ماذا تبقى من فبراير ؟! من رومانسية الثورة إلى استحقاقات مؤجلة

تمثل الثورة في جل التعريفات حالة قطيعةمع وضع سابق أو لنقل منعطف ينقل كيانًا مجتمعيًا ما من نظام لم يجد فيه استحقاقاته المطلوبة آخر بديل يفترض فيه تلبية تلك المطالب، وهنا يحدث التباين بين ثورة وأخرى بحسب المعطيات السياسية والمجتمعية والثقافية لكل بلد، وكذلك وجود مؤسسات نقابية ونخب من عدمه، اضافة إلى الهيكل المؤسساتي العام، كل ذلك يلعب دورًا رئيسًا في نسبة تحقق مطالب التحوَّل أو تعثرها، أو انتكاسها.
وفي الحالة الليبية يصف أحد الكتَّاب واقع ما حدث، ويحدث أنه رغم العشوائية الحاصلة في سيرة الأربعة عشر عامًا الماضية يمكن القول إنّ المتحقق فقط هو تمدد نسبي لأجسام المجتمع المدني الثقافية التي بعضها بالتأكيد له دور جيد في النقاش، وفي دعم موجة الوعي، لكن هذه الثقافة التي خضعت بعد تحررها من الخضوع للنموذج الثوري وبالأخص صورة البطل المسلح، وكانت فاعليته أفقية لكنها لا تحكي الأزمات وتقترح الحلول، وتتحمل الضريبة القيمية.
إذا كانت ولازالت رغم المساحات الايجابية رغم تواضعها تواجه تمدد جرافات الاقصاء تحاول تقليصها والتمدد على حسابها وتهميشها في خلطة مركبة تجتمع فيها المحاصصة والقبلية والجهوية وجشع المال ناهيك عن معضلة الاستقطاب السياسي .
وفي المقابل تبقى الحالة الليبية ما بعد فبراير هي جزءٌ من حالات تاريخية شهدتها المستديرة )شغف، حلم، انكسار ترقب، فراغ(، مشهد يصفه البعض بالمشوش، وآخرون بضريبة الفوضى ..الخ لكن مع مرور 14 عامًا من فبراير يتوجب الوقوف قليلاً لنعاين ما حدث، وما يتوجب عمله وإلى أي حد سيبقى الرهان على الزمن عبر ادوات الاستفهام )لماذا، كيف، متى(.
للتحوَّل قوانينه وضريبته
للذكرى محطاتٌ مختلفة ينظر من خلالها بحسب التحولات، والمنعطفات، وإذا ما توقفنا عند مصطلح الثورة، والثوار والحالة الرومانسية التي سادت المشهد في البدايات تشير الصحفية ابتسام اغفير رئيس تحرير )الليبي اليوم( أن تلك الفترة كانت أشبه بشهر عسل قصير جدًا ثم كان الشرخ، أو الزلزال الذي كان حاجزًا بيننا وبينها وهو «داعش» لندخل في دوامة ثلاث سنوات من الحروب والنزوح والدمار؛ لذا بالنسبة ليّ كان التحوَّل الجوهري عندما تم القضاء على «داعش» لتتنفس بنغازي، ودرنة وكل مدن الشرق الصعداء لأن داعش كفكر كان يعارض منطق الحياة ذاتها ناهيك عن مبادئ فبراير )العدالة، الحرية، القانون الدستور .. الخ(.
وتخلص اغفير بالقول : الطريق إلى دولة المؤسسات يحتاج إلى عمل وصبر وتضحيات؛ فاستحقاقات فبراير التي خرجنا من أجلها لازالت لم تتحقَّق بالكامل ويتطلب ذلك تكاتف الجميع على امتداد الجغرافيا الليبية .
بين الرمزية، والتجريد السياسي
الصحفية نجاح مصدق رئيسة تحرير مجلة الليبية ترى أنه بعد أربعة عشر عامًا من اندلاعها، تبدو ثورة 17 فبراير وقد تحوَّلتْ إلى طقس احتفالي أكثر من كونها حدثًا يعكس مشروعًا سياسيًا مستمرًا.
ما تبقى منها ليس سوى رموز شكلية علم يرفع، نشيد يُنشد، وذكرى سنوية تُستعاد بينما تلاشت ديناميكياتها الأولى التي كانت تضج بالأمل والتغيير.
اليوم لم تعد فبراير تمثل ذلك المشروع الوطني الذي راهن عليه أنصارها، بقدر ما أصبحت مشهدًا متكررًا يُعاد إنتاجه كل عام دون مضمون سياسي، أو اجتماعي حقيقي. أما من تصدروا المشهد حينها، فقد تفرقوا بين من انسحب إلى الظل، ومن وجد مصلحته في مواقع جديدة، ومن اختار الفرجة مكتفيًا بحصيلة ما جناه من مغامرة الثورة في العمق، فبراير اليوم أقرب إلى كيان مأزوم يبحث عن هويته، كحالة ثورية لم تكتمل ملامحها، أو كدولة لم تنضج شروطها ..هي أشبه بكيان سياسي فقد بوصلة أهدافه، فبقي عالقًا بين خطاب الطموح والتغيير من جهة، وواقع التشرذم والانقسامات من جهة أخرى كأنها فتاة خجولة تتزين بمبالغة كي تخفي عيوبها، لكنها لا تواجه حقيقتها ولا تسعى لاستعادة جوهرها الأول لا شك إن فبراير فتحتْ أبوابًا كانت موصدة، لكنها في المقابل أطلقت أسئلة عن أحلام الليبيين المنتظرة وتطلعاتهم وفرّقتْ الليبيين أكثر مما وحدتهم.بين مَنْ رأى فيها خلاصًا، ومَنْ اعتبرها مشروعًا مخطوفًا، ومَنْ بات يراها نموذجًا للعمالة، والتدخلات الخارجية، تبدو فبراير اليوم حدثًا سياسياً بلا روح، مجرد ذكرى لا تنعكس في الواقع إلا كمادة احتفالية لا أكثر.
لقد تحوَّلت الثورة من مشروع تغيير إلى حالة رمزية، ومن حلم سياسي إلى إحراج لمن راهنوا عليها، وحسرة في قلوب من علقوا عليها آمالًا كبرى.
لم تعد فبراير تشبه نفسها، بل باتتْ كائناً سياسياً بلا انتماء حقيقي إلى أحلامها الأولى.
التاريخ هو من سيحكم
إن تحتفل بذكرى ما فذلك يعني قناعتك الشخصية بما حدث ورضاك عما حدث في تلك الذكرى.
ويرى آخرون أن 17 فبراير كان يومًا تاريخيًا انتفض فيه معظم الليبيين على حكم ديكتاتوري أضر بالوطن، وتسبب في تخلفه وبفضله تم التخلّص منه.
البعض الأخر يرى أن 17 فبراير ليست سوى مؤامرة خارجية لزعزعة أمن ليبيا ونشر الفوضى فيها.
والبعض الثالث يرى ما رآه الأول، ولكنه يؤمن بأن 17 فبراير قد تم سرقته من قبل المتسلقين، والنفعيين وأصحاب الاجندات الخارجيه. كلٌ له رؤيته.
ويبقى الاحتفال رهينًا بهذه الرؤية… البعض سيحتفل… والبعض لن يحتفل… الأمر عادي، ولا يتطلب هذه الضجة والخلاف… فليحتفل مَنْ أراد وليمتنع عن الاحتفال مَنْ أراد… فالاحتفال ليس فرضًا… والامتناع عنه أيضًا ليس بفرضٍ… فــ 17 فبراير هو خليط من كل هذه الرؤى المختلفة، وكل له مسبباته، وحججه فيما يرى والتاريخ هو من سيحكم، وليس الرؤى الشخصية المتقلبة وفق الأحداث الحالية المعاشة على الأرض والتي تتغير معطياتها بين وقت وآخر. .فكل 17 فبراير وأنتم بخير للمحتفلين، وكل 17 فبراير وأنتم من الصابرين للمعارضين .. وكل 17 فبراير وأنتم متقلبون بين الخير والصبر لمن لم يستقر لهم رأي. وليختار كل ما يناسبه إلى أن يحدد لنا التاريخ ماهية 17 فبراير .. وعندها سنحتفل معًا، أو نتوقف عن الاحتفال معًا.
الجواب يكمن في السؤال
ناصر شتيوي عضو الجمعية الوطنية طرابلس قال :
الجوابُ يكمن في السؤال ماذا كانتْ أهداف ثورة 17 فبراير؟، والجواب ..إذا كانت أهداف الثورة القضاء على رأس النظام السابق، وإعتباره ثأرًا بين رأس النظام والشعب على سنين القهر والظلم، والتخلف، والإستبداد فقد نجحت الثورة، وإن كان الهدف من الثورة تحقيق المواطنة وترسيخ الديمقراطية والبناء و المادي والإجتماعي والفكري والثقافي فإنها لم تحقَّق أي شئ من هذا .. وهنا تكمن إجابة السؤال الأول ماذا تبقى من ثورة 17 فبراير ؟ لم يبقَ منها شيئًا لأنها لم تقم على ثوابت فكرية راسخة جامعة بين أبناء الوطن الواحد .
مؤسسات خارج الخدمة
أحد النشطاء .. ومن وجهة نظر ثقافية يرى بشكل عام إذا ما تم الحديث عن لا يمكننا الحديث عن ثقافة ووزارتها لم تستنفر كافة الموارد المتاحة لإعداد الخطط والمشاريع الثقافية التي من شأنها أن تبث الحياة في القطاع، ولم تعمل على تشكيل كيانات تنظيمية فعالة مختصة تعمل كبوتقة تُصهر فيها كافة الأفكار والآراء التي تحاول تقديم شيء للبلاد، ولم تعمل على دعم الكيانات الثقافية الناشئة المدفوعة بحماسة الشباب والمثقفين التي لم يعد لها وجود لغياب الدعم وكل ما ينبغي فعلة لتغيير أو تحسين المشهد .
كانت المشكلة ولازالت ثقافية، حتى وإن غلبت وجهات النظر الدور السياسي لكن ما هو سياسي لن يتبلور إلى مشروع حقيقي دون وجود الرافد الثقافي والذي ظل ولازال الضلع الناقض في مربع التحولات التي شهدتها المنطقة العربية سواء كان ذلك زمن الأنظمة الشمولية أو فترة ما سمي بالربيع العربي..إن غياب الوعي أو تشويهه يساوي مجتمع «زومبي» لا يعنيه الماضي، ولا الحاضر، ولا المستقبل .