
في الترجمة يتكشف أسلوب المترجم وتتضح طرائقه، تمامًا مثلما يتجلى أسلوب الكاتب في كتاباته.
هذا الأمر يبدو أكثر، وضوحًا حين نطالع ترجمة لكاتب يجمع بين التأليف والترجمة.
اقرأ ترجمات الكتَّاب ممن كانوا شعراء، أو روائيين، وستلحظ ظلال أسلوبهم، وقد امتزجت بأسلوب كاتب النَّص.
ثمة لوازم وتقنيات تتخلل أسلوب الكتابة عند كل كاتب، أو مترجم تصحبه صحبة الظل لصاحبه وتسمه وسم الوشم الذي لا يتزحزح عن جلدته.
ترى هل عد الأسلوب خيانة في الترجمة؟، أو لم يقل بوفون أن الأسلوب هو الإنسان؟!
في الترجمة الأدبية غالبا ما يفوق وعي المترجم بالنص المصدر وعي الكاتب. الوعي مفارق للخلق هنا.
الخلق الذي يفوق بدوره وعي الاثنين الكاتب والمترجم.
كثيرًا ما تتخلق بين يدي الشاعر روائع يعجز عن فهمها أو عن الإلمام بأوجه الإبداع فيها، إلا أن المترجم ملزم بحكم مهمته بتفكيكها وسبر غور جمالياتها.
هذه الجماليات التي قد تدفع بالمترجم المبدع إلى ما هو أبعد من النقل منجزة نصا فارها نحسبه ترجمة وما هو بترجمة.
ومع ذلك ستظل الترجمة ترزح تحت ظلم المقارنة مع الأصول متنا وتراتبية رغم ما قد يصدر عنها من روائع.
لا شك أن الترجمة محكومة بالاختلاف أبدا بحكم طبيعتها لكنها ليست متهمة بالقصور أيضا لطبيعتها بل لفهم مآلاتها أو لتصدي من هم دونها لها.
لا يعد تباين الألوان بين الترجمات والأصول عيبا إذ كثيرًا ما يبدو المترجم أشبه بالأسير الذي يحاول بشتى الطرق الفرار من سجن اللغة. اللغة المثقلة بالحتميات.
كيف للمترجم أن يتخلص من تحيزه المعرفي، أو أن يستقبل الصباح دون أن يشرع له نوافذه المغمضة؟، أو كيف له أن يدير ظهره لذاكرته فيما هو دائر يتحسس دروب الفهم؟.
أي معاول عليه أن يجترح في حال ضاقت بعباراتها الرؤى أو قصرت عن مقاصدها الألفاظ. لكل ذلك ستظل مغامرة الترجمة محكومة بالخداج وإن جاء وليدها نيرًا كفلقة القمر.