمل‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬المتلقي‭ ‬حتى‭ ‬يستيقظ‭ ‬من‭ ‬سباته‭ ‬الفكري‭ ‬والعلمي،‭ ‬ومزج‭ ‬القاص‭ ‬شخصياته‭ ‬بمشاعر‭ ‬متنوعة‭ ‬بأفكارها‭ ‬الجذابة،‭ ‬وأضاف‭ ‬حياتها‭ ‬مع‭ ‬العوام‭ ‬لتستنشق‭ ‬معهم‭ ‬أزمانهم‭ ‬ومعاناتهم‭ ‬فكان‭ ‬حضورها‭ ‬لامعًا‭ ‬يعطي‭ ‬دلالات‭ ‬رمزية‭ ‬عميقة‭ ‬تنتظر‭ ‬أقلام‭ ‬النقاد‭ ‬لإزالة‭ ‬الغبار‭ ‬عنها،‭ ‬ونذكر‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬وردتْ‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬ودلالاتها‭ ‬الرمزية‭ ‬هي‭: ‬

الدلالات‭ ‬الرمزية‭ ‬لعتبة‭ ‬العنوان‭: ‬

افتتح‭ ‬العنوان‭ ‬بإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الشخصية‭ ‬غرامشي‭ ‬والتلميح‭ ‬إلى‭ ‬حياته‭ ‬داخل‭ ‬الزنزانة،‭ ‬وهذه‭ ‬الرمزية‭ ‬دالة‭ ‬تاريخية‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬واتجاهاته‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬زمنه،‭ ‬تميزت‭ ‬عتبة‭ ‬العنوان‭ ‬بالشخصية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والسعادة‭ ‬وأعطت‭ ‬سيميائية‭ ‬بصرية‭ ‬وعقلية‭ ‬للمتلقي،‭ ‬وكان‭ ‬غرامشي‭ ‬يغطي‭ ‬غلاف‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬العنوان‭ ‬بمحتوى‭ ‬النصوص‭ ‬القصصية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التشويق‭ ‬والترغيب‭ ‬لمعرفة‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬غرامشي؟،‭ ‬وإذا‭ ‬نظر‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬الفهرس‭ ‬سيرى‭ ‬شخصيات‭ ‬متنوعة‭ ‬تحمل‭ ‬الدلالات‭ ‬الرمزية‭ ‬ونتابع‭ ‬تفاصيلها‭ . ‬

‭ ‬الرمز‭ ‬التاريخي‭ ‬للشخصية‭ : ‬

‮ ‬ظهرت‭ ‬الشخصية‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬قصة‭ )‬حين‭ ‬اختنق‭ ‬ماركوس‭( ‬أعاد‭ ‬القاص‭ ‬حركة‭ ‬ماركوس‭ ‬داخل‭ ‬العاصمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬رمزًا‭ ‬للفتوحات‭ ‬والعلم‭ ‬وحضور‭ ‬الفلاسفة‭ ‬في‭ ‬عهده،‭ ‬لكن‭ ‬ماركوس‭ ‬عاد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وكانت‭ ‬العبارات‭ ‬الدالة‭ ‬هي‭ )‬لا‭ ‬تخافوا‭ ‬صرخ‭ ‬ماركوس‭ ‬ملوحا‭ ‬بعصاه‭( ‬كانت‭ ‬الشخصية‭ ‬رمزًا‭ ‬للحضارات‭ ‬والفتوحات‭ ‬والنظام‭ ‬في‭ ‬هيكلية‭ ‬الدولة،‭ ‬والعصا‭ ‬رمزًا‭ ‬للقوة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬المكان؛‭ ‬لكن‭ ‬ماركوس‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الحاضر‭ ‬ويصبح‭ ‬مطاردًا‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬وكانت‭ ‬المفارقة‭ ‬للحدث‭ ‬أن‭ ‬النَّاس‭ ‬يجهلون‭ ‬حقيقة‭ ‬ماركوس‭ ‬التاريخية‭ ‬وغياب‭ ‬بطولاته‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬الثقافية،‭ ‬واستخدم‭ ‬القاص‭ ‬جمالية‭ ‬العاصمة‭ ‬طرابلس‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬البحر‭ – ‬شارع‭ ‬الفرنسيس‭ ‬تعد‭ ‬رمزًا‭ ‬للتاريخ‭ ‬والأصالة‭ ‬العريقة،‭ ‬مواطن‭ ‬الرمز‭ ‬دلالة‭ ‬جمالية‭ ‬ووقفة‭ ‬تاريخية‭ ‬للمتلقي‭ ‬نحو‭ ‬تراثه‭ ‬الماضي‭ ‬العامر‭ ‬بالنجاحات‭ ‬والحاضر‭ ‬الذي‭ ‬يفقد‭ ‬مفاتيح‭ ‬الحضارة‭ ‬‮  ‬‭ ‬

الرمز‭ ‬النفسي‭ ‬للشخصية‭: ‬

وظف‭ ‬القاص‭ ‬الرمز‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬أحلام‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الألم،‭ ‬كانت‭ ‬الشخصية‭ ‬تتأمل‭ ‬لمن‭ ‬حولها‭ ‬مثل‭ ‬قوله‭ ‬‮«‬التأمل‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬النَّاس،‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬حركات‭ ‬الحمقى‭ ‬والمجانين‭ ‬وهم‭ ‬يمارسون‭ ‬الانفصال‭ ‬عنا‮»‬‭ ‬قاد‭ ‬الحوار‭ ‬الداخلي‭ ‬للشخصية‭ ‬رفض‭ ‬البيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬النفسي‭ ‬حول‭ ‬القبول‭ ‬والرفض‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬مثل‭ )‬التسكع‭/ ‬الإهمال‭/ ‬المشاريع‭ ‬المؤجلة‭( ‬وانطلقت‭ ‬الشخصية‭ ‬التأملية‭ ‬تسرد‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ )‬درنة‭ ‬فجعت‭ ‬قلوبنا‭/‬فلسطين‭/‬وجع‭ ‬قطر‭ ‬القلب‭( ‬مما‭ ‬أعطى‭ ‬للمتلقي‭ ‬صورة‭ ‬للشخصية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬التغيير،‭ ‬السعادة،‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وكان‭ ‬الصراخ‭ ‬البطل‭ ‬مؤلما‭ ‬ومؤثرا‭ ‬في‭ ‬القصة،‭ ‬ورمزا‭ ‬لرفض‭ ‬الواقع‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬التغيير‭. ‬‮  ‬‭ ‬

‮ ‬ازداد‭ ‬الرمز‭ ‬النفسي‭ ‬تطورًا‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬أحلام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الذاكرة‭ ‬حيث‭ ‬أظهر‮ ‬‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬حالة‭ ‬البطل‭ ‬وصور‭ ‬حزنه‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬الجميل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحوار‭ ‬‮ ‬مثل‭ : ‬‭)‬أنا‭ ‬مَنْ‭ ‬متُ‭ ‬مرتين‭(‬‭ ‬وصار‭ ‬المكان‭ ‬رمزًا‭ ‬للذكريات‭ ‬القديمة‭ ‬والأحلام‭ ‬الضائعة،

‭)‬في‭ ‬مخزن‭ ‬بيتنا‭ ‬كيف‭ ‬سرق‭ ‬منا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭) ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬رمزا‭ ‬للماضي‭ ‬الجميل‭ ‬ومحاولة‭ ‬الرفض‭ ‬والنسيان‮ ‬‭ ‬للواقع‭ ‬الحزين‭. ‬

الرمز‭ ‬الفلسفي‭ ‬للشخصية‭: ‬

كانت‭ ‬للفلسفة‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬قصص‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬غرامشي‭ ‬وذكر‭ ‬القاص‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرين‭ ‬في‭ ‬السرد‭ ‬والحوار‭ ‬وزيارتهم‭ ‬للأماكن‭ ‬تارة‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬روافد‭ ‬التخلف‭ ‬والجهل‭ ‬الذي‭ ‬أحاط‭ ‬بالعقول‭ ‬وانطلق‭ ‬القاص‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬الشخصيات‭ ‬الفلسفية‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬غرامشي،أرسطو،‭ ‬طاليس،‭ ‬أفلاطون،‭ ‬الحقيقة‭ ‬أبدع‭ ‬القاص‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬روح‭ ‬الفلسفة‭ ‬والفكر‭ ‬لدى‭ ‬شخصياته،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬الواقع‭ ‬برمزية‭ ‬فلسفية‭ ‬عميقة‭ ‬يبثها‭ ‬داخل‭ ‬السرد‭ ‬القصصي‭ ‬تارة‭ ‬والحوار‭ ‬الخارجي‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬ونقل‭ ‬المتلقي‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأساطير‭ ‬اليونانية‭ ‬ومزجها‭ ‬بعطر‭ ‬المواقف‭ ‬والأحداث‭ ‬المحلية‭ ‬مما‭ ‬شكلت‭ ‬أعماله‭ ‬لوحة‭ ‬فسيفساء‭ ‬ي‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وقد‭ ‬صور‭ ‬القاص‭ ‬معالم‭ ‬جغرافية‭ ‬مثيرة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإغريق‭ ‬والفلاسفة‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ ‬واحدة‭ ‬ذكر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفكرين‮ ‬‭ ‬مما‭ ‬أيقل‭ ‬النص‭ ‬برموز‭ ‬فلسفية‭ ‬كادت‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مضمون‭ ‬الحدث‭ ‬مثل‭ ‬قصة‭ ‬سرينا‭ ‬تشرب‭ ‬القهوة‭.‬

الشخصية‭ ‬الفكرية‭ ‬ودلالتها‭ ‬الرمزية‭: ‬

ابن‭ ‬خلدون‭ ‬يحتسي‭ ‬الأولنجي‭ ‬جاء‭ ‬العنوان‭ ‬رمزًا‭ ‬للمجتمع‭ ‬وقضاياه‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وصنع‭ ‬القاص‭ ‬لابن‭ ‬خلدون‭ ‬علامات‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬مقدمته‭ ‬المشهورة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬واكتسبت‭ ‬المضمون‭ ‬القصصي‭ ‬ملامح‭ ‬اجتماعية‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬النَّاس‭ ‬كلام‭ ‬العوام‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬وغيرها،‭ ‬واتخذ‭ ‬من‭ ‬اللهجة‭ ‬المغاربية‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬ودلالة‭ ‬رمزية‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬المجتمع‭ ‬ورؤيته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬منها‭ ‬سي‭ ‬حنبعل،‭ ‬مقهى‭ ‬الشواشين،‭ ‬صمصمة،‭ ‬واستحضر‭ ‬القاص‭ ‬شخصيات‭ ‬ثانوية‭ ‬شكلت‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والمغرب‭ ‬العربي‭ ‬مثل‭ ‬الشابي،‭ ‬الطاهر‭ ‬حداد،‭ ‬بشير‭ ‬الخريف‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬جميل‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وحالهم‭ ‬في‭ ‬الحاضر،‭ ‬لكن‭ ‬يؤخذ‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬أن‭ ‬القاص‭ ‬أسرف‭ ‬في‭ ‬استحضار‭ ‬الشخصيات‭ ‬الثانوية،‭ ‬واستخدام‭ ‬الألفاظ‭ ‬المحلية‭ ‬للمدينة‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬المعنى‭ ‬مبهما‭ ‬للمتلقي‭ ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬قصة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬رمزا‭ ‬لحالة‭ ‬المجتمع‭ ‬وحاول‭ ‬القاص‭ ‬إيصال‭ ‬رسالة‭ ‬للقارئ‭ ‬مفادها‭ ‬مقدمة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى