رتوش

كتاب‭ ‬ليبيا‭ ‬المستقبل‭:‬ ‬جيفرسون‭ ‬وقراصنة‭ ‬طرابلس‭..‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬تاريخ‭ ‬أمري

زكريا العنقودي

يصدر‭ ‬قريبا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ (‬ليبيا‭ ‬المستقبل‭) ‬كتاب‭ : ‬توماس‭ ‬جيفرسون‭ ‬و‭ ‬قراصنة‭ ‬طرابلس،‭  ‬الحرب‭ ‬المنسية‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬تاريخ‭ ‬أمريكا‭ .‬ترجمة‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الغرياني‭ .‬

كتب‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الغرياني‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ترجمته‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تفصيل‭  ‬ظهر‭ ‬على‭ ‬الغلاف‭ ‬الأخير‭ ‬لهذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬المهمة‭  ‬التالي‭ : ‬

كان‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬يوشك‭ ‬على‭ ‬الانطواء‭ ‬حين‭ ‬وجدتْ‭ ‬جمهورية‭ ‬ناشئة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عالم‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الرحمة‭ ‬في‭ ‬البحار‭. ‬وفي‭ ‬الزوايا‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬المتوسط،‭ ‬كانت‭ ‬ولايات‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬‭ ‬طرابلس،‭ ‬وتونس،‭ ‬والجزائر‭ ‬‭ ‬تدير‭ ‬شؤونها‭ ‬البحرية‭ ‬وفق‭ ‬قوانين‭ ‬تشكّلتْ‭ ‬عبر‭ ‬قرون‭ ‬من‭ ‬الحروب،‭ ‬والتحالفات،‭ ‬والاتفاقيات،‭ ‬والموازين‭ ‬التي‭ ‬خطّها‭ ‬البحر‭ ‬بنفسه‭. ‬كانتْ‭ ‬هذه‭ ‬الولايات‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬عثماني‭ ‬واسع،‭ ‬له‭ ‬تقاليده‭ ‬ومصالحه،‭ ‬وله‭ ‬أيضًا‭ ‬فهمه‭ ‬الخاص‭ ‬للسيادة‭ ‬ولحماية‭ ‬السواحل‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬دولة‭ ‬خرجتْ‭ ‬لتوّها‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬استقلال‭ ‬باهظة،‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬اعتراف‭ ‬دولي،‭ ‬وموقع‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬تجارة‭ ‬المتوسط‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تملك‭ ‬قوة‭ ‬بحرية‭ ‬تُذكر،‭ ‬ولم‭ ‬تتعود‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬التفاوض‭ ‬بلسان‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭ ‬مختلفين‭ ‬في‭ ‬الخبرة‭ ‬والموقع،‭ ‬اندلعت‭ ‬المواجهة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تُعرف‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بـ«حرب‭ ‬طرابلس‮»‬‭.‬

من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬حكايةً‭ ‬بسيطة‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬تتعرّض‭ ‬للتهديد،‭ ‬وبطولة‭ ‬تتصدّى‭ ‬له،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬بالفعل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬توماس‭ ‬جيفرسون‭ ‬وقراصنة‭ ‬طرابلس‮»‬‭. ‬أما‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا،‭ ‬فله‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬أوسع‭: ‬قراءة‭ ‬تكشف‭ ‬تعقّد‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬ولايات‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬عصابات‭ ‬منفلتة،‭ ‬بل‭ ‬كيانات‭ ‬سياسية‭ ‬بحرية‭ ‬متماسكة،‭ ‬تفاوضت‭ ‬وعاقبت‭ ‬وحمت‭ ‬مصالحها‭ ‬ضمن‭ ‬نظام‭ ‬متوسطي‭ ‬شديد‭ ‬الاضطراب‭.‬

هنا‭ ‬يأتي‭ ‬المبرر‭ ‬لترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭. ‬فالقارئ‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الرواية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬لا‭ ‬لكي‭ ‬يبتلعها‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬بل‭ ‬لكي‭ ‬يفككها،‭ ‬ويضعها‭ ‬في‭ ‬سياقها،‭ ‬ويقارنها‭ ‬بما‭ ‬تورثه‭ ‬لنا‭ ‬السجلات‭ ‬العثمانية‭ ‬والمغاربية،‭ ‬وما‭ ‬ترويه‭ ‬موانئ‭ ‬طرابلس‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬المضطربة‭. ‬الترجمة‭ ‬ليست‭ ‬اعترافًا‭ ‬بتفوّق‭ ‬رواية‭ ‬على‭ ‬أخرى،‭ ‬وإنما‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬الذاكرتين‭ ‬ممكنًا،‭ ‬وأن‭ ‬نقرأ‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬يراه‭ ‬الآخر،‭ ‬ونُعيد‭ ‬تشكيله‭ ‬كما‭ ‬نفهمه‭ ‬نحن‭.‬

هناك‭ ‬سببٌ‭ ‬آخر‭ ‬للترجمة‭: ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الصغيرة‭ ‬شكّلتْ‭ ‬وجدان‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعمق،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬نشيدها‭ ‬الرسمي،‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يردَّد‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬يمجّد‭ ‬الحملة‭ ‬ويشير‭ ‬إليها‭ ‬بوصفها‭ ‬لحظة‭ ‬تأسيسية‭:‬

من‭ ‬أروقة‭ ‬مونتيزوما

إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬طرابلس،

نخوض‭ ‬معارك‭ ‬وطننا

في‭ ‬الجو‭ ‬والبر‭ ‬والبحر‭.‬

هذه‭ ‬السطور،‭ ‬المحفوظة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬ملايين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تمنح‭ ‬حرب‭ ‬طرابلس‭ ‬حياةً‭ ‬جديدة‭ ‬كلما‭ ‬رُفع‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬عُزفتْ‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬التدريب‭. ‬ومن‭ ‬واجب‭ ‬قارئنا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬المتوسط‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬لماذا‭ ‬بقيت‭ ‬تلك‭ ‬المواجهة‭ ‬الصغيرة‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬دولة‭ ‬عابرة‭ ‬للقرون‭.‬

إن‭ ‬ترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬محاولة‭ ‬لإعادة‭ ‬وضع‭ ‬قصة‭ ‬مألوفة‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الأشمل؛‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬المعركة‭ ‬البحرية‭ ‬بوصفها‭ ‬فصلًا‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي،‭ ‬لا‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬خير‭ ‬وشر‭. ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التريّث‭ ‬قبل‭ ‬إطلاق‭ ‬الأحكام‭ ‬الجاهزة،‭ ‬فالبحر‭ ‬المتوسط‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مسرحًا‭ ‬لصراع‭ ‬أحادي‭ ‬الاتجاه،‭ ‬بل‭ ‬ساحة‭ ‬تختلط‭ ‬فيها‭ ‬التجارة‭ ‬بالقوة،‭ ‬والديبلوماسية‭ ‬بالمدافع،‭ ‬والمصالح‭ ‬بالذاكرة‭ ‬الطويلة‭.‬

قدّم‭ ‬الأمريكيون‭ ‬روايتهم،‭ ‬ولطرابلس‭ ‬روايتها،‭ ‬وللبحر‭ ‬رواية‭ ‬ثالثة‭ ‬لا‭ ‬يتقن‭ ‬روايتها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬عتمة‭ ‬الموانئ‭ ‬ورائحة‭ ‬الحبال‭ ‬المالحة‭ ‬وصوت‭ ‬المجاديف‭ ‬عند‭ ‬الفجر‭. ‬أما‭ ‬نحن،‭ ‬ابناء‭ ‬المتوسط،‭ ‬فمهمتنا‭ ‬أن‭ ‬نجمع‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬معًا،‭ ‬لا‭ ‬لنحاكم‭ ‬الماضي‭ ‬بمنطق‭ ‬الحاضر،‭ ‬وإنما‭ ‬لنفهم‭ ‬كيف‭ ‬تشكّل‭ ‬البحر‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬يشكّل‭ ‬مصاير‭ ‬الشعوب‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى