
يقع كتاب )الحركة الشعرية في ليبيا( ضمن الكتب التأسيسية التي أرختْ للشعر والشعراء؛ حيث صدر عام 2004م، وقد أخذتْ الدراسة محلها في سلسلة الدراسات السابقة الأكاديمية للشعر الليبي ومنها: الشعر الليبي الحديث مذاهبه وأهدافه، رسالة دكتوراه لعبد المولى البغدادي عام 1972م، والمدرسة الكلاسيكية في الشعر الليبي الحديث، رسالة ماجستير للصيد أبو ديب 1973م، مع بعض الرسائل والأطروحات التي تناولتْ الشعر الليبي بشكل جزئي، أو تناولته مع بقية الأجناس الأدبية الأخرى.
ويعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا للمشتغل بمجال الشعر الليبي وذلك لضخامته، وتفرع دراسته؛ حيث تناول السياقات الخارجية وربطها بالنتاج الشعري وتتبع مراحل تطوره وتنوعه، فهو يجمع بين الدراسة النظرية المتمثلة في الأصول والمفاهيم، والدراسة التطبيقية التي تستشهد بنصوص شعرية.
ولد «قريرة زرقون» في مدينة سرت سنة 1959م، وتخرج في كلية الآداب والتربية بجامعة طرابلس، ونال دبلوم الدراسات العليا عام 1992م من كلية التربية جامعة عين شمس بالقاهرة، والماجستير في الأدب العربي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء سنة 1996م، وحصل على دكتوراه الدولة في الأدب العربي من جامعة عبدالملك السعدي بتطوان بالمغرب سنة 2000م، وصدر له من المؤلفات: أحاديث عام 1995م_ مقالات الأديب عبد الكريم بن ثابت، جمع وتقديم 1995م_ الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي الحديث عام 1996م.
وقد صرح الكاتب بتبنيه المنهج الوصفي التحليلي، لكن المتتبع للمناص يرى أنه مزيج من المنهج التاريخي حيث ربط الشعر بالظواهر التاريخية، كما أنه يقع ضمن إطار إقليمي معين )ليبيا( وإطار زمني )العصر الحديث(، وتناول الباب الثاني، والرابع في دراسة فنية.
عرض المادة في جزأين، واعتمد خمسة أبواب مع المقدمة والمدخل والخاتمة، وقد تناول في الباب الأول البدايات والعوامل المؤثرة في الشعر الليبي، وفي الباب الثاني الاتجاهات وتم تقسيمها لثلاثة فصول، )الاتجاه التقليدي _ الاتجاه التجديدي_ الاتجاهات التي تناولت تجربة الشعر الحر(، وانقسم التجديدي بدوره إلى ثلاثة أقسام هي: الاتجاه الرومانسي والاتجاه الواقعي والاتجاه الرمزي، وتناول في الباب الثالث القضايا الشعرية وقسمها إلى الشعر )الديني_ السياسي_ الاجتماعي الذاتي(، والباب الرابع تحت عنوان الأشكال وقسمه إلى ثلاثة محاور )اللغة والألفاظ الأوزان والقوافي_ المحسنات البلاغية(.
قصيدة النثر في كتاب الحركة الشعرية في ليبيا، الباب الخامس وهو محور هذه الورقة فقد كان تحت عنوان: أعلام الشعر الليبي الحديث، وقد تم تحديده زمنيًّا «1850_ 2000م»، وتناول في هذا الباب مجموعة من الشعراء الليبيين من خلال إدراج سيرتهم الذاتية ونماذج من أعمالهم الشعرية، ويقول في ذلك : )رصدتُ في هذا الباب أكثر من ثلاثمائة شاعرٍ، أكثر من مائتين وخمسين شاعرًا منهم لم يتناوله أحد من قبل، وجل هؤلاء قابلتهم، أو قابلت معارفهم وأقاربهم في قراهم ومدنهم، وهؤلاء الشعراء أيضًا مغمورون، فمنهم من هو معروف على مستوى أصدقائه فقط، ثم إن الشاعر عندي من تجاوزت قصائده العشرين قصيدة” «مقدمة الكتاب».
وهذا يعني أنه اعتمد مبدأ الكم في حمل صفة الشعرية، كما أنه اعتمد الترتيب الألف بائي في تناول الشعراء، ولم يلتزم بتحديد الَّنوع الشعري الذي كُتِبتْ فيه النصوص المدرجة، مما يقتضي تتبع الأسماء الواردة اسمًا اسمًا لتصنيف الكتابات تاريخيًّا أو فنيًّا، وهذا ما جعل الفصل الأخير يأخذ سمة الببليوغرافيا، كما أنه يأخذ محله في المعاجم الأدبية في ليبيا مثل مؤلفات عبدالله مليطان، ويُلاحظ أنه عنون بعض النصوص بصيغ تجنيسية: )شعر حر، ج2/ ص117( )قصائد الومضة، ج 2/ ص139(، لكنه لم يُصرح أو يصنف النصوص بحسب أنواعها، ولم يُعلِّق على القصائد في هذا الباب، ويمكن تتبع كُتّاب قصيدة النثر من خلال النماذج التي أوردها وهم على سبيل المثال:
«أبو القاسم المزداوي ولد سنة 1953م» نموذج من شعره:
دعوة حارة
لنقتسم هذا المساء
مُكعباتٍ ملونة
تارةً
تظفرين بها جمعًا
وأخرى أقاسمك فرحة الانتصار«ينظر: ج2/37_»
«مفتاح العماري ولد 1956م»: نموذج من شعره: وهم
لا شي يجمعني بوجهي
سوى وهمي
فهل يكفي أنتِ و أنا
كأننا لم نخسر الحرب
أن نرقص
وبأطراف ليست لنا «ج2/735»
سالم العوكلي ولد 1960، نموذج من شعره: الحياة منفى.. الموت وطن
وأنتَ رضعتَ موتكَ،
موتُكَ منْ عوسجةٍ تعْرِشُ في هوَاءِ الرُّوحْ
وأنت نزلتَ من جدولِ الماءِ والعُشبِ
إلى فكرةِ الخشبِ القاحِلةِ
جمرُك ينْطفئُ
ويخفُتُ سِراجُ عينيكَ
وَ «السؤالُ» يخلع جلدك البارد
ويمتطي إلى البدء روحك الكسيرة
والريح تهرِش بالنافذة كتفيها
وتغيبُ… مثقلة بشهقتك الأخيرة «ينظر: ج2/221».