
مع انطلاق امتحانات الشهادتين الإعدادية، وثانوية الفترة الأول، وامتحانات نهاية الفصل الأول لصفوف النقل لا يدخل التلاميذ والطلبة قاعات الامتحان وهم منشغلون فقط بصعوبة الأسئلة، أو ضيق الزمن، بل مثقلون بسؤال أعمق وأقسى: هل ما نراجعه هو فعلًا ما سنُسأل عنه؟ غياب الكتاب المدرسي، وتأخر وصول بعض المقرَّرات، وارتباك الخطة الدراسية، صنعتْ واقعًا تعليميًا هشًّا، تحوّل فيه الامتحان من أداة لقياس التحصيل العلمي إلى اختبار قاسٍ للأعصاب.
في بلد يعاني من غلاء المعيشة، وضغط المرتبات المحدودة، لم يعد الطالبُ وحده في المواجهة، بل أصبحتْ الأسرة شريكًا إجباريًا في تعويض خلَّل المنظومة، بينما يُطلب من الطالب أن يكون ثابتًا في زمن لا يمنحه أدوات الثبات.
أصوات الطلبة: حين يصبح القلق منهجًا
في ساحات المدارس، وعلى مقاعد الانتظار قبل الامتحان، تتشابه الأسئلة وتختلف الوجوه. الطلبة لا يتجادلون حول صعوبة المادة، بل حول غيابها.
كتابٌ لم يصل، ومنهج لم يكتمل، وامتحان لا ينتظر. مذاكرة بلا مرجعية وقلق دائم داخل فصول الشهادة الثانوية، يعتمد أغلب الطلبة على دفاترهم الشخصية وملخصات متبادلة، في ظل غياب الكتاب كمرجع موحّد.
سما طالبة بالقسم العلمي تقول: إنها تذاكر لساعات طويلة، لكنها لا تشعر بالاطمئنان نقرا ونحل، لكن ديما نحس في حاجة ناقصة، خايفة نكون نقرأ الغلط.
أما معتصم طالب بالقسم الأدبي، فيصف واقع المراجعة بقوله: نذاكر من بعضنا. كل واحد عنده ورقة ناقصة، نجمعوا فيهم ونحاولوا نكمّلوا الصورة، هذا الارتباك جعل كثيرًا من الطلبة يركّزون على احتمالات المفاجأة أكثر من الفهم.
ريم تقول: إنها تحمل دفتر المدرسة، وملخص الكورس وتبقى تقارن بينهما الاختلاف يخوّف.. أي واحد نمشي معاه؟
بينما يرى أيوب أن النجاح لم يعد مرتبطًا بالاجتهاد فقط: حتى لو فاهم، تحس روحك ناقص لو ما دخلتش كورس.
أيام لا تكفي لحلم
سلمى طالبة بالشهادة الثانوية، تتصفح كتابًا تسلّمته قبل أيام قليلة فقط .. كيف نلحق نقرأه؟ مش نبي إعفاء، نبي وقت عادل.
تقولها بهدوء، لكن عينيها تقولان أكثر.
رؤى: نحفظ قبل أنّ نفهم اضطرّينا نحفظ الملخصات حفظ، مش لأننا نبي، لكن لأن الوقت ما يسمحش نفهم.
رؤى تعترف أن المذاكرة تحولتْ إلى سباق مع الزمن، لا رحلة فهم.
آمنة: غياب اللغوية… وغياب اليقين
آمنة ما زالت تنتظر كتاب اللغوية.
نقرأ من أوراق متفرقة. كل واحدة تختلف عن الثانية. كيف نعرف الصح؟
السؤال بسيط، لكن بلا إجابة.
اجتهاد بلا مرجعية
إحدى الطالبات مجتهدات، لكنها تشعر بأن جهدها مهدد:
نبذل مجهودًا، لكن بلا كتاب نحس تعبنا ممكن يضيع في سؤال واحد.
فاطمة: الامتحان أقرب للحظ اللي يجيبه الحظ يكون شاف السؤال قبل، مش لأنه فاهم أكثر جملة تختصر إحساسًا عامًا بعدم العدالة.
نور القلق يسبق الدرس
نقعد نفكر في الامتحان أكثر مما نقرأ.
نور ترى أن الضغط النفسي أصبح عائقًا حقيقيًا أمام التحصيل.
إسراء: أيام الانتظار ضاعتْ ضيّعنا أسابيع نستنى الكتب.
اليوم يطلبوا منا نكونوا جاهزين. بين الانتظار والامتحان، ضاع الوقت الأهم.
هبة: لسنا طرفًا في التقصير
ليش ندفعوا ثمن حاجة ما اخترناهاش؟
سؤال هبة يتكرّر بصيغ مختلفة على ألسنة كثيرين.
سعاد : العدالة مش في الورقة
العدل مش إن الامتحان يكون سهلًا أو صعب، العدل إن الكل يقرأ نفس الشي.
مها : مستقبل في أيام
معدلي كله ممكن يتأثر بأيام قليلة.
تقولها «مريم»، وهي ترتّب دفاترها بعناية، وكأنها تحاول ترتيب قلقها أيضًا. الجميع يشتركن في شعور واحد: أن الامتحان جاء قبل اكتمال الطريق إليه.
خلاصة أصوات الطلبة
ما تطلبه الطالبات ليس امتيازًا، ولا تساهلًا في التقييم، بل حقًا بسيطًا: كتاب يُسلَّم في وقته
منهج واضح .. وقت كافٍ للفهم
حين يُحرم الطالبُ من هذه الأساسيات، يصبح الامتحان حكمًا لا اختبارًا، ويتحوَّل التفوق من استحقاق إلى مخاطرة.
فأي عدالة تعليمية تُرجى، إذا كان السؤال حاضرًا، والمنهج غائبًا؟ المعلمات: جهد مضاعف ومسؤولية ثقيلة
وسط هذا النقص، وجدتْ المعلمات أنفسهن أمام مسؤولية تتجاوز دورهن التقليدي. حصص إضافية، ملخصات تُكتب خارج أوقات الدوام، وإعادة شرح المادة أكثر من مرة في محاولة لسدّ الفراغ.
تقول إحدى معلمات الشهادة الثانوية:
نبذل أقصى ما نقدر عليه، لكن غياب الكتاب يربك التخطيط. نحاول نغطي، لكن الضغط كبير، والحل مش فردي.
وتضيف معلمة أخرى: أصعب شيء إنك تشوفي طالبًا مجتهدًلا، لكنه قلق لأنه مش عارف منين يراجع.
أولياء الأمور: بين الخوف والقدرة في البيوت الليبية، أصبح النجاح معادلة مالية ونفسية معقدة.
أم لطالبة شهادة تقول:
قلبي مع بنتي، لكن كل يوم مصروف جديد تصوير، ملازم، كورسات. نخاف نكون مقصرين لو ما وفرناش، ونخاف نغرقوا لو وفرنا.
أما أحد الآباء فيعبّر بمرارة واضحة:
لو خليته على المدرسة نخاف، ولو درسناه برا نغرق في الديون. الطالب مش لازم يدفع ثمن الفوضى.
مراكز التدريب: حل اضطراري أم فجوة عدالة؟
مع غياب الكتاب المدرسي، تحولتْ مراكز التدريب إلى خيار شبه إلزامي، خصوصًا مع اقتراب الامتحانات. هذا الواقع عمّق الإحساس بعدم تكافؤ الفرص بين الطلبة، حيث بات النجاح مرتبطًا بالقدرة المادية أكثر من الجهد الفردي، ما خلق شعورًا واسعًا بعدم العدالة.
الضغط النفسي: الكلفة غير المرئية
يحذّر أختصاصي نفسي من أن مستوى القلق هذا العام تجاوز المعدلات الطبيعية: طالب يعيش ضغطًا مستمرًا لا يمكن قياس مستواه الحقيقي. القلق قد يُسقط طالبًا متفوقًا.
وتؤكد إختصاصية اجتماعية أن الإحساس بعدم الأمان التعليمي يولّد توترًا قد يرافق الطالب حتى بعد الامتحان، ويؤثر على ثقته بنفسه.
ويرى أختصاصي تربوي أن الامتحان دون مرجعية واضحة يفقد قيمته كأداة تقييم عادلة.
وفي ختام استطلاعنا يتضح :
تأخر، أو غياب الكتاب المدرسي أثّر مباشرة على جاهزية الطلبة. الاعتماد على ملخصات واجتهادات فردية بدل منهج واضح.
استنزاف مالي ونفسي للأسر.
جهد استثنائي من المعلمات لتعويض الخلل.
ضغط نفسي يهدد عدالة التقييم.
خاتمًا : سؤال في وجه المنظومة
ما يكشفه هذا الاستطلاع ليس مجرد أزمة كتب، بل امتحان حقيقي لعدالة التعليم حين يدخل الطالب قاعة الامتحان وهو مثقل بالخوف، ومحروم من أدوات الاستعداد، يصبح النجاح مغامرة لا استحقاقًا.
فالكتاب ليس ورقًا، بل طمأنينة، والمنهج ليس محتوى، بل وعد بالعدالة.
وإلى أن يُعاد للكتاب مكانه، وللتخطيط احترامه، سيبقى الامتحان في اختبارًا للأعصاب قبل أن يكون اختبارًا للمعرفة. يترك السؤال مفتوحًا:
ما يحدث اليوم في الامتحانات ليس تفصيلًا عابرًا ولا خللًا تقنيًا يمكن تجاوزه بالصمت، بل لحظة كاشفة تختبر صدقية المنظومة التعليمية بأكملها. حين تُسلَّم الكتب متأخرة، ويُدفع الطلبة إلى سباق غير متكافئ مع الزمن، يصبح الامتحان أداة ضغط بدل أن يكون أداة إنصاف، وتتحول القاعات من فضاء للتقييم العادل إلى مساحة للقلق الجماعي.
الطالبة التي جلست لأشهر تنتظر كتابها، لم تطلب تفضيلًا، بل فرصة عادلة.
والمعلمة التي بذلت جهدها مضاعفًا، لم تطلب إعفاء، بل مرجعية واضحة.
والأسرة التي أنهكها الإنفاق، لم تطلب ضمان النجاح، بل تكافؤ الفرص.
إن أخطر ما في هذه الأزمة ليس تأخر الكتاب، بل اعتياد الغياب: غياب التخطيط، غياب المحاسبة، وغياب السؤال الجوهري: كيف نقيّم طالبًا لم نُوفِّر له أدوات الاستعداد؟
فالتعليم لا يُدار بردود الأفعال، ولا تُصنع العدالة بامتحان واحد، ولا يُقاس مستقبل جيل كامل بأيام ارتباك. وإن لم تُراجع هذه التجربة بجدية، سيبقى كل امتحان قادم نسخة مكررة من القلق ذاته، وستظل الشهادة حلمًا مؤجَّلًا لا استحقاقًا مضمونًا.
العدالة التعليمية تبدأ من الكتاب، تمر بالوقت، وتنتهي بامتحان عادل.
وما لم تُستعاد هذه السلسلة كاملة، سيبقى السؤال معلّقًا في كل موسم امتحانات:
هل نختبر تحصيل الطلبة، أم نصبرهم على خلّل المنظومة؟



