ثقافة

قــــراءة: كسيرة الشاعر نفسه

سراج الدين الورفلي

لا‭ ‬يقبع‭ ‬‮«‬هولدرلين‮»‬‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬الرومانسية‭ ‬الألمانية‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬المثالية‭ ‬الألمانية،‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬أحيانًا‭ ‬بأنه‭ ‬أكثر‭ ‬الألمان‭ ‬ألمانيًا،‭ ‬ولكنه‭ ‬بالنسبة‭ ‬ليّ‭ ‬أعتبره‭ ‬الأغريقي‭ ‬الأخير،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬نبّه‭ ‬‮«‬هيجل‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أفكار‭ ‬‮«‬هيراقلطيس‮»‬‭ ‬وقربه‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬وحدة‭ ‬الأضداد‭ ‬التي‭ ‬كون‭ ‬منها‭ ‬‮«‬هيجل‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مفاهيمه‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الديالكتيك‮»‬‭.‬

ولكن،‭ ‬اللعنة‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬دائمًا‭ ‬كأنها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬لترجمة،‭ ‬يصعب‭ ‬اختراقها‭ ‬وفضح‭ ‬مكنوناتها،‭ ‬لغة‭ ‬سيدة‭ ‬نفسها‭ ‬بلا‭ ‬منازع،‭ ‬لقد‭ ‬حاول‭ ‬فؤاد‭ ‬رفقة،‭ ‬وهو‭ ‬مهووس‭ ‬آخر‭ ‬بالطبيعة‭ ‬والتأمل،‭ ‬ضخ‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬أشعار‭ ‬‮«‬هولدرين‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬برأي‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬جدوى‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬ترجموه‭ ‬فقد‭ ‬أخفقوا‭ ‬جميعهم،‭ ‬الأوروبيون‭ ‬نفسهم‭ ‬أمضوا‭ ‬عقودًا‭ ‬وهم‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬فهموا‭ ‬الألمان‭ ‬وفلسفتهم‭ ‬ولكنهم‭ ‬اخفقوا،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ترجم‭ ‬الألمان‭ ‬نفسهم‭ ‬إلى‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬وقرَّروا‭ ‬فك‭ ‬السحر‭ ‬عن‭ ‬لغتهم،‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬وصلتُ‭ ‬إليه‭ ‬بعد‭ ‬عدة‭ ‬قراءات‭ ‬سيئة‭ ‬للشعر‭ ‬الالماني‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬اقرأ‭ ‬سيرة‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسه،‭ ‬قد‭ ‬يساعدك‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأحاسيس‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬الخصوصية‭ ‬

ستحب‭ ‬‮«‬هولدرلين‮»‬‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفهمه،‭ ‬ستعشق‭ ‬رومانسيته‭ ‬من‭ ‬مأساة‭ ‬حياته‭ ‬وألمه،‭ ‬ستفهم‭ ‬أمله‭ ‬من‭ ‬يأسه‭ ‬الشديد،‭ ‬وكيف‭ ‬يغني‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬بحناجر‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬كرهوه‭ ‬وتركوه‭ ‬وحيدًا،‭ ‬‮«‬هلدرلن‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اصيب‭ ‬بالفصام‭ ‬ويأس‭ ‬الاطباء‭ ‬من‭ ‬شفائه‭ ‬وقالوا‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يصمد‭ ‬لثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬عاش‭ ‬بعدها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬سُمي‭ ‬البرج‭ ‬لمدة‭ ‬36‭ ‬عامًا‭ ‬والتي‭ ‬انتقلت‭ ‬كتاباته‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬اكثر‭ ‬بساطة‭ ‬وطفولية‭ ‬ولم‭ ‬يفهم‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬أبدًا،‭ ‬ولا‭ ‬ريب‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬دعى‭ ‬الى‭ ‬دمج‭ ‬المسيحية‭ ‬بالوثنية،‭ ‬أن‭ ‬يُسمي‭ ‬هرقل‭ ‬أخ‭ ‬المسيح،‭ ‬انها‭ ‬حتما‭ ‬خلاصته،‭ ‬خلاصة‭ ‬حزنه‭ ‬وحبه‭ ‬وقوة‭ ‬تحمله‭ ‬لهما‭ ‬حتى‭ ‬انهار‭ ‬عقله‭ ‬تمامًا،‭ ‬لقد‭ ‬أثر‭ ‬هولدرلين‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفئات،‭ ‬لكن‭ ‬الفئة‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثرًا‭ ‬به‭ ‬هم‭ ‬الموسيقيون‭ ‬والملحنون،‭ ‬ومن‭ ‬خلف‭ ‬قصائده‭ ‬المهملة‭ ‬خرج‭ ‬جيشٌ‭ ‬من‭ ‬السيمفونيات‭ ‬والمقطوعات‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى